أمريكا – السابعة الاخبارية
روبرت ريدفورد، رحل عن عالمنا أسطورة هوليوود روبرت ريدفورد، الممثل والمخرج والناشط الثقافي، عن عمر يناهز 89 عامًا، تاركًا خلفه إرثًا فنيًا وإنسانيًا لا يُنسى. ريدفورد، الذي ارتبط اسمه بالكلاسيكيات السينمائية الخالدة، أغلق صفحة من التاريخ السينمائي الأمريكي والعالمي استمرت لأكثر من ستة عقود.
في بيته الريفي في جبال يوتا، في منطقة صندانس التي أحبها وتعلق بها، أسلم ريدفورد أنفاسه الأخيرة، محاطًا بأحبائه، في مشهد يليق برجل صنع من الفن حكاية عمر.
روبرت ريدفورد مسيرة فنية استثنائية
منذ بداياته في ستينيات القرن الماضي، استطاع ريدفورد أن يحجز لنفسه مكانة خاصة في قلوب الجماهير وصناع السينما على حد سواء. بدأ مسيرته كممثل بوسامة لافتة وأداء طبيعي ساحر، لكنه سرعان ما أثبت أن موهبته تتجاوز الشكل الخارجي، فخاض غمار الإخراج والإنتاج والمبادرات الثقافية.
قدم ريدفورد مجموعة من الأدوار الأيقونية التي تركت أثرًا لا يُمحى في الذاكرة السينمائية، من بينها:
- Butch Cassidy and the Sundance Kid (1969) إلى جانب بول نيومان، وهو الدور الذي جعله نجمًا عالميًا.
- The Sting (1973)، أحد أكثر الأفلام نجاحًا في السبعينيات، والذي رشح لجائزة الأوسكار لأفضل فيلم.
- The Way We Were (1973) مع باربرا سترايسند، حيث جمع بين الرومانسية والتراجيديا السياسية.
- All the President’s Men (1976)، فيلم سياسي قوي تناول فضيحة ووترغيت، وكان له تأثير كبير على السينما الأمريكية.
- Out of Africa (1985)، الفيلم الرومانسي الملحمي الذي فاز بعدة جوائز أوسكار.
الأوسكار ودخول عالم الإخراج
لم يكن ريدفورد راضيًا بالبقاء أمام الكاميرا فقط. في عام 1980، فاجأ الجميع عندما فاز بجائزة الأوسكار لأفضل مخرج عن فيلمه الأول Ordinary People، وهو دراما عائلية مؤثرة أثبت من خلالها امتلاكه لرؤية إخراجية حساسة وناضجة.
بعدها، تنوعت أعماله الإخراجية التي غالبًا ما اتسمت بالطابع الاجتماعي والسياسي، مثل:
- Quiz Show (1994)، الذي تناول قضايا النزاهة في الإعلام.
- Lions for Lambs (2007)، والذي ناقش الحرب والإعلام والسياسة.
- The Conspirator (2010)، فيلم تاريخي عن العدالة والحقوق المدنية.
مؤسس السينما المستقلة… مهرجان صندانس
ربما كانت أهم مساهمة لريدفورد خارج الإخراج والتمثيل هي تأسيسه لـمعهد صندانس السينمائي في عام 1981، والذي تحول لاحقًا إلى مهرجان صندانس السينمائي، أبرز محافل السينما المستقلة في العالم.
رأى ريدفورد أن هناك مواهب عظيمة لا تجد فرصة في هوليوود التجارية، فقرر أن يكون صندانس منصة لصوت السينما الحقيقي. ومن هذا المهرجان انطلقت أسماء كبيرة مثل كوينتن تارانتينو، وستيفن سودربيرغ، وداميان شازيل، وآخرين ممن غيّروا وجه السينما الأمريكية والعالمية.
ريدفورد والالتزام الاجتماعي
على مدار مسيرته، لم يكن ريدفورد فنانًا فقط، بل كان ناشطًا بيئيًا واجتماعيًا أيضًا. دافع بقوة عن قضايا البيئة، وكان صوتًا صريحًا ضد نفوذ شركات النفط والتدمير البيئي. كما دعم حرية التعبير والفن المستقل، واستخدم شهرته كوسيلة للفت الانتباه إلى قضايا ثقافية وإنسانية كبرى.
من خلال أفلامه، عبر عن التزامه العميق بالقضايا الاجتماعية، سواء في تعامله مع السياسة، أو العدالة، أو حقوق الإنسان. لقد آمن بأن السينما ليست فقط وسيلة ترفيه، بل وسيلة للتغيير.
آخر ظهوراته السينمائية
في السنوات الأخيرة، خفّف ريدفورد من ظهوره السينمائي، لكنه استمر في العمل حتى مراحل متأخرة من عمره. كان آخر أدواره الكبيرة في فيلم The Old Man & the Gun (2018)، والذي اعتبره كثيرون وداعًا لائقًا لمسيرته.
لكنه فاجأ الجمهور مرة أخيرة عندما ظهر بشخصية ألكسندر بيرس في فيلم Avengers: Endgame (2019)، ليضع بصمته أيضًا في عالم الأبطال الخارقين الذي يجذب الأجيال الجديدة.
شخصية خاصة وحياة بعيدة عن الأضواء
على الرغم من شهرته العالمية، حرص ريدفورد على أن تكون حياته الخاصة بعيدة عن كاميرات الإعلام. تزوج من سيبيل سزاجارس، وعاش حياة أسرية هادئة، أنجب خلالها طفلين وله عدد من الأحفاد.
كان يجد راحته في الطبيعة، خصوصًا في منطقة صندانس بولاية يوتا، حيث بنى منزله ومركزه الثقافي، واعتبرها ملاذه الدائم. ومن هناك، رحل بهدوء، في المكان الذي أحب، وسط الجبال والهواء النقي، بعيدًا عن صخب هوليوود.
إرث لا يُنسى
مع رحيله، يفقد العالم واحدًا من أكثر الشخصيات تأثيرًا في تاريخ السينما. لم يكن ريدفورد مجرد نجم شباك أو مخرج موهوب، بل كان رمزًا للحرية والإبداع والاستقلالية في عالم الفن.
لقد أسس نموذجًا يُحتذى به لفنان يوازن بين الشهرة والمسؤولية، بين الفن والرسالة. أصرّ على تقديم محتوى هادف، وفتح الأبواب أمام جيل كامل من الفنانين الذين غيروا المعادلة في هوليوود.
ريدفورد في ذاكرة السينما
سيبقى اسم روبرت ريدفورد محفورًا في ذاكرة السينما ليس فقط كوجه وسيم في الأفلام الكلاسيكية، بل كصوت قوي للسينما البديلة، وكأحد الذين ساهموا في تشكيل ثقافة سينمائية أكثر عمقًا وتنوعًا.
من البدايات على الخشبة إلى الجوائز العالمية، ومن أدواره في الأعمال الرومانسية إلى أفلام التحقيقات السياسية، ومن تمثيله إلى إخراجه، ومن صندانس إلى صالات السينما في العالم… كان ريدفورد دائمًا نجمًا حقيقيًا، وأحد أعمدة الفن السابع.
وداعًا سيد السينما المستقلة
برحيل روبرت ريدفورد، تخسر السينما رجلًا آمن بها، ورعاها، وأعاد لها بريقها الأصيل. تخسر الفن شخصية كانت تُفضل الظل على الضوء، والتأثير على الضجيج، والمضمون على المظهر.
لكنه، كما أفلامه، سيظل حاضرًا في ذاكرة كل من أحب الفن الحقيقي، وكل من حلم ذات يوم بأن يصنع شيئًا مختلفًا.
وداعًا، روبرت ريدفورد… ستبقى أيقونة للحرية، والجمال، والفن الذي لا يشيخ.