تونس – السابعة الاخبارية
درة، في مشهد مفاجئ وعاطفي، نشرت الفنانة التونسية درة زروق صورة أثارت تفاعلًا واسعًا بين جمهورها ومتابعيها عبر مواقع التواصل الاجتماعي. لم تكن صورة من جلسة تصوير فنية أو لقطة من كواليس عمل درامي، بل كانت صورة أنشأتها تقنيات الذكاء الاصطناعي تُظهر درة البالغة وهي تحتضن نفسها كطفلة.
الصورة ليست واقعية، لكنها بدت أكثر من ذلك بكثير. بدت “حقيقية” من حيث الإحساس، من حيث العمق، من حيث الصدق الذي يربط الإنسان بذاته الأولى. أرفقت درة هذه الصورة برسالة مؤثرة تقول فيها: “كنت أتمنى أن تكون هذه الطفلة ابنتي… لكنها أنا”.
هكذا، في سطور قليلة، استطاعت درة أن تحرك وجدان الآلاف، وأن تعيد فتح أبواب الحنين، الأمومة، والاعتراف بالذات القديمة.
درة في لغة القلب في عصر الذكاء الاصطناعي
لم يعد الذكاء الاصطناعي مجرد أداة تقنية نستخدمها لإنتاج صور أو تعديل ملامح، بل بات وسيلة للتعبير الفني والعاطفي. لقد تمكنت درة من تطويعه كمرآة للروح، لتعكس بها طفلة لا تزال تسكنها، طفلة قد تكون نسيتها أو تناستها، لكنها الآن تعود إليها، تحتضنها، وتهمس لها بأنها ما زالت هنا.
اختارت درة أن ترى نفسها كأم، لا كطفلة فحسب، وكأنها تخاطب ذاك الجزء من روحها الذي لم يشبع من الحنان، الذي ما زال ينتظر حضنًا صادقًا، ووعودًا تتحقق. هذه الصورة ليست حنينًا فقط، بل هي عملية “تصالح” صريحة بين ماضٍ مضى، وحاضر يعترف به ويحتضنه، ومستقبل لا يزال يُرسم.
رغبة في الأمومة… أم اعتراف بالذات؟
حين تقول درة: “كنت أتمنى أن تكون هذه الطفلة ابنتي”، فهي لا تعلن فقط رغبتها في الأمومة، بل تكشف عن ذلك التوق الداخلي الذي يسكن كل امرأة: الرغبة في الحماية، في الرعاية، في الإنجاز لأجل من تحب، حتى ولو كان هذا الحب موجَّهًا لنسخة سابقة من نفسها.
كثير من المتابعين رأوا في منشورها أمنية أن تصبح أمًا حقيقية، وربما يكون ذلك صحيحًا. ولكن على مستوى أعمق، تبدو رسالتها رسالة لكل امرأة مرَّت بتجارب الحياة، فقدت شيئًا من طراوتها الأولى، ونضجت على مهل وسط الزحام، ثم وجدت نفسها يومًا تفتقد تلك النسخة الطفولية التي كانت، وتبحث عنها بأي وسيلة ممكنة… حتى وإن كانت صورة مولّدة بالذكاء الاصطناعي.
احتضان الطفلة الداخلية
في علم النفس، كثيرًا ما يُشار إلى ما يُعرف بـ”الطفل الداخلي”، ذلك الجزء منّا الذي يحتفظ بمشاعر الطفولة، بأحلامها، بجرحها، وبكل ما لم يُشفَ منه. وفي الغالب، لا نمنح هذا الطفل العناية الكافية. ولكن في لحظة صدق نادرة، قررت درة أن تذهب إليه، أن تلتقيه، أن تحتضنه، وأن تعطيه ما لم تستطع الحياة أن تهبه له: الاعتراف، والدفء، والحب.
تلك الصورة لم تكن مجرد تعبير فني، بل كانت جلسة علاج نفسي علني. جلسة فيها مكاشفة، وفيها رغبة في الغفران للذات، وللظروف، ولأحلام لم تكتمل.
عندما يكون الفن علاجًا
الفن، في أرقى تجلياته، ليس فقط وسيلة للعرض أو الاستعراض، بل هو أداة للشفاء. ودرة، في هذه اللحظة، لم تكن “فنانة تعرض صورة”، بل كانت إنسانة تستخدم الفن كطريق للبوح. لم تلجأ لكلمات منمقة، ولا لخطاب استعراضي، بل اختارت لغة بسيطة، شفافة، تصل إلى القلب دون عناء.
وربما كان ذلك سبب التفاعل الكبير مع منشورها. لم يُعجب الناس بالصورة فقط، بل بما تحمل من معاني، من رغبة في الطمأنينة، من ضعف مشروع، ومن قوة مستترة.
بين الشهرة والإنسانية
في حياة الفنان، تُطغى الشهرة على كل شيء. تصبح الحياة “على الملأ”، والوجوه لا تُظهر إلا ما تريد إظهاره. ولكن بين كل هذا، تأتي لحظات نادرة يتوقف فيها الفنان عن التمثيل، ويعود ليكون إنسانًا، له ماضٍ، وله ألم، وله أمنيات لم تتحقق.
درة، في لحظة إنسانية نادرة، قررت أن تتحدث من قلبها، لا من موقعها، ولا من شخصيتها العامة. وهذا ما جعل رسالتها تصيب القلوب، وتُعيد رسم صورة فنانة ليست فقط جميلة وموهوبة، بل أيضًا صادقة، حقيقية، وأمينة مع نفسها.
التقنية كجسر إلى الذات
مفارقة مذهلة أن يكون الذكاء الاصطناعي، بكل ما فيه من برود حسابي وخوارزميات، هو الجسر الذي عبرت به درة إلى أعمق أعماقها. وكأن التقنية، التي يُخشى منها غالبًا أن تنزع عن الإنسان إنسانيته، كانت هنا وسيلة للعودة إلى أصل الشعور، إلى الصدق، إلى الإنسان نفسه.
لقد استخدمت درة هذه الأداة بطريقة مبدعة وإنسانية، لتصنع بها لوحة وجدانية، تُشبه الحلم، وتشبه أيضًا الحقيقة. صورة غير واقعية، لكنها تعبّر عن واقع أكثر من آلاف الصور الحقيقية.
النساء ورحلة المصالحة مع الذات
قد تكون رسالة درة موجهة لكل امرأة تخبئ طفلتها في أعماقها، تخجل من إظهار هشاشتها، أو تحاول دومًا أن تكون قوية في وجه الحياة. لكنها تقول، بصوت ناعم وشجاع: لا بأس أن تعودي لطفولتك، أن تصالحيها، أن تبكي إن لزم الأمر، وأن تحتضني نفسك بكل ما فيك من نقاء وضعف وقوة.
في عالم لا يرحم، كثيرًا ما ننسى أن نحب أنفسنا، أن نُحنّ على أنفسنا، وأن نرى جمال ما كنّا عليه يومًا. ولكن درة، بلحظة شجاعة، قررت أن تُذكّر الجميع أن المصالحة مع الذات تبدأ من الاعتراف بها، من احتضانها، ومن الوعد لها ألا تُهمَل مرة أخرى.
خاتمة: صورة واحدة… وملايين القلوب
ربما لم تتوقع درة أن تلقى صورتها هذا التفاعل الكبير. وربما لم تكن تبحث عن ضجة أو تصدر للترند. لكنها فعلت ما هو أصدق من كل ذلك: فتحت نافذة صغيرة على قلبها، وسمحت للناس أن يروا إنسانيتها من دون أقنعة.
هذه الصورة لن تُنسى سريعًا. فهي ليست مجرد “منشور جميل”، بل لحظة إنسانية صادقة، تستحق أن تُدوَّن في دفاتر الفن الراقي، والعاطفة النبيلة، والبساطة المدهشة.
وفي النهاية، قد لا نملك جميعًا أدوات الذكاء الاصطناعي، لكننا نملك قلوبًا وذكريات وطفولة نحتاج أحيانًا أن نحتضنها… كما فعلت درة.