أمريكا- السابعة الإخبارية
يوتيوب.. أعلنت شركة يوتيوب، التابعة لعملاق التكنولوجيا “ألفابت”، عن مراجعة جوهرية في سياساتها الخاصة بإدارة المحتوى، تُمكّن بعض منشئي المحتوى الذين تم حظرهم في السنوات الماضية من العودة إلى المنصة، في خطوة وُصفت بأنها محاولة لإيجاد توازن بين حرية التعبير والحفاظ على معايير السلامة الرقمية.
خلفية القرار: من كوفيد-19 إلى الانتخابات
منذ عام 2020، اعتمد يوتيوب نهجًا صارمًا في مواجهة المعلومات المضللة، خاصة المتعلقة بانتشار جائحة كوفيد-19، ثم لاحقًا بما يتصل بـ نزاهة الانتخابات الأمريكية. هذا التشدّد انعكس في إغلاق العديد من القنوات، بعضها لشخصيات سياسية وإعلامية بارزة مثل المعلق المحافظ دان بونجينو، والمستشار السابق للرئيس الأمريكي ستيف بانون.
المنصة بررت حينها هذه الخطوات بضرورة “حماية المستخدمين من التضليل الذي قد يضر بالصحة العامة أو يزعزع الثقة في المؤسسات الديمقراطية”. لكن مع مرور الوقت وتغير السياقات، بدأت الأصوات تتعالى حول ضرورة مراجعة تلك السياسات التي وُصفت أحيانًا بأنها “تقييدية” و”انتقائية”.

ما الجديد في السياسة؟
بحسب ما كشفته شركة ألفابت في رسالة إلى اللجنة القضائية بمجلس النواب الأمريكي، فإن القنوات التي حُذفت بسبب سياسات لم تعد سارية بات بإمكانها الآن التقدّم بطلب لإعادة تفعيلها. وأوضحت الشركة أن هذا القرار يعكس “التزامها بحرية التعبير”، مع الإقرار بأن إرشادات المجتمع تتطور بمرور الزمن.
وبذلك، لن تكون الانتهاكات السابقة المتعلقة بـ”المعلومات الطبية عن كوفيد-19” أو “التشكيك في نزاهة الانتخابات” سببًا دائمًا للإبعاد، طالما أن هذه السياسات لم تعد ضمن الإطار التنظيمي الحالي للمنصة.
ما الذي لم يتغيّر؟
رغم الانفتاح الجديد، أكدت إدارة يوتيوب أن القواعد المتعلقة بالمحتوى الضار أو العنيف أو المحرّض على الكراهية ستظل قائمة. أي أن العودة متاحة فقط لأولئك الذين حُظروا وفق سياسات لم تعد مطبقة، وليس لمن تورطوا في مخالفات أساسية تتعلق بالسلامة العامة أو خطاب الكراهية.
كما شددت المنصة على أنها لن تفوّض جهات خارجية – مثل مدققي الحقائق – بالتحكم في تصنيف المحتوى أو حذفه. وبدلاً من ذلك، ستعتمد على أنظمة داخلية وآليات مجتمعية مثل ملاحظات المستخدمين، ولوحات معلومات تُوفّر سياقًا إضافيًا للمشاهدين.
لماذا الآن؟
توقيت القرار ليس عشوائيًا. فبعد سنوات من الضغوط التي تعرضت لها شركات التكنولوجيا بسبب دورها في التحكم بتدفق المعلومات، تحاول المنصات الكبرى اليوم إيجاد صيغة وسطية تحمي سمعتها أمام الاتهامات بالرقابة المفرطة، وفي الوقت ذاته تتجنب اتهامات التسيب أو السماح بانتشار التضليل.
وفي هذا السياق، تبدو خطوة يوتيوب جزءًا من اتجاه عالمي أوسع، إذ سبقتها شركة ميتا (فيسبوك وإنستغرام) بإعلانها عن إلغاء برنامج التحقق من الحقائق من جهات خارجية داخل الولايات المتحدة، واستبداله بأنظمة قائمة على “الملاحظات المجتمعية”، وهو النموذج الذي اعتمده أيضًا إيلون ماسك في منصته “إكس” (تويتر سابقًا).
ردود الفعل المتوقعة
القرار من المرجح أن يثير نقاشًا واسعًا داخل الأوساط السياسية والإعلامية الأمريكية، خصوصًا بين الجمهوريين الذين طالما اتهموا يوتيوب والمنصات الأخرى بالتحيز ضد الأصوات المحافظة. بالنسبة لهم، عودة قنوات مثل “بانون” و”بونجينو” تمثل انتصارًا لمبدأ حرية التعبير.
في المقابل، قد ينظر الديمقراطيون والمدافعون عن سلامة المعلومات إلى القرار باعتباره تنازلًا خطيرًا قد يسمح بعودة محتوى مضلل يهدد النقاش العام ويؤثر على ثقة المواطنين في مؤسساتهم.

التأثير على المشهد الرقمي
الخطوة قد تحمل آثارًا بعيدة المدى على المشهد الرقمي. فمن جانب، ستُعيد لملايين المتابعين القدرة على الوصول إلى أصوات تم إسكاتها سابقًا، ما يعزز التعددية على المنصة. ومن جانب آخر، قد تواجه يوتيوب تحديات في ضبط حدود “حرية التعبير” دون السماح بتحويل المنصة إلى ساحة للفوضى المعلوماتية.
كما أن الاعتماد المتزايد على المجتمع لتصحيح المعلومات يطرح تساؤلات حول فاعلية هذه الآلية، وهل يمكنها حقًا أن تعوّض عن دور الخبراء والمدققين المتخصصين، خاصة في القضايا الطبية أو السياسية الحساسة؟
بفتح الباب لعودة القنوات المحظورة، يرسل يوتيوب رسالة مفادها أن السياسات ليست ثابتة، وأن إدارة المحتوى في العصر الرقمي عملية معقدة تتأرجح بين ضمان حرية التعبير وحماية المستخدمين من التضليل. وبينما يرى البعض أن القرار خطوة نحو تصحيح أخطاء الماضي، يعتقد آخرون أنه قد يمهّد لموجة جديدة من الجدل حول دور المنصات في تشكيل الرأي العام.
وفي كل الأحوال، يبدو أن معركة المعلومات المضللة مقابل حرية التعبير ستظل ساحة صراع مفتوحة، لن تحسمها قرارات تقنية فقط، بل توازنات سياسية واجتماعية عابرة للحدود.