تونس – السابعة الاخبارية
زياد الرحباني، أعلنت إدارة مهرجان “أيام قرطاج السينمائية” في بيان رسمي عن تكريم اسم الموسيقار اللبناني الكبير زياد الرحباني، ضمن فعاليات الدورة السادسة والثلاثين من المهرجان، المقرر إقامتها خلال الفترة من 13 إلى 20 ديسمبر 2025.
يأتي هذا التكريم تتويجًا لمسيرة فنية استثنائية امتدت لعقود، مزج خلالها الرحباني بين الموسيقى والمسرح والدراما والسينما، وأعاد تعريف العلاقة بين الفن والواقع في العالم العربي.
زياد الرحباني يُكرَّم في “قرطاج السينمائية”.. احتفاء بفنان لا يشبه أحدًا
بحسب بيان المهرجان، فإن تكريم زياد الرحباني هذا العام لا يقتصر على عمل سينمائي محدد أو إنجاز تقني بعينه، بل هو احتفاء بشخصية فنية نادرة، تجاوزت الأطر التقليدية للفن، وتمكّنت من الوصول إلى الوجدان العربي بشكل عابر للّغة واللهجة والجغرافيا.
وأضافت إدارة المهرجان في إشارتها الساخرة:
“حضور زياد الرحباني في هذه الدورة لن يكون عبر فيلم أميركي طويل”، في تلميح ذكي إلى أحد أشهر نصوصه المسرحية الساخرة، بل سيكون عبر استحضار أثره الفني العميق، الذي ظل حاضرًا في ذاكرة أجيال عربية بكاملها.
بين الموسيقى والصورة.. سينما الروح
يشمل تكريم الرحباني عرض مجموعة من الأفلام التي شارك فيها كمؤلف موسيقي أو ممثل، إلى جانب إقامة ندوات ولقاءات فنية ونقدية تستعرض مسيرته الغنية وأثره في السينما العربية. ومن المنتظر أن تعرض أعمال سينمائية نادرة جمعت بين فنه ومخرجين كبار، مثل رندة الشهال ومارون البغدادي وفاروق بلوفة، وهي أفلام ارتقت فيها الموسيقى من مجرد خلفية تصويرية إلى عنصر سردي حيوي يُكمل البناء الدرامي.
وقد شكّلت موسيقى زياد الرحباني خلفية روحية لمشاهد سينمائية ذات طابع إنساني حاد، وكانت حاضرة بقوة في أفلام تعالج قضايا الحرب والهوية والنزوح والانكسار، وهي ثيمات لطالما انشغل بها ككاتب ومسرحي وموسيقي.
زياد الرحباني: حالة فنية متفردة
ينتمي زياد الرحباني إلى عائلة موسيقية عريقة، فهو ابن الأسطورة فيروز والراحل عاصي الرحباني، لكنه اختار لنفسه دربًا مغايرًا، جسّد فيه صوت الرفض والسخرية والمقاومة الثقافية. منذ بداياته في السبعينيات، أثبت أنه لا يرغب في تكرار نجاحات الجيل السابق، بل يسعى إلى بناء لغته الخاصة التي تمزج السياسة بالفن، والنقد بالحب، والهزل بالوجع.
في السينما، قد لا تكون مشاركاته كثيرة من حيث العدد، لكنها مؤثرة من حيث النوع. ففي فيلم مثل “حروب صغيرة” للمخرج مارون البغدادي، ظهر زياد الرحباني كممثل منح الشخصية عمقًا لا يُنسى، وساهم في بناء صورة لبيروت الجريحة والمتناقضة، بيروت التي أحبها وهاجمها في آنٍ معًا.
السينما كمرآة للمسرح والواقع
على الرغم من أن المسرح شكل الفضاء الإبداعي الأوسع لزياد الرحباني، فإن الكثير من أعماله المسرحية كانت تحمل بصريًا ودراميًا مقومات سينمائية بامتياز، سواء في أسلوب الإخراج أو في تطويع الموسيقى لخدمة المشهد.
وقد سعت بعض الأفلام الوثائقية إلى التقاط هذه الجوانب، مثل فيلم “زياد الرحباني.. الموسيقى والثورة”، الذي تم إنتاجه في فرنسا عام 2018، واستعرض محطات من حياته بوصفه فنانًا ملتزمًا بقضايا الناس، لا مجرد نجمٍ موسيقي.
لهذا السبب، لا يُنظر إلى تكريمه في “أيام قرطاج السينمائية” بوصفه مجاملة رمزية، بل اعترافًا حقيقيًا بدوره كمبدع تقاطعت مساراته مع تطور السينما العربية الجديدة، سواء من خلال الموسيقى أو التمثيل أو التأثير الثقافي الأشمل.
تكريم خارج السرد التقليدي
تميّز مهرجان قرطاج عبر تاريخه بانفتاحه على التجارب السينمائية ذات الطابع الإبداعي التحرّري، التي تنتمي لما يُعرف بـ”السينما البديلة”، ولهذا فإن اختيار تكريم زياد الرحباني هذا العام يبدو خيارًا طبيعيًا ومتسقًا مع روح المهرجان، بل ربما كان تكريمًا لجماليات الفنّ المقاوم عمومًا، لا لشخص بعينه.
فالرحباني، كما ترى لجنة التنظيم، هو حالة ثقافية كاملة لا تنفصل عن السياق السياسي والاجتماعي الذي أنتجها. موسيقاه ليست فقط ألحانًا، بل مواقف. ومسرحه ليس فقط مشاهد، بل خطابًا. وأعماله ليست فقط تسلية، بل تذكير دائم بأسئلة الحاضر.
جمهور ينتظر.. وذاكرة تتجدد
لا شك أن جمهور المهرجان، والنقاد والمتخصصين في السينما والموسيقى على حد سواء، سيجدون في تكريم زياد الرحباني فرصة لإعادة استكشاف إرث فني لا يُقاس بعدد الألبومات أو عدد المشاركات، بل بقدرته على التأثير والإلهام والتجديد.
وستكون الأمسيات التي تُنظم على هامش التكريم، فرصة لجمهور الشباب للتعرف على صوت وصورة هذا الفنان المختلف، الذي ظل حتى اليوم مرجعًا في السخرية النبيلة، والتحليل العميق، والموقف الصلب في وجه الرداءة.
تكريم بحجم مشروع
لا تُكرِّم قرطاج السينمائية في هذا العام فنانًا فحسب، بل تكرّم مشروعًا فنيًا متكاملًا، بدأ منذ أكثر من 40 عامًا ولا يزال ينبض بالحياة والجرأة. مشروعًا لم تَحدُه الشاشة أو المسرح أو النوتة الموسيقية، بل امتد إلى الحياة اليومية، إلى النقد الاجتماعي، إلى الوعي العربي الجريح.
تكريم زياد الرحباني في “أيام قرطاج السينمائية” هو ببساطة: تكريم للذكاء الفني، للإنسان قبل الفنان، وللفن حين يكون موقفًا من العالم.