الإمارات – السابعة الاخبارية
يوتيوب، في خطوة غير مسبوقة بين المنصات الرقمية الكبرى، أعلنت شركة يوتيوب عن إطلاق قسم جديد يهدف إلى دعم الصحة النفسية للمراهقين، وذلك من خلال توفير محتوى علمي موثوق ومصمم خصيصًا لتلبية احتياجات هذه الفئة العمرية الحساسة، التي أصبحت أكثر عرضة من أي وقت مضى لاضطرابات القلق والاكتئاب، وظواهر أخرى مثل فرط الحركة وتشتت الانتباه (ADHD)، واضطرابات الأكل.
المبادرة، التي تم الإعلان عنها عبر مدونة يوتيوب الرسمية، تشكّل تحولًا كبيرًا في سياسات المنصة تجاه المستخدمين الشباب، وتأتي في وقت ترتفع فيه معدلات المشكلات النفسية بين المراهقين عالميًا، بالتوازي مع ازدياد استخدامهم اليومي للمنصات الرقمية.
يوتيوب يطلق “رفوف الفيديو”: دعم نفسي بمجرد البحث
تعتمد المبادرة على آلية ذكية تُعرف بـ “رفوف الفيديو” (Video Shelves)، حيث يتم عرض مقاطع مختارة تلقائيًا عند قيام المستخدمين المراهقين بالبحث عن مواضيع مرتبطة بالصحة النفسية مثل “الاكتئاب”، “أشعر بالقلق”، أو “أعاني من اضطراب الأكل”. هذه المقاطع لا تُعرض بشكل عشوائي، بل تأتي من مؤسسات صحية معتمدة ومنظمات عالمية موثوقة في مجال الصحة النفسية.
من بين الجهات المشاركة في إنتاج وتقديم هذا المحتوى: مؤسسة Jed Foundation، وهيئة الخدمات الصحية الوطنية البريطانية (NHS)، والتحالف الوطني لاضطرابات الأكل، ومعهد Child Mind، وغيرها من المؤسسات المعروفة بخبرتها الطويلة في تقديم دعم نفسي وعلمي دقيق لفئة المراهقين.
محتوى آمن وعلمي في مواجهة فوضى الإنترنت
في عالم يعج بالمعلومات غير الدقيقة والنصائح المضللة، تمثّل هذه الخطوة من يوتيوب محاولة جادة لمواجهة ما يمكن تسميته بـ “فوضى المحتوى النفسي” التي يتعرض لها المراهقون يوميًا. فقد أثبتت الدراسات أن المراهقين، عند شعورهم بالضيق أو القلق، غالبًا ما يتجهون إلى الإنترنت للحصول على إجابات، لكنهم للأسف يقعون ضحية محتوى غير علمي، أو فيديوهات قد تُفاقم مشاعرهم السلبية بدلًا من تخفيفها.
تقول شركة يوتيوب إنها صممت هذا القسم خصيصًا ليكون مصدرًا آمنًا وموثوقًا، يقدم محتوى مناسبًا ثقافيًا وعُمريًا، حيث تم تدقيق جميع المواد من قبل مختصين بالصحة النفسية، وضمان خلوها من أي عناصر قد تكون ضارة نفسيًا أو تحفّز مشاعر سلبية.
90% من المراهقين يستخدمون يوتيوب بانتظام
تستند مبادرة يوتيوب إلى أرقام وبيانات توضح مدى تأثير المنصة في الحياة اليومية للمراهقين. تشير الإحصائيات الحديثة إلى أن أكثر من 90% من المراهقين حول العالم يستخدمون يوتيوب بانتظام، وغالبًا ما تكون المنصة هي وجهتهم الأولى عند البحث عن محتوى ترفيهي أو تعليمي أو حتى دعم نفسي.
هذا الاستخدام المكثف جعل من يوتيوب منصة محورية في تشكيل الوعي الجمعي والوجداني لدى فئة الشباب، وبالتالي فإن أي خطوة تُتخذ في هذا السياق تحمل تأثيرًا واسع النطاق، ويمكن أن تكون فارقة في تغيير حياة آلاف وربما ملايين من المراهقين.
دعم مؤسساتي واسع: أكثر من 30 شريكًا في الصحة النفسية
ما يميز هذه المبادرة عن غيرها هو اعتمادها على شراكات راسخة مع منظمات صحية موثوقة. فقد تعاونت يوتيوب مع أكثر من 30 منظمة دولية في إعداد هذه الفيديوهات، بما يشمل أطباء نفسيين، واختصاصيي علاج سلوكي، وخبراء في اضطرابات المراهقة.
تم إنتاج هذه المقاطع وفق أحدث المعايير العلمية، مع استخدام أسلوب بصري جذاب يساعد على إيصال الرسالة بشكل واضح وبسيط دون تعقيد، مما يجعل المحتوى قابلًا للفهم حتى لمن لا يمتلكون خلفية علمية في الطب النفسي.
كما روعي في إعداد الفيديوهات أن تكون قصيرة، مباشرة، ومرتكزة على الأمل والدعم، وليس على التخويف أو التهويل، وهو أسلوب أكثر فعالية عند مخاطبة الفئات العمرية الشابة.
منع المحتوى الضار: خطوة مصاحبة للمبادرة
إلى جانب توفير محتوى داعم وموثوق، أعلنت يوتيوب أنها بدأت أيضًا بتطبيق قيود مشددة على المحتوى الذي يُروّج لاضطرابات الأكل أو ي glamorize مشكلات نفسية كالاكتئاب والانتحار. فالمنصة تسعى في هذه المرحلة إلى موازنة حرية التعبير مع حماية الصحة النفسية للمستخدمين.
وقد بدأت خوارزميات يوتيوب مؤخرًا بإزالة المحتوى الذي يحتوي على مشاهد مؤذية أو رسائل غير لائقة يمكن أن تؤثر سلبًا على المراهقين، خاصة أولئك الذين يعانون من هشاشة نفسية أو يمرّون بمراحل حساسة من حياتهم.
تجربة شخصية للمستخدمين: المحتوى المخصص حسب العمر
ميزة أخرى تم دمجها في هذه المبادرة هي التخصيص الذكي. فعند قيام مراهق بالبحث عن مصطلحات مثل “أعاني من القلق” أو “أفكر كثيرًا في الموت”، تظهر له “رفوف الفيديو” بطريقة تلقائية، دون الحاجة للبحث الدقيق أو النقر على عشرات النتائج.
هذا النوع من التخصيص يجعل الوصول إلى الدعم أسهل، ويمنح المستخدم تجربة أكثر إنسانية، بدلًا من تعريضه لبحر من الفيديوهات التي قد لا تكون مناسبة لحالته أو مرحلته العمرية.
تغطية عالمية: المرحلة الأولى تشمل 6 دول
أعلنت يوتيوب أن المرحلة الأولى من إطلاق هذه المبادرة ستشمل الولايات المتحدة، المملكة المتحدة، كندا، فرنسا، أستراليا، والمكسيك. على أن يتم توسيعها تدريجيًا إلى دول أخرى بناءً على تقييم مدى فعاليتها.
وتهدف الشركة من خلال التوسّع العالمي إلى ضمان وصول الدعم النفسي إلى أكبر عدد ممكن من المراهقين حول العالم، مع العمل على تطوير نسخة تراعي الاختلافات الثقافية واللغوية في كل دولة.
المحتوى النفسي كجزء من ثقافة الإنترنت
هذه المبادرة تعكس تحولًا نوعيًا في ثقافة المنصات الرقمية، حيث باتت القضايا النفسية تحظى باهتمام أكبر، ولم تعد حكرًا على العيادات أو الكتب المتخصصة. اليوم، أصبح الحديث عن الصحة النفسية أمرًا مألوفًا بين المراهقين، وبدأت المنصات الكبرى تدرك مسؤوليتها في توفير محتوى يعزز التوازن النفسي ويخفف من وطأة الضغوط اليومية.
لم تعد “الصحة النفسية” مجرد مصطلح طبي، بل تحولت إلى قضية اجتماعية وثقافية تفرض نفسها على الشركات العملاقة مثل يوتيوب، والتي وجدت نفسها أمام تحدٍ أخلاقي: كيف نحمي المراهقين دون أن نقيّد حريتهم؟
لماذا الآن؟ التوقيت مهم وضروري
تأتي هذه المبادرة في وقت تتزايد فيه معدلات الاكتئاب والقلق والانتحار بين المراهقين حول العالم، لأسباب متعددة تشمل الضغوط المدرسية، التنمر الرقمي، تفكك الأسرة، والتأثير السلبي لبعض المحتويات الرقمية.
وبالتالي، فإن توفير محتوى علاجي وتوعوي على منصة بحجم يوتيوب يُعد ضرورة عاجلة وليس مجرد مبادرة تطوعية. فالمراهقون لا يذهبون دائمًا إلى المختصين، لكنهم يذهبون يوميًا إلى يوتيوب، ويجب أن يجدوا فيه ما يُطمئنهم لا ما يُرهقهم.
ختامًا: خطوة رائدة تستحق المتابعة
بإطلاقها لقسم الصحة النفسية الموجه للمراهقين، ترسم يوتيوب ملامح مستقبل رقمي أكثر إنسانية، حيث لا يقتصر دور المنصات على الترفيه أو الإعلان، بل يمتد ليشمل دعم الفئات الهشة وتمكينها من مواجهة تحدياتها اليومية.
المبادرة قد تكون البداية فقط، لكن تأثيرها المحتمل عميق، وقد تشكّل نموذجًا لباقي المنصات الرقمية حول العالم. ومع تقييم نتائج المرحلة الأولى، من المتوقع أن تتسع رقعة هذا المشروع، ليشمل لغات وثقافات وسياقات متعددة.