لبنان – السابعة الاخبارية
ماجدة الرومي، في مشهدٍ لن يُنسى من ذاكرة اللبنانيين والعرب، ودّع لبنان صباح اليوم الاثنين، الموسيقار الكبير زياد الرحباني، وسط جنازة مهيبة أُقيمت في كنيسة “رقاد السيدة” ببلدة المحيدثة في كفيا، بحضور واسع من الفنانين والسياسيين والجمهور. وبينما خيّم الحزن على المكان، اختُزلت كل مشاعر الأسى والوفاء في لقطة واحدة: الفنانة ماجدة الرومي تجثو على ركبتيها أمام السيدة فيروز، وتُقبل يديها، في وداع ابنها زياد.
ماجدة الرومي… انحناءة المحبة والوفاء
انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي لقطات مصوّرة للفنانة ماجدة الرومي، وهي تنحني أمام السيدة فيروز، بكل ما في هذا الفعل من دلالات محبة واحترام ووفاء. لحظة صادقة لم تكن بروتوكولية ولا متكلفة، بل نابعة من القلب. ماجدة التي جمعتها بتاريخها الفني علاقة وجدانية مع إرث الرحابنة، اختارت أن تواسي الأم الأسطورية بطريقتها الخاصة، واضعة مشاعرها في العلن، حيث لم تتمالك دموعها وهي تُقبل يدي فيروز، كأنها تقول: “أنت لستِ وحدك”.
قامة فنية مثل ماجدة الرومي نزلت وباست يدين الإرث التاريخي للفن فيروز تقديرًا لوجعها
وفنانين الجيل الحالي إذا كملوا سنتين بالفن شافوا نفسهم على بعض
pic.twitter.com/3uBvt2cGjv— المُثنَّى (@mu2si) July 28, 2025
هذه اللحظة المؤثرة لاقت تفاعلًا واسعًا عبر مواقع التواصل، حيث رأى الكثير من المتابعين أن ماجدة عبّرت عن مشاعر ملايين المعجبين الذين نشأوا على صوت فيروز وإبداعات زياد. فالأم التي غنت للبنان، وعاشت صمته ووجعه، كانت في تلك اللحظة بحاجة إلى من يحتضنها، بعد أن ودّعت ابنها وشريكها الفني والروحي.
فيروز… الظهور النادر في لحظة الفقد
السيدة فيروز، التي قلّما تظهر في الأماكن العامة أو المناسبات الرسمية، خرجت اليوم من عزلتها، في أول ظهور علني لها منذ سنوات، لتلقي النظرة الأخيرة على نجلها زياد. لحظة شديدة الخصوصية والحزن، وثّقتها عدسات الكاميرا، حيث بدت فيروز ترتدي نظارات سوداء تخفي دموعًا لا تخفى، وملامح حزنٍ صامتٍ ناطقة بكل ما يعجز الكلام عن قوله.
رافقتها في هذه اللحظات ابنتها ريما الرحباني، التي وقفت إلى جانبها طوال الوقت، تحيطها بالرعاية والاحتضان. لحظة دخول فيروز إلى الكنيسة كانت مؤثرة للغاية، وقد قوبلت بتصفيق طويل من الحضور، في تعبير شعبي عن الحب الكبير لها ولزياد، الذي شكّل مع والدته ثنائيًا نادرًا في تاريخ الموسيقى والمسرح العربي.
كنيسة المحيدثة… مسرح الوداع الأخير
كنيسة “رقاد السيدة” في بلدة المحيدثة بكفيا، تحوّلت صباح اليوم إلى محجّ فني وثقافي وديني، اجتمع فيه المحبون لوداع زياد الرحباني، الذي رحل عن عمر ناهز 69 عامًا، بعد مسيرة حافلة بالإبداع والاختلاف. حضر الآلاف من المواطنين، متوشحين بالسواد، حاملين صوره، ورافعين لافتاتٍ كُتب عليها عبارات مثل: “وداعًا صوت الناس”، و*”زياد… ما رح ننسى الضحكة والموسيقى والموقف”*.
في محيط الكنيسة، وقبل وصول الجثمان، احتشد المئات في صمت ووجوم، فيما أُقيمت مراسم صلاة الجنازة داخل الكنيسة وسط أجواء من الرهبة والدموع. وبدت ملامح التأثر واضحة على الوجوه، خاصة عند لحظة دخول السيدة فيروز التي بدت متماسكة رغم الحزن، تحيي الحضور بهدوء وصمتٍ يشبه صمتها الفني الطويل.
لحظة الوداع تبدأ من مستشفى الحمراء
منذ ساعات الصباح الأولى، بدأ محبو زياد بالتجمهر أمام مستشفى بخعازي خوري في منطقة الحمراء ببيروت، حيث كان يرقد جثمانه. أجواء جنائزية خيمت على المنطقة، وسط حضور كثيف من المواطنين، الذين عبّروا عن حزنهم الشديد بفقدان فنان اختصر وجع الوطن في كلماته، ومزج السياسة بالمسرح، والنقد بالفن، من دون أن يفقد حسّه الإنساني.
حُمِل الجثمان من المستشفى في موكب رسمي وشعبي، تقدّمه عدد من الشخصيات الفنية والثقافية، في طريقه إلى الكنيسة. وكان المشهد مؤثرًا بكل تفاصيله، إذ بدا أن لبنان يودّع واحدًا من أبرز أبنائه وأكثرهم جرأة وعمقًا في التعبير عن وجع الناس.
الفنانون يشاركون في التشييع… والكلمة لزياد
شهدت مراسم التشييع حضور نخبة من الفنانين الذين حرصوا على مواساة السيدة فيروز وعائلة الرحباني. ومن أبرز الحضور كانت الفنانة كارمن لبس، التي ظهرت في حالة انهيار عاطفي، وقدّمت التعازي للسيدة فيروز والدموع تملأ عينيها. كما حضرت جوليا بطرس، مارسيل خليفة، هبة طوجي، طارق تميم، جورج شلهوب، كارول سماحة، مايا دياب، راغب علامة، ماجدة الرومي، وآخرون، في مشهد جمع بين الأجيال، واتفق على تكريم هذا الفنان الاستثنائي.
زياد… الحاضر الغائب
زياد الذي أحبّه الناس لأنه شبيههم، ولأنه لم يساوم، غاب اليوم جسدًا، لكنّه حاضر في الوجدان والفكر والفن. حضوره كان طاغيًا حتى في غيابه، من خلال صوره المرفوعة، ولافتات كُتبت عليها مقتطفات من أعماله المسرحية: “شي فاشل”، “بالنسبة لبكرا شو؟”، و”نزل السرور”، ومن خلال أغانيه التي رُددت همسًا بين الحشود.
لقد علّم زياد الناس كيف يضحكون على ألمهم، وكيف يصنعون من السخرية موقفًا، ومن الموسيقى حكاية تُروى. وأثبت أن الفن يمكن أن يكون صادقًا، ناقدًا، محرضًا، ومنحازًا لمن لا صوت لهم.
وداع الوطن لصوت الناس
ودّع اللبنانيون اليوم رجلًا لم يسايرهم، بل واجههم بالحقيقة. لم يغنِّ للسلطة، بل للناس. لم يكن ترفًا فنيًا، بل ضرورة ثقافية. وزياد الذي رحل عن عالمنا، لا يمكن أن يُدفن في الذاكرة، لأنه متجذّر في تفاصيل الحياة اليومية، في الكلام، في النغمة، في الضحكة، وفي الحسرة.
ماجدة الرومي حين انحنت أمام فيروز، كانت تنحني أيضًا لوجعنا الجمعي، لرمزٍ بحجم وطن. وفي تلك اللحظة، لم تكن فقط تواسي أمًا مفجوعة، بل كانت تواسي أمة بأكملها فقدت أحد أكثر أبنائها صدقًا وتأثيرًا.
وداعًا زياد… ستظل تُكتب وتُغنّى وتُضحكنا وتُبكينا، ما دام في هذا الوطن أمل، وفي الناس وجع.