العراق– السابعة الإخبارية
إقبال نعيم.. فقدت الساحة الفنية العراقية والعربية، يوم أمس الأربعاء، واحدة من أبرز نجماتها المسرحيات برحيل الفنانة إقبال نعيم، عن عمر ناهز 67 عامًا، بعد مسيرة حافلة بالعطاء الفني والتميز الأكاديمي، امتدت لعقود وكانت خلالها رمزًا من رموز المسرح العراقي الحديث.
وفيما خيم الحزن على الأوساط الثقافية والفنية في العراق، سارعت وزارة الثقافة العراقية ونقابة الفنانين العراقيين إلى نعي الراحلة، مؤكدتين أن المسرح العراقي فقد واحدة من قاماته المؤثرة.
وقال وزير الثقافة أحمد فكاك البدراني في بيان رسمي: “لقد كانت الفقيدة قامة فنية لها بصماتها الواضحة في مسيرة الفن العراقي الرصين والهادف”، مشيدًا بما قدمته من أعمال رسخت مكانتها في تاريخ المسرح العراقي. كما نعتها الهيئة العربية للمسرح، ودائرة السينما والمسرح، وعدد كبير من الفنانين العراقيين والعرب عبر مواقع التواصل الاجتماعي، مؤكدين أن رحيلها خسارة لا تعوض.

إقبال نعيم: من مواليد الفن والنص
وُلدت إقبال نعيم في يناير/كانون الثاني عام 1958 في عائلة فنية معروفة، فهي شقيقة الفنانة والمخرجة المسرحية البارزة عواطف نعيم. ومنذ بداياتها، انحازت إقبال إلى المسرح كخيار فني أول، مؤمنة بدوره التوعوي والجمالي، لتصبح واحدة من الأسماء اللامعة في الساحة المسرحية العراقية.
أنهت دراستها الفنية في معهد الفنون الجميلة ببغداد، ثم التحقت بفرقة المسرح الحديث، التي كانت آنذاك منبراً للمواهب والمشاريع التجريبية في فن الأداء المسرحي. وبعدها، انتقلت إلى العمل ضمن الفرقة القومية للتمثيل، حيث كرست سنوات طويلة في الأداء والإخراج والمشاركة في مشاريع نوعية.
مسيرة حافلة تجاوزت المئة عمل
تميزت إقبال نعيم بقدرة أدائية استثنائية، وحضور مسرحي قوي، مكنها من أداء أدوار درامية وإنسانية معقدة، جعلتها تحظى بتقدير خاص من النقاد والجمهور على حد سواء. لم تكن ممثلة فقط، بل كانت مثقفة مسرحية بكل ما تحمله الكلمة من معنى، وشاركت على مدار مسيرتها في أكثر من 100 عمل مسرحي.
عام 1985، حصلت على جائزة أفضل ممثلة من المركز العراقي للمسرح عن دورها في مسرحية “الرهن”، لتتوالى بعدها مشاركاتها النوعية، حيث فازت كذلك بجائزة أفضل ممثلة في دور ثانٍ عام 1987 عن مسرحية “ألف أمنية وأمنية”.
كما خاضت تجربة الإخراج المسرحي، وأخرجت عددًا من الأعمال التي تميزت بحس فكري عميق ورؤية فنية واعية، مما جعلها ليست فقط ممثلة بارعة، بل مخرجة تهتم ببنية العرض المسرحي بكل تفاصيله.
حضور محدود على الشاشة… لكنه مؤثر
رغم تفوقها الكبير في المسرح، لم يكن حضور إقبال نعيم على شاشة السينما والتلفزيون بنفس الزخم. إلا أنها تركت بصمة واضحة في الأفلام التي شاركت بها، منها فيلم “حب في بغداد” عام 1987، وفيلم “ستة على ستة” عام 1988، كما شاركت في الفيلم المصري العراقي المشترك “مطاوع وبهية”، الذي عُرض في تسعينيات القرن الماضي.
ورغم قلة ظهورها في السينما، فإنها كانت تفضل المسرح بوصفه “الفن الحي” القادر على التفاعل المباشر مع الجمهور، كما صرحت في أكثر من مناسبة، معتبرة أن للمسرح روحًا لا تجدها في الأشكال البصرية الأخرى.

من الفن إلى الأكاديمية
لم تكتفِ إقبال نعيم بموهبتها، بل عملت على تعزيز حضورها العلمي، حيث حصلت على درجة الدكتوراه في الفنون المسرحيةمن جامعة بغداد عام 2010، وأصبحت أستاذة أكاديمية في هذا المجال. وبهذا جمعت بين الجانب العملي والأكاديمي، وساهمت في تخريج أجيال جديدة من الفنانين والمسرحيين.
كانت تؤمن بأن المسرح لا يُورّث فقط من خلال العروض، بل عبر التعليم والتأطير الفكري، ولهذا شغلت مناصب عدة في وزارة الثقافة ودائرة السينما والمسرح، وكانت فاعلة في الندوات والمؤتمرات والمهرجانات المسرحية داخل العراق وخارجه.
وداع الفنانة… وأثر لا يُمحى
برحيل إقبال نعيم، تفقد الثقافة العراقية إحدى نسائها اللواتي حافظن على خط الفن الهادف، في زمن صعب مرّ فيه المسرح العراقي بالكثير من التحديات السياسية والاقتصادية والاجتماعية. ومع ذلك، استطاعت أن تظل وفية لفنها ومبادئها، وأن تقدم أعمالًا بقيت محفورة في ذاكرة المسرح العراقي.
سيبقى اسمها حاضرًا، ليس فقط في أرشيف العروض المسرحية، بل في قلوب طلابها وزملائها وجمهورها العريض الذي عرف فيها الالتزام، والموهبة، والعطاء المستمر.
إقبال نعيم لم تكن فنانة عادية، بل رمزًا من رموز المسرح العراقي الحديث. برحيلها يُطوى فصل من فصول الإبداع المسرحي النسوي في العراق، لكنها ستظل حاضرة بصوتها، وأدوارها، ونصوصها، وكل من تتلمذ على يديها.
وفاة الفنانة العراقية “اقبال نعيم” عن عمر ناهز 67 pic.twitter.com/pyOTROeFpR
— عِراقية (@teto_star20) July 9, 2025