القاهرة – السابعة الاخبارية
عمرو دياب، في عام 2003، أصدر الفنان عمرو دياب ألبومًا اعتُبر وقتها من أهم وأنجح أعماله الغنائية، وهو ألبوم “علم قلبي“، الذي شكّل علامة فارقة في مسيرته الفنية، ليس فقط بسبب جودة الأغنيات وتنوّع الألحان.
بل بسبب الظروف الاستثنائية التي سبقت إطلاقه، والتي ارتبطت بواحدة من أشهر وقائع التسريب والسرقة الموسيقية في تاريخ الغناء المصري والعربي.
قبل أيام قليلة من الطرح الرسمي للألبوم، تعرّض عدد من أغانيه للتسريب بشكل مفاجئ، في حادثة أحدثت جدلًا واسعًا داخل الوسط الفني وبين جمهور “الهضبة”، خاصة أن النسخ المسربة كانت بتوزيعاتها النهائية وشكلها الموسيقي المكتمل.
هذه الواقعة أربكت الحسابات، وفرضت على فريق العمل، وفي مقدمتهم عمرو دياب، إعادة ترتيب الألبوم وخياراته الفنية من جديد، لإنقاذ المشروع الذي كان ينتظره الملايين من محبيه.
تسريب “أنا عايش”.. الأغنية التي قلبت الموازين في مشوار عمرو دياب
من بين الأغاني التي تم تسريبها في تلك الحادثة، برزت أغنية “أنا عايش” التي كتب كلماتها الشاعر ربيع السيوفي، ولحنها عمرو مصطفى، وكانت وقتها من أكثر الأغاني المنتظرة ضمن الألبوم.
وقد تمت سرقة النسخة النهائية من الأغنية بتوزيعها الموسيقي، الذي كان قد أعده الموزع فهد، أحد أعضاء فريق صناعة الألبوم.
ورغم أن هوية السارق لم تُكشف حتى اليوم، فإن الحادثة تركت أثرًا كبيرًا، ليس فقط من حيث ضياع مجهود فريق العمل، ولكن أيضًا من حيث تأثيرها على الخطط التسويقية والإنتاجية للألبوم، الذي كان من المقرر أن يُطرح في توقيت محسوب بدقة.
واضطر عمرو دياب إلى اتخاذ قرار سريع بإعادة توزيع أغنية “أنا عايش” بالكامل، وأسند المهمة إلى الموزع هاني يعقوب، لتخرج الأغنية من جديد بشكل مختلف وتكون ضمن النسخة الرسمية من الألبوم.
المفارقة أن النسختين – الرسمية والمسربة – حققتا نجاحًا كبيرًا، الأولى داخل الألبوم وضمن الخطة الترويجية الرسمية، والثانية انتشرت بشكل غير رسمي عبر الإنترنت والمنصات آنذاك، ما جعل الأغنية واحدة من أكثر الأعمال التي لاقت انتشارًا آنذاك رغم ظروفها المعقدة.
علم قلبي.. نهاية حقبة وبداية أخرى
ألبوم “علم قلبي” لم يكن مجرد عمل فني ناجح فحسب، بل شكّل أيضًا نهاية مرحلة كاملة في حياة عمرو دياب، حيث كان هو الألبوم الأخير الذي يتعاون فيه مع المنتج محسن جابر، مؤسس شركة “عالم الفن”.
العلاقة بين دياب ومحسن جابر امتدت لسنوات طويلة شهدت خلالها صناعة عدد من أشهر وأنجح ألبومات الهضبة، لكن مع نهاية “علم قلبي”، انتهت تلك الشراكة ليفتح الفنان فصلًا جديدًا في مشواره الفني.
من المفارقات اللافتة أيضًا، أن طرح الألبوم تزامن مع إطلاق قناة “مزيكا” الفضائية التابعة لمحسن جابر، وكان التنويه لإطلاق القناة يعتمد بشكل كامل على ترويج الألبوم، حيث تم عرض صورة ثابتة لبوستر “علم قلبي” على تردد القناة قبل افتتاحها، أعقبه عرض تشويقي للكليب، ثم بثه بشكل متواصل على مدار 24 ساعة فور افتتاح البث، ليصبح هذا الألبوم هو بوابة الجمهور إلى القناة الجديدة، وبداية فصل جديد في عالم الفضائيات الفنية.
الانتقال إلى روتانا وتغير خارطة الإنتاج
بعد نجاح “علم قلبي”، قرر عمرو دياب الانتقال إلى شركة “روتانا”، ليبدأ معها مرحلة جديدة امتدت لسنوات، قدم خلالها مجموعة من أبرز ألبوماته مثل “ليلي نهاري”، “كمل كلامك”، “الليلادي” وغيرها.
هذا الانتقال أثار وقتها الكثير من التساؤلات، واعتبره البعض نقلة استراتيجية في مسيرة النجم، خصوصًا في ظل التغيرات التي شهدها سوق الإنتاج الموسيقي، وصعود قنوات جديدة غيّرت من شكل الدعاية وتوزيع الأغاني.
لكن رغم مرور أكثر من عقدين على طرح “علم قلبي”، ما زال الألبوم حاضرًا بقوة في ذاكرة الجمهور، سواء بالأغاني التي تضمنها أو بالكواليس الدرامية التي سبقت صدوره.
الأغنيات التي شملت “علم قلبي”، “أنا عايش”، “تخيل”، “أنا عارف حبيبي”، و”ليلي نهاري” تركت بصمة كبيرة، وأثبتت أن الهضبة قادر دائمًا على تجاوز الأزمات وتحويلها إلى نجاح مضاعف.
22 سنة على “علم قلبي”.. وما زال الحنين حاضرًا
مع حلول الذكرى الثانية والعشرين لطرح ألبوم “علم قلبي”، يعود جمهور عمرو دياب لاستعادة لحظة فنية مهمة، جمعت بين التحدي والإبداع، وبين ذكريات زمن كانت فيه صناعة الموسيقى تمر بتحوّل جذري.
لا تزال هذه التجربة واحدة من أكثر القصص التي يتناقلها عشاق عمرو دياب كدليل على مرونته الفنية، وذكائه في التعامل مع الأزمات، وقدرته على إنتاج موسيقى تعيش وتُحب رغم كل الظروف.