أمريكا – السابعة الإخبارية
ChatGPT في خطوة وُصفت بالجريئة واللافتة في عالم الذكاء الاصطناعي، أعلن سام ألتمان، الرئيس التنفيذي لشركة OpenAI، عن حزمة من السياسات الجديدة تستهدف فئة المراهقين دون 18 عاماً من مستخدمي تطبيق ChatGPT، مؤكداً أن الشركة باتت تضع “السلامة فوق الخصوصية والحرية” عندما يتعلق الأمر بالقُصّر.
القرار الجديد جاء وسط نقاش عام متصاعد حول مخاطر الاعتماد المفرط على روبوتات المحادثة، لاسيما بعد أن ارتبط اسم ChatGPT مؤخراً بقضية انتحار مراهق أميركي، الأمر الذي أثار جدلاً واسعاً وأدى إلى جلسات استماع في الكونغرس الأميركي.

خلفية القرار: مأساة تحولت إلى قضية رأي عام
السياسات المستحدثة لم تأتِ في فراغ، بل جاءت على خلفية قضية آدم رين، المراهق الأميركي الذي أنهى حياته بعد أشهر من تفاعلاته المطولة مع ChatGPT.
وقد رفع والداه دعوى قضائية ضد OpenAI بدعوى أن المحادثات لعبت دوراً في تدهور حالته النفسية.
ورغم أن القضية لم تُحسم بعد، إلا أن صداها الإعلامي والقانوني أجبر الشركة على إعادة النظر في أدوات الحماية الموجهة للقُصّر، خصوصاً أن منصة منافسة مثل Character.AI تواجه بدورها دعوى مشابهة تتعلق بتأثير المحادثات المطوّلة على الشباب.
أبرز السياسات الجديدة
أوضح ألتمان أن الهدف الأساسي هو “بناء بيئة أكثر أماناً للمراهقين”، وجاءت أبرز ملامح السياسة الجديدة على النحو التالي:
1. منع أي تفاعلات غزلية أو ذات طابع جنسي بين النظام والمستخدمين القُصّر.
2. تقييد المحادثات المتعلقة بالانتحار أو إيذاء النفس بشكل صارم، مع تدخل تلقائي من النظام في حال رصد إشارات خطر.
3. التواصل مع أولياء الأمور: إذا حاول مستخدم قاصر التطرق إلى سيناريوهات انتحار، فإن النظام سيحاول تنبيه الوالدين أو حتى السلطات المحلية في الحالات القصوى.
4. أدوات جديدة للآباء: سيتمكن أولياء الأمور من تحديد “ساعات حظر” تمنع أبناءهم من استخدام ChatGPT في أوقات معينة، إضافة إلى ميزة ربط الحسابات، حيث تُرسل إشعارات مباشرة للأهل إذا رصد النظام تهديداً نفسياً خطيراً.
5. آلية لتحديد العمر: تعمل الشركة على تطوير نظام طويل الأمد لتحديد ما إذا كان المستخدم فوق أو تحت 18 عاماً. وفي الحالات التي يصعب التحقق فيها، سيُطبق النظام تلقائياً أشد القيود.

بين السلامة والخصوصية: جدل لا ينتهي
تثير هذه الإجراءات نقاشاً واسعاً داخل الأوساط التقنية والقانونية. فبينما يراها البعض خطوة ضرورية لحماية المراهقين من مخاطر الذكاء الاصطناعي، يرى آخرون أن اللجوء للتواصل مع أولياء الأمور أو السلطات يفتح الباب أمام جدل قانوني وأخلاقي حول حدود الخصوصية.
ألتمان نفسه اعترف بصعوبة الموازنة قائلاً إن “التحدي الأكبر يكمن في الفصل بين ما يحتاجه المراهقون من حماية وما يستحقه البالغون من حرية وخصوصية في استخدام التقنية”.
جلسة الاستماع في الكونغرس
التغييرات الأخيرة تزامنت مع جلسة استماع للجنة القضائية في مجلس الشيوخ الأميركي حملت عنوان: “بحث أضرار روبوتات الدردشة بالذكاء الاصطناعي”.
خلال الجلسة، تحدث والد آدم رين مؤثراً عن تجربته المريرة، محذراً من “الوهم الناتج عن المحادثة المطوّلة مع الروبوتات”، وهو مصطلح يُستخدم لوصف الحالة التي يدخل فيها المستخدم في علاقة شبه عاطفية أو ذهنية مع نظام ذكي، ما قد يؤدي إلى انعزال أو حتى انهيار نفسي.
الجلسة ناقشت كذلك تقريراً استقصائياً لوكالة رويترز كشف عن سياسات سابقة سمحت بوجود محادثات ذات طابع جنسي حتى مع قاصرين، وهو ما دفع شركات أخرى مثل Meta إلى تعديل سياساتها الخاصة بالروبوتات.
تأثيرات أوسع على صناعة الذكاء الاصطناعي
الخطوة التي اتخذتها OpenAI قد تكون مقدمة لموجة من التغييرات التنظيمية في صناعة الذكاء الاصطناعي ككل. فالشركات المنافسة ستُجبر على اتخاذ سياسات مماثلة خشية الوقوع في فخ الدعاوى القضائية أو فقدان ثقة الجمهور.
ويرى خبراء أن هذه اللحظة تشكل “منعطفاً حقيقياً” في علاقة المجتمعات مع الذكاء الاصطناعي، إذ لم يعد النقاش مقتصراً على الابتكار التقني بل بات يتناول بشكل مباشر سلامة الأفراد وخصوصاً الفئات الهشة مثل المراهقين.
ما الذي ينتظر المستخدمين؟
مع دخول هذه السياسات حيّز التنفيذ، سيتعين على المراهقين وأسرهم التكيف مع قواعد أكثر صرامة في التفاعل مع ChatGPT. ورغم أن بعضهم قد يرى في ذلك قيداً على الحرية، إلا أن محللين يعتقدون أن التغييرات ستقلل بشكل كبير من المخاطر النفسية التي برزت خلال الأشهر الماضية.
في الوقت نفسه، تواجه الشركة تحدياً تقنياً ضخماً يتمثل في تطوير أدوات دقيقة لتحديد أعمار المستخدمين وضبط التفاعلات الحساسة دون التأثير على تجربة البالغين.
تبدو OpenAI اليوم أمام اختبار حقيقي بين الابتكار والمسؤولية. فالذكاء الاصطناعي لم يعد مجرد أداة للمساعدة في الكتابة أو التعليم، بل صار طرفاً في قضايا حياتية قد تقود إلى مآسٍ إنسانية.

وبينما قد يثير قرارها الجديد جدلاً حول الخصوصية، فإن الرسالة الأوضح هي أن حماية المراهقين يجب أن تكون أولوية قصوى، حتى وإن تطلب الأمر فرض قيود مشددة.
الأكيد أن هذه السياسات لن تكون الأخيرة، فالمشهد يتغير بسرعة، وما حدث مع “آدم رين” قد يشكل نقطة فاصلة تعيد رسم العلاقة بين البشر والروبوتات الذكية لسنوات طويلة قادمة.