لندن- السابعة الإخبارية
ميا زيلو.. في مشهد تكررت فيه عبارات الإعجاب والانبهار، تصدرت الشابة “ميا زيلو” منصات التواصل الاجتماعي خلال الأيام الأخيرة، بعد تداول صورها من مدرجات بطولة ويمبلدون للتنس 2025، بإطلالة أنيقة وسحر آسر. ظهرت ميا بسترة خضراء وشعر أشقر مموج بدقة، وبدت كما لو كانت شخصية حقيقية بين الحضور.
لكن المفاجأة الأكبر لم تكن في جمالها أو أسلوبها، بل في حقيقتها: ميا زيلو ليست إنسانة حقيقية، بل شخصية رقمية كاملة، أُنشئت بواسطة تقنيات الذكاء الاصطناعي، لتُجسّد واحدة من أحدث الظواهر الرقمية في عالم التأثير: المؤثرون الافتراضيون.
ميا زيلو.. جمال صناعي وتأثير حقيقي
أنشئت ميا في مارس 2024، ونجحت خلال أشهر قليلة في جذب أكثر من 160 ألف متابع على “إنستغرام”، تنشر لهم محتوى متنوعًا بين صور مصممة بعناية فائقة، ورسائل تحفيزية تُشبه كثيرًا أسلوب كبار المؤثرين الواقعيين. من بين ما نشرته:”لن يلاحظ الآخرون سوى نجاحك، لكنك ستتذكر كل إخفاق، وكل لحظة ثابرت فيها.”
وفي منشور آخر خاطبت فيه متابعيها بقولها:إلى من يعمل بصمت، ويشك في نفسه… لا تستسلم، سيحين وقتك.”
ولم تكن البداية منفصلة تمامًا، إذ سبقت ميا شخصية افتراضية أخرى تُدعى “آنا زيلو”، ظهرت في يناير 2024، وعرّفت ميا على الجمهور باعتبارها “أختها الصغرى”، في خطوة ذكية تُحاكي علاقات البشر وتضفي طابعًا واقعيًا على السرد الافتراضي.

من ليل ميكيلا إلى آيتانا.. ترند رقمي يتوسع
ميا ليست أول شخصية رقمية تُحدث ضجة على الإنترنت. فقد بدأت ظاهرة “المؤثرين الافتراضيين” منذ عام 2016، حين ظهرت شخصية “ليل ميكيلا”، التي يتابعها اليوم أكثر من 2.4 مليون مستخدم على إنستغرام، وتُعد من أوائل من رسّخوا وجود المؤثر الرقمي.
ثم جاءت “آيتانا لوبيز”، شخصية افتراضية صممها فريق إسباني، تظهر كعارضة أزياء تبلغ من العمر 25 عامًا، ويُتابعها نحو 400 ألف شخص. اللافت أنها تحقق دخلًا شهريًا يُقدّر بنحو 3000 يورو، رغم أنها لا تنتمي لعالم الواقع!
المصمم روبن كروز، مبتكر آيتانا، شرح دوافع هذه الثورة الرقمية قائلاً:أردنا تحسين دخلنا دون التعامل مع مؤثرين حقيقيين يطلبون مبالغ باهظة أو يتصرفون بتكبر… الشخصيات الافتراضية تمنحنا السيطرة الكاملة دون دراما.”
ما الذي يجعل المؤثر الافتراضي جذابًا؟
تشير تحليلات السوق إلى أن المؤثرين الافتراضيين يجمعون بين الجاذبية البصرية المدروسة بدقة، والانضباط في المحتوى، والقدرة على الاستمرارية دون متطلبات بشرية مثل التعب، أو التغيرات المزاجية، أو التوقف لأسباب شخصية.
إلى جانب ذلك، يتيح الذكاء الاصطناعي قدرة غير محدودة على تطوير الشخصية وتحديثها لتواكب كل جديد، من الموضة إلى القضايا الاجتماعية، دون الحاجة لتدريب أو توجيه بشري مستمر.
ولكن.. ماذا عن الجانب الإنساني؟
رغم التأثير المتزايد لهذه الشخصيات الرقمية، إلا أن الجدل يشتد حول تأثيرها على صناعة المحتوى وعلى تفاعل الجمهور. هل يمكن لشخصية غير حقيقية أن تلامس مشاعر الجمهور بصدق؟ هل تتراجع أهمية التواصل البشري في مقابل “الصور المثالية” التي يصنعها الذكاء الاصطناعي؟
خبراء الإعلام الرقمي يرون أن التفاعل مع المؤثرين الافتراضيين قد يُرضي الحواس البصرية، لكنه يفتقر لعنصر “العفوية والصدق الإنساني” الذي يبني علاقة عاطفية مستدامة مع المتابعين.

مستقبل التأثير.. بين الواقع والافتراض
مع تزايد عدد الشخصيات الافتراضية التي تدخل عالم الأزياء والإعلانات والسوشيال ميديا، تتزايد الأسئلة عن مستقبل المؤثرين الحقيقيين. هل تصبح الشركات أكثر ميلاً للتعامل مع شخصيات افتراضية بسبب تحكّمها المطلق في الصورة والرسائل؟ أم أن الإنسان الحقيقي سيظل يحتفظ بمكانته في عالم التأثير، نظرًا لما يقدّمه من مشاعر وتجارب واقعية لا يمكن محاكاتها بدقة؟
المفارقة أن كثيرًا من المتابعين لا يدركون أن الشخصيات التي يتفاعلون معها ليست حقيقية. فهل نحن أمام مرحلة جديدة من “الخداع الرقمي المشروع”؟ أم أننا ببساطة نعيش تحوّلاً طبيعيًا في شكل التأثير والتواصل الاجتماعي في عصر الذكاء الاصطناعي؟
قصة ميا زيلو تكشف ليس فقط عن مدى تقدم تقنيات الذكاء الاصطناعي في محاكاة الواقع، بل عن مدى استعداد الناس للتفاعل مع “اللاواقع”، طالما أنه مُقنع وجذاب. وبينما يتزايد عدد المؤثرين الافتراضيين، يبقى التحدي الأهم هو: كيف نُميّز الحقيقي من الرقمي؟ وهل يهمنا أن نعرف
المفارقة أن كثيرًا من المتابعين لا يدركون أن الشخصيات التي يتفاعلون معها ليست حقيقية. فهل نحن أمام مرحلة جديدة من “الخداع الرقمي المشروع”؟ أم أننا ببساطة نعيش تحوّلاً طبيعيًا في شكل التأثير والتواصل الاجتماعي في عصر الذكاء الاصطناعي؟
خطفت مؤثرة في “إنستغرام” اسمها ميا زيلو الأنظار وخلبت الألباب بمجموعة الصور الجديدة التي نشرتها في ويمبلدون، لكن الشابة ليست من لحم ودم#نكمن_في_التفاصيل https://t.co/sp70gRr6nB
— Independent عربية (@IndyArabia) July 14, 2025