مصر – السابعة الإخبارية
الأكل العاطفي.. في ظل الضغوط اليومية والتقلبات المزاجية التي نعيشها، قد يجد البعض في الطعام وسيلة للهروب أو التعويض، دون أن يدركوا أن هذه العادة قد تكون بداية لمشكلات صحية خطيرة.
في هذا السياق، كشفت الدكتورة رحاب عصمت، الباحثة بقسم بحوث الأغذية الخاصة والتغذية في معهد بحوث تكنولوجيا الأغذية، عن مفهوم “الأكل العاطفي”، موضحةً أسبابه، مظاهره، وآثاره السلبية على الصحة الجسدية والنفسية.
ما هو الأكل العاطفي؟
الأكل العاطفي هو سلوك غذائي يلجأ فيه الشخص إلى تناول الطعام كرد فعل للمشاعر وليس استجابة لحاجة جسدية فعلية. وبحسب الدكتورة رحاب، فإن الإنسان قد يشعر بالجوع، ليس لأن جسمه بحاجة إلى الطاقة، وإنما لأن مشاعره المضطربة – سواء كانت سلبية أو حتى إيجابية – تدفعه نحو تناول أطعمة معينة توفر له “راحة” لحظية.
هذا المفهوم يوضح كيف يمكن للطعام أن يتحول من وسيلة لتغذية الجسم إلى أداة تهدئة نفسية مؤقتة، تُستخدم لمواجهة القلق، الحزن، الغضب، أو حتى الفرح والحماسة.

الأكل العاطفي.. هل تبحث عن الراحة في الطعام؟
تؤكد الدكتورة رحاب أن الأفراد الذين يعانون من الأكل العاطفي غالبًا ما ينجذبون نحو أطعمة ذات سعرات حرارية عالية، وقيمة غذائية منخفضة، مثل:
• المخبوزات والمعجنات
• الحلويات والآيس كريم
• المقرمشات الجاهزة بنكهة صناعية
• أطباق المكرونة سريعة التحضير
هذه الأطعمة، بفضل احتوائها على نسب مرتفعة من السكريات والدهون المشبعة، تحفّز الدماغ على إفراز مواد كيميائية مثل الدوبامين، ما يمنح شعورًا مؤقتًا بالراحة والسعادة.
لكن الثمن؟ باهظ!
تحذّر الباحثة من أن هذا النمط من الأكل لا يؤدي فقط إلى زيادة الوزن، بل يُعد أحد أسباب الإصابة بالسمنة، والتي بدورها تمثل بوابة لكثير من الأمراض، أبرزها:
• أمراض القلب والشرايين
• ارتفاع ضغط الدم، خاصة الضغط الرئوي
• اضطرابات التنفس
• احتمالية الإصابة بالجلطات
• زيادة الالتهابات نتيجة تراكم السكريات في الجسم
إن الاعتماد المتكرر على الطعام كأداة لتفريغ المشاعر أو مواجهتها هو سلوك غير صحي ينعكس سلبًا على الصحة النفسية أيضًا، حيث يترافق مع شعور بالذنب، وفقدان السيطرة، ولوم الذات.

الجوع العاطفي مقابل الجوع الفيزيائي: اعرف الفرق
تؤكد الدكتورة رحاب على ضرورة التفرقة بين نوعين من الجوع:
الجوع العاطفي
• يظهر فجأة، دون مقدمات
• يتطلب إشباعًا فوريًا
• يدفع الشخص لاختيار أطعمة مريحة نفسياً
• يستمر حتى بعد الشبع الفيزيائي
• غالبًا ما ينتهي بالندم أو الذنب
الجوع الفيزيائي
• يتطور تدريجيًا
• يُمكن تجاهله لبعض الوقت
• لا يرتبط بأطعمة محددة
• يتوقف عند الشعور بالامتلاء
• لا يولّد مشاعر سلبية بعد الأكل
الأكل العاطفي لا يقتصر على الحزن فقط
من المعتقدات الخاطئة أن الأكل العاطفي يحدث فقط نتيجة المشاعر السلبية. توضح الدكتورة رحاب أن الأكل العاطفي يمكن أن يحدث في جميع الحالات الشعورية، سواء:
• مشاعر سلبية: كالخوف، القلق، الحزن، الغضب، الإحباط، والملل
• مشاعر إيجابية: كالسعادة، الحب، الحماسة، الشعور بالنجاح أو الإنجاز
في كلتا الحالتين، يصبح الطعام وسيلة مكافأة أو تهدئة، وهذا هو جوهر المشكلة.
كسر دائرة الأكل العاطفي: كيف تبدأ؟
تشرح الدكتورة رحاب أن الأكل العاطفي عادة تبدأ بدافع شعوري (مثل التوتر أو الفراغ)، ويليها تناول طعام غني بالطاقة يمنح شعورًا لحظيًا بالارتياح. بعد ذلك، يشعر الشخص بالذنب، مما يدفعه لتكرار نفس السلوك بحثًا عن راحة جديدة. وتستمر هذه الدائرة المغلقة ما لم يتم التدخل لكسرها.
أنشطة بديلة تساعدك على التحكم في الأكل العاطفي
للتغلب على هذا السلوك، تقترح الباحثة مجموعة من الأنشطة التي يمكن أن تصرف الانتباه عن الطعام وتوفر بدائل صحية للتعامل مع المشاعر، مثل:
• ممارسة التمارين الرياضية أو تمارين الاسترخاء (كاليوجا والتأمل)
• المشي في الهواء الطلق
• الاستماع إلى الموسيقى الهادئة
• الانخراط في هواية محببة (مثل القراءة أو الرسم)
• الحديث مع صديق مقرّب أو أحد أفراد العائلة
• الكتابة أو التدوين للتنفيس عن المشاعر بدلًا من الأكل
الخلاصة: غذِّ جسدك… لا مشاعرك
تنصح الدكتورة رحاب عصمت بضرورة نشر التوعية الغذائية، والتفريق بين الجوع العاطفي والجوع الحقيقي، واتخاذ خطوات عملية لتعديل السلوك الغذائي. فالطعام وجد لتغذية الجسد، لا لتخدير المشاعر. والمفتاح هو الوعي الذاتي، وتبني نمط حياة صحي متوازن، نفسيًا وجسديًا.
