أمريكا – السابعة الإخبارية
دخان الحرائق في تطور علمي لافت، كشفت دراسة حديثة أجراها باحثون من جامعة هارفارد الأمريكية عن تأثيرات ضارة “غير مرئية” يتسبب بها دخان الحرائق على جهاز المناعة لدى الإنسان، حتى في حال عدم وجود أمراض مزمنة أو حالات صحية سابقة.
وتعد هذه الدراسة الأولى من نوعها التي ترصد التغيرات المناعية على المستوى الخلوي بدقة عالية، مما يعيد تسليط الضوء على المخاطر الصحية المعقدة المرتبطة بالتعرض المتكرر للدخان، خصوصًا في ظل تزايد حرائق الغابات وتلوث الهواء حول العالم.

دخان الحرائق: مواد سامة وخلايا متغيرة
بحسب ما نشره موقع “ميديكال إكسبرس”، فإن دخان الحرائق لا يقتصر فقط على كونه مصدرًا للتلوث الهوائي، بل يحمل في طياته مزيجًا معقدًا من الجسيمات الدقيقة والغازات السامة والمواد الكيميائية الخطرة، من بينها مركبات PFAS المعروفة بـ”المواد الكيميائية الأبدية”، والمعادن الثقيلة مثل الزئبق والكادميوم، إضافة إلى مواد مسرطنة ثبت ارتباطها بأمراض القلب والرئة والسرطان.
لكن المفاجأة التي قدمتها الدراسة هي أن هذا الخليط الضار يؤثر أيضًا على الجهاز المناعي للأفراد الأصحاء، محدثًا تغيرات دقيقة في استجابتهم المناعية، وقد يؤدي ذلك إلى ضعف القدرة على مقاومة العدوى، وزيادة احتمالات الإصابة بالأمراض الالتهابية والمناعية المزمنة.
تصميم الدراسة: مقارنة بين متعرضين وغير متعرضين
اعتمدت الدراسة على تحليل عينات من 60 شخصًا بالغًا، نُصفوا بعناية إلى مجموعتين متكافئتين في السن والجنس والوضع الاجتماعي والأنماط الصحية العامة. المجموعة الأولى شملت أفرادًا تعرضوا مؤخرًا لدخان الحرائق، مثل رجال الإطفاء وبعض المدنيين في مناطق الكوارث البيئية، أما المجموعة الثانية فلم تتعرض للدخان مؤخرًا.
وركّز الباحثون على استخدام تقنيات تحليل مناعي خلوية متقدمة، لفحص تأثير التعرض على تركيبة وعدد ووظيفة الخلايا المناعية، إلى جانب تحليل التغيرات الجينية المرتبطة بالمناعة والالتهاب.
النتائج: خلل في الذاكرة المناعية وزيادة مؤشرات الالتهاب
كشفت النتائج عن تغيرات واضحة في الجهاز المناعي للمجموعة التي تعرضت للدخان، حيث تم تسجيل:
ارتفاع في خلايا الذاكرة التائية CD8+، وهي الخلايا المسؤولة عن المناعة طويلة الأمد.
زيادة ملحوظة في مؤشرات الالتهاب داخل الخلايا، ما قد يشير إلى بداية تفاعلات مناعية غير طبيعية.
تغيرات في 133 جينًا مرتبطًا بالحساسية والربو وأمراض المناعة الذاتية.
تفاعل كبير بين الخلايا المناعية ومعادن سامة مثل الزئبق والكادميوم، مما يزيد من الإجهاد الخلوي ويضعف الاستجابات الدفاعية.
وقالت الدكتورة كاري نادو، المعدة الرئيسة للدراسة ورئيسة قسم الصحة البيئية في كلية “تي إتش تشان” للصحة العامة بجامعة هارفارد:”لطالما عرفنا أن دخان الحرائق يؤثر على القلب والرئتين والجهاز العصبي، لكننا لم نكن نعرف كيف يؤثر بدقة على جهاز المناعة. هذه الدراسة تملأ هذه الفجوة وتزوّد صُنّاع القرار في مجال الصحة العامة بأدلة مهمة لفهم المخاطر والتعامل معها بشكل وقائي”.

أبعاد خطيرة على الصحة العامة
ما يثير القلق بشكل أكبر هو أن هذه التغيرات تم رصدها لدى أفراد يتمتعون بصحة جيدة، أي أنهم لا يعانون من أمراض مزمنة أو اضطرابات مناعية. وهو ما يعني أن الأثر الخفي للدخان يمكن أن يصيب أي شخص يتعرض له، حتى لفترات قصيرة أو بجرعات محدودة، خصوصًا في ظل تكرار الكوارث البيئية والحرائق في مناطق متعددة حول العالم.
وبحسب الباحثين، فإن هذه التغيرات لا تظهر فورًا في الأعراض الجسدية، ما يجعل من الصعب اكتشافها دون تحاليل متقدمة، وهو ما يضع عبئًا إضافيًا على أنظمة الصحة العامة لرصد الآثار بعيدة المدى لتلوث الهواء والدخان.
توصيات الباحثين: إجراءات احترازية عاجلة
في ضوء هذه النتائج، يوصي فريق الدراسة بعدة إجراءات وقائية تشمل:
توفير معدات الحماية الشخصية للعاملين في بيئات عالية التلوث، مثل رجال الإطفاء والإنقاذ.
تنبيه السكان في المناطق المعرّضة للحرائق حول مخاطر التعرض للدخان حتى لو كانت قصيرة الأمد.
تعزيز حملات التوعية البيئية بخصوص أهمية التهوية الداخلية وتنقية الهواء خلال فترات التلوث المرتفع.
إجراء فحوصات دورية للمناعين لدى المتعرضين المزمنين للدخان، حتى في حال عدم ظهور أعراض.
تكشف هذه الدراسة من جامعة هارفارد عن بُعد جديد وخفي من أضرار الدخان، وهو تأثيره المباشر على خلايا الجهاز المناعي، مما يفتح الباب أمام فهم أعمق لمخاطر التلوث البيئي.
وبينما يسابق العلماء الزمن لفهم آليات الخلل المناعي الناتج عن التلوث، يبقى الوقاية والوعي المجتمعي هما الخطوة الأهم لحماية الأفراد، خاصة في عصر يشهد تغيرًا مناخيًا يضاعف من حرائق الغابات ومصادر الدخان السام.
حريق وتصاعد اعمدة دخان في ساحة القصر الجمهوري في دمشق pic.twitter.com/HFypEPBRgj
— Ciwan ☀️ (@Ciwan259) June 27, 2025