سوريا – السابعة الاخبارية
شكران مرتجى، في لحظة وجدانية نادرة، شاركت الفنانة السورية شكران مرتجى جمهورها بصورة التقطتها أمام منزل عائلتها، حيث كتبت كلمات مؤثرة عن والدتها الراحلة، وعن حنين لا يخبو، وطفولة ما زالت تنبض في الذاكرة، رغم الغياب، ورغم انطفاء الأبواب التي كانت يومًا تُفتح على دفء القلب.
شكران، المعروفة بقدرتها الكبيرة على تجسيد المشاعر على الشاشة، انتقلت هذه المرة من دورها كممثلة إلى امرأة عاشقة لذكرى أمها، فتحت صندوق الحنين ونثرت منه مشاعر جعلت الآلاف يتوقفون عند كلماتها، ليقرأوا ما وراء الحرف: ألم الفقد، شوق الطفولة، وصمت البيت الذي لم يعد فيه من يفتح الباب.
شكران مرتجى … والقلب المفتوح على الغياب
في منشورها، وصفت شكران اللحظة التي وقفت فيها أمام باب منزل العائلة، حاملة في ذاكرتها صورة الأم التي كانت تستقبلها بالصلاة والدعاء. لكنها وجدت الباب موصدًا بقفل حديدي، كما لو أن الغياب اتخذ شكلاً ملموسًا، لا مجرد شعور داخلي.
قالت:
“كنت أمني الروح أني سأجد الباب مفتوحًا وأمي تصلي، أناديها فتقول الله أكبر لتعلمني أنها تصلي… فأرتمي في قلبها. ولكن عبث ما فكرت به، فالباب موصد وأمي ليست هناك.”
بهذه الكلمات، اختزلت شكران مشاعر ملايين فقدوا أمهاتهم، تلك اللحظة التي يتراءى فيها مشهد عادي من الماضي وكأنه حدث قبل لحظات، فيتوه الحاضر في سيل الذكريات، وتصبح الأبواب الموصدة رمزًا لكل ما فُقد، وكل من رحل، وكل ما لم يعد ممكنًا.
كذبة جميلة على المصطبة… انتظار لا ينتهي
ولأن الحنين لا يعرف منطقًا ولا حدودًا، استرسلت شكران في وصف لحظات الانتظار التي عاشتها أمام المنزل. جلست على المصطبة بمحاذاة شجرة يابسة، كأنها شريكة في الحزن، تراقب الشارع كمن يترقب معجزة، أو كذبة طيبة قد تتحقق، ولو لساعات.
كتبت:
“جلست أنتظرها كالعادة على المصطبة… لتعود وحقيبتها محملة بما لذ وطاب، فتفتح الباب الموصود كقلبي بقفل مفتاحه معها… غربت الشمس، لم تأتِ أمي ولن تأتي.”
في هذه الكلمات، حوّلت الفنانة مشاعرها إلى سيناريو درامي متكامل، نراه بوضوح: بنت تنتظر أمها، غروب الشمس، بيت صامت، باب مغلق، شجرة يابسة… وكأن الحياة بكاملها وقفت لتراقب مشهدًا من مسرح الوجع الإنساني.
الأم التي تنتظر ابنتها من الجهة الأخرى
في نهاية منشورها، قلبت شكران الصورة. فهي لم تعد فقط الابنة التي تنتظر أمها، بل صارت الابنة التي تؤمن بأن أمها، حيثما كانت، هي التي تنتظرها الآن. قالت:
“جفّ الماء ولكن عيني لم تجف… على الأغلب أمي هي التي تنتظرني هناك.”
هنا يتقاطع الحنين مع الإيمان، ويصبح الفقد ليس نهاية، بل امتدادًا لعلاقة روحية لا تنكسر. فالحضور بالنسبة لها لم يعد مرتبطًا بالجسد، بل بالذكريات والرموز والصمت الذي يتكلم عندما يعجز الكلام.
تفاعل عاطفي واسع: المنشور الذي لامس القلوب
ما إن نُشر هذا النص حتى تدفق سيل من التعليقات من متابعين تأثروا بشدة بما كتبته الفنانة. البعض وجد فيها مرآة لأوجاعه الشخصية، وآخرون دعوا لها بالصبر والثبات، بينما أرسل كثيرون رسائل عن أمهاتهم الراحلات، ليشكّل المنشور حالة وجدانية عامة، جعلت من الألم الخاص حالة إنسانية مشتركة.
ردود الفعل لم تقتصر على الجمهور فقط، بل تفاعل معها أيضًا عدد من زملائها الفنانين، الذين عبّروا عن دعمهم، مؤكدين أن الكلمات النابعة من القلب، كما كتبتها شكران، لا بد أن تصل وتترك أثرًا.
الأم في حياة شكران مرتجى: حضور لا ينطفئ
لمن يعرف شكران مرتجى عن قرب، يدرك أن علاقتها بوالدتها لم تكن علاقة عادية. فقد كانت أمها سندًا في الحياة، وشريكة في الصبر، وأساسًا في بناء شخصية قادرة على العطاء رغم التحديات.
في لقاءات سابقة، تحدثت الفنانة عن والدتها بشغف واضح، ووصفتها بأنها “النصف الحلو”، و”الروح التي لا تغيب مهما ابتعدت”، مؤكدة أن غياب الأم لا يُعوّض، مهما كانت الحياة مليئة بالأصدقاء أو النجاحات.
شكران مرتجى… حين تتحوّل الكلمة إلى أداء إنساني
المفارقة في منشور شكران مرتجى أن كلماته بدت وكأنها مشهد من عمل درامي، رغم أنها واقع حي. فطريقة سردها، واختيارها للصور، وتدرّجها في المشاعر، يعكسان خلفية فنية عميقة، وتجربة طويلة في تقديم القصص من زاوية إنسانية لا تبالغ ولا تبتذل.
وهنا تتجلّى قيمة الفنان الحقيقي: هو من يستطيع تحويل الألم إلى لغة يتقنها الجميع، دون أن يفقد خصوصيته، ودون أن يستجدي العاطفة. هو من يجعل من الحزن وسيلة للتواصل، لا وسيلة للانغلاق.
متى يتوقف الحنين؟
السؤال الذي قد يطرحه القارئ بعد الانتهاء من قراءة ما كتبته شكران: هل يمكن للحنين أن يتوقف؟ وهل هناك وقت محدد للشفاء من ألم فقدان الأم؟
الجواب يبدو واضحًا في كلماتها: لا. فالحب الحقيقي لا ينتهي، بل يتخذ أشكالًا جديدة. من الوجود إلى الذكرى، من الصوت إلى الصورة، من اللقاء اليومي إلى اللقاء الحلمي. وبين هذه الانتقالات، يظل القلب محتفظًا بذات الشعور، لا يبرد، ولا يهدأ.
لماذا نكتب عن أمهاتنا بعد رحيلهن؟
في لحظات كثيرة، نكتشف أن الكتابة هي طريقتنا الوحيدة للتنفّس. أن الحرف يصبح حضنًا بديلًا، والصورة وسيلة للحديث، والمنشور جسرًا بين عالمين.
كتابة شكران ليست مجرد اعتراف بالحزن، بل تأكيد على أن مشاعر الإنسان لا يمكن تجاهلها، وأن التعبير عنها لا ينقص من القوة شيئًا، بل يمنح الروح قدرة على النجاة من الألم.
الختام: الذاكرة كفيلم لا يتوقف
بين الباب المغلق، والشجرة اليابسة، والمصطبة التي كانت يومًا مقر انتظار، وبين الشمس التي غربت دون أن تأتي الأم، نسجت شكران مرتجى نصًا أبقى الحنين حاضرًا في القلوب.
وفي كل فقرة من رسالتها، دعوة خفية لنتذكر، ونكتب، ونشارك… ليس فقط لأن الحزن يُخفف حين يُقال، بل لأن الأمهات لا يجب أن تُنسى، لا في صمت، ولا في زحام الحياة.
شكرًا شكران، لأنك كتبت، ولأنك جعلتنا نحن أيضًا نعود إلى أبوابنا المغلقة، ونتخيل أمهاتنا على الجهة الأخرى، يفتحن لنا القلوب حتى وإن كانت الأبواب من حديد.