مصر – السابعة الإخبارية
أسورة ذهبية.. كشفت أجهزة الأمن بمديرية أمن القاهرة تفاصيل واحدة من أخطر قضايا سرقة الآثار في السنوات الأخيرة، بعدما تمكنت من ضبط شبكة مكوّنة من موظفين داخل المتحف المصري متورطين في الاستيلاء على أسورة ذهبية أثرية نادرة وتهريبها خارج المخازن الرسمية، في واقعة هزت الرأي العام وأثارت جدلاً واسعًا حول إجراءات تأمين الكنوز التاريخية للدولة.

بداية البلاغ: اختفاء قطعة أثرية
تعود تفاصيل القضية إلى بلاغ رسمي تقدمت به إدارة المتحف المصري إلى مديرية أمن القاهرة، وشرطة السياحة والآثار، يفيد باختفاء قطعة ذهبية نادرة من مقتنيات المتحف. وعلى الفور جرى فحص مخازن المتحف وسجلات الجرد، حيث تبين أن الأسورة اختفت من موقع حفظها الأصلي، وأن هناك تلاعبًا واضحًا في أماكن التخزين، ما أكد فرضية وجود سرقة مدبّرة من الداخل.
تشكيل فرق بحث واسعة
بمجرد ثبوت الواقعة، تم تشكيل فرق بحث على أعلى مستوى من ضباط الأمن العام وإدارة البحث الجنائي بالقاهرة، بالتنسيق مع شرطة السياحة والآثار. وبدأت عملية تتبع دقيقة اعتمدت على مراجعة كاميرات المراقبة، والاستماع لشهادات العاملين، وتحليل حركة الدخول والخروج داخل المتحف، إلى جانب الاستعانة بالتحريات الميدانية.
تورط أخصائية ترميم وعاملين آخرين
كشفت التحريات تورط أخصائية ترميم تعمل بالمتحف، بالاشتراك مع آخرين من الموظفين، حيث استغلوا مواقعهم الوظيفية المقرونة بالثقة للوصول إلى القطعة الأثرية. وبحسب التحقيقات، فقد تمكنت المتهمة الرئيسية بمساعدة شركائها من تهريب الأسورة الذهبية خارج المخازن دون إثارة الشبهات، مستغلة معرفتها بأساليب التخزين وإجراءات الفحص.

رحلة بيع الأسورة: من المتحف إلى المسبك
المفاجأة أن المتهمين اعترفوا خلال التحقيقات بأنهم باعوا الأسورة النادرة لصاحب محل فضيات في منطقة السيدة زينب مقابل 180 ألف جنيه. ومن هناك انتقلت القطعة إلى مالك ورشة ذهب بالصاغة الذي اشتراها بمبلغ 194 ألف جنيه، ثم أعاد بيعها إلى أحد العاملين في مسبك ذهب.
وفي محاولة لإخفاء أي أثر يدل على قيمتها التاريخية، أقدم المشتري الأخير على صهر الأسورة ضمن مصوغات ذهبية أخرى، بهدف بيعها كخام دون أن تُكتشف حقيقتها الأثرية. هذه الخطوة جعلت من عملية استرداد القطعة الأصلية شبه مستحيلة، لكنها كشفت في الوقت ذاته حجم الجرأة والتخطيط الذي صاحب هذه الجريمة.
سقوط المتهمين وضبط المضبوطات
من خلال تتبع خط سير عملية البيع، واستخدام كاميرات المراقبة المنتشرة في محيط المتحف والمناطق التي تنقلت خلالها القطعة، تمكنت الأجهزة الأمنية من تحديد هوية جميع المتورطين وضبطهم تباعًا. وتم التحفظ على المضبوطات داخل محال الذهب والمسابك، كما جرى التحفظ على مبالغ مالية وقطع مصوغات يشتبه في أنها ناتجة عن صهر الأسورة الأصلية.
وتم إخطار النيابة العامة التي تولت التحقيقات، وأصدرت قرارًا بحبس المتهمين على ذمة القضية، مع تكثيف الجهود لتتبع أي قطع أثرية أخرى قد تكون تعرضت للسرقة بالأسلوب ذاته.
صدمة في الوسط الأثري
أثارت الواقعة حالة من الغضب في الأوساط الأثرية والثقافية، خاصة أنها ليست مجرد محاولة سرقة عابرة، بل جريمة منظمة تورط فيها موظفون من داخل المتحف المصري، أحد أهم وأعرق المتاحف في العالم. وأكد خبراء آثار أن خطورة الجريمة تكمن في أن الأسورة الأثرية فقدت هويتها التاريخية بمجرد صهرها، ما يعني أن العالم خسر قطعة فريدة لا يمكن تعويضها.
إجراءات جديدة للرقابة والتأمين
من جانبها، أعلنت وزارة السياحة والآثار أنها بصدد مراجعة شاملة لإجراءات تأمين المتاحف والمخازن الأثرية، وتطبيق أنظمة رقابية أكثر صرامة لمنع تكرار مثل هذه الحوادث. وأكدت أن أي تهاون في الحفاظ على مقتنيات المتحف يعد تفريطًا في تراث الإنسانية بأكملها، مشددة على أن جميع المتورطين سيواجهون عقوبات رادعة.

جرس إنذار
تكشف هذه القضية عن ثغرات في منظومة الرقابة داخل بعض المؤسسات الثقافية، كما تطرح تساؤلات حول كيفية اختيار العاملين في مواقع حساسة، مثل أقسام الترميم والحفظ. ويرى محللون أن الجريمة الأخيرة يجب أن تكون بمثابة جرس إنذار لتعزيز آليات الرقابة الداخلية، وتطبيق التكنولوجيا الحديثة في الجرد والتوثيق، بما يحمي الكنوز الأثرية من أي محاولات سرقة أو تهريب.
رغم نجاح أجهزة الأمن في كشف خيوط الجريمة وضبط المتهمين، فإن خسارة الأسورة الذهبية الأثرية تبقى ضربة موجعة للتراث الإنساني، ورسالة تحذير بضرورة حماية الآثار بوصفها ذاكرة الأمة ورمزًا لهويتها. وبينما تواصل النيابة التحقيق مع المتهمين، يترقب الشارع المصري ما ستسفر عنه المحاكمة، في قضية وصفت بأنها واحدة من أخطر قضايا سرقة الآثار في تاريخ المتحف المصري.