أبوظبي – السابعة الإخبارية
محكمة أبوظبي.. في حكم قضائي يعزز مبدأ حماية الحقوق المدنية ويؤكد على قوة الإثبات الرقمي، أصدرت محكمة أبوظبي للأسرة والدعاوى المدنية والإدارية حكمًا يُلزم رجلًا برد 100 ألف درهم إلى امرأة كانت قد أقرضته المبلغ بموجب علاقة صداقة بينهما، إلا أنه امتنع عن السداد رغم مطالباتها المتكررة.
تفاصيل الدعوى: قرض تحوّل إلى نزاع قانوني
بدأت فصول القضية عندما تقدّمت امرأة بدعوى مدنية أمام المحكمة، تطالب فيها بإلزام المدعى عليه بإعادة مبلغ 100,000 درهم، إضافة إلى فائدة قانونية بنسبة 12% من تاريخ المطالبة القضائية وحتى السداد الكامل.
وأشارت المدعية إلى أنها قامت بتحويل المبلغ إلى حساب الرجل بناءً على علاقة صداقة وثقة متبادلة كانت تربط بينهما، وقد تم الاتفاق شفهيًا على أن المبلغ هو “سلفة مالية” أو قرض شخصي يُسدّد لاحقًا، دون وجود عقد مكتوب بين الطرفين.
وبحسب ما ورد في لائحة الدعوى، فإن الرجل امتنع عن السداد لأشهر طويلة، رغم مطالبة المرأة مرارًا وتكرارًا بإعادة المبلغ، الأمر الذي اضطرها إلى اللجوء للقضاء لحماية حقوقها المالية.

الأدلة الرقمية كانت حاسمة
لم تأتِ الدعوى خالية من الإثباتات، فقد دعّمت المدعية شكواها بمجموعة من المستندات، أبرزها:
إيصال تحويل بنكي صادر باسم المدعى عليه، يثبت تسلّمه المبلغ.
محادثات “واتساب” متبادلة بين الطرفين، تؤكد صفة القرض، وتُظهر تكرار طلب المدعية إعادة المال، مع تأكيد المدعى عليه على نية السداد لاحقًا.
وقد لعبت هذه الأدلة الرقمية دورًا مهمًا في إثبات وجود علاقة مالية حقيقية بين الطرفين، وهو ما اعتمدت عليه المحكمة في تسبيب حكمها.
المدعى عليه يعترف.. ولكن يتمسك بالتوقيت
خلال جلسات المحاكمة، أقرّ المدعى عليه باستلام المبلغ المالي من المدعية، لكنه حاول الدفاع عن نفسه بالقول إن “موعد السداد لم يحن بعد”، دون أن يقدّم أي دليل أو مستند يفيد بوجود اتفاق صريح على تأجيل السداد.
واعتبرت المحكمة أن العبارات المتبادلة في المحادثات الرقمية، إضافة إلى امتناعه المستمر عن إعادة المبلغ رغم مطالبات متكررة، تمثل دليلًا على المماطلة والإخلال بالالتزام، خاصة في ظل عدم وجود اتفاق رسمي يحدد آجال الدفع.
محكمة أبوظبي: الامتناع عن السداد خرق واضح للالتزام
في حيثيات حكمها، أكدت محكمة أبوظبي أن إقرار المدعى عليه باستلام المبلغ المالي يُعد قرينة قانونية على وجود دين في ذمته، ما لم يُثبت خلاف ذلك، وهو ما لم يتمكن المدعى عليه من تقديمه.
وجاء في نص الحكم أن “امتناع المدعى عليه عن السداد رغم الإقرار، ودون تقديم مستند قانوني يثبت اتفاقًا مغايرًا، يعد إخلالًا واضحًا بالتزامه التعاقدي، ويُرتب مسؤوليته المدنية الكاملة”.

تعديل نسبة الفائدة القانونية
ورغم مطالبة المدعية بالحصول على فائدة قانونية بنسبة 12% سنويًا، إلا أن المحكمة ارتأت اعتماد فائدة أقل تتناسب مع طبيعة الدعوى، حيث قضت بفائدة قانونية قدرها 3% سنويًا، تبدأ من تاريخ رفع الدعوى وحتى السداد الكامل للمبلغ المستحق.
ويأتي هذا القرار في إطار سلطة المحكمة التقديرية، حيث يُسمح لها بتعديل أو تحديد نسبة الفائدة بناءً على ملابسات القضية ومبدأ العدالة.
تحميل المدعى عليه الرسوم والمصاريف
إضافة إلى إلزامه برد المبلغ الأصلي والفائدة القانونية، قضت المحكمة كذلك بإلزام المدعى عليه بتحمّل رسوم ومصاريف الدعوى القضائية كاملة، تأكيدًا لمبدأ أن الطرف المتسبّب في النزاع يتحمل تبعاته القانونية والمالية.

أهمية الحكم في السياق القانوني
يُعد هذا الحكم من الأحكام القضائية التي ترسّخ قوة الإثبات الرقمي في القضايا المدنية، لا سيما في ظل انتشار المعاملات غير الموثقة رسميًا بين الأفراد، وخصوصًا بين أصدقاء أو معارف تجمعهم ثقة شخصية.
كما يسلّط الحكم الضوء على أهمية توثيق المعاملات المالية، ولو بشكل بسيط عبر الرسائل أو التحويلات البنكية، لتفادي حالات النزاع والادعاءات المتضاربة أمام القضاء.
تُظهر هذه القضية أن القانون لا يستهين بالالتزامات غير المكتوبة طالما توفرت الأدلة الرقمية الداعمة، وأن الوعود الشفهية قد تُلزم أصحابها قضائيًا إذا ما ثبتت بنيّة الإقراض والامتناع عن السداد.
في ظل تطور أدوات التواصل والتحويل المالي، باتت المحاكم الإماراتية تعتمد معايير دقيقة في تقييم الأدلة الرقمية، بما يضمن حماية الحقوق، وتحقيق العدالة لكل الأطراف، في مجتمع يتحول بشكل متزايد إلى البيئة الرقمية.