السعودية- السابعة الإخبارية
حمد المزيني.. فقدت الساحة الفنية السعودية صباح اليوم أحد أبرز وجوهها المخضرمين، حيث رحل الفنان القدير حمد المزيني عن عمر ناهز الثمانين عامًا، بعد مسيرة طويلة امتدت لعقود من العطاء الفني، قدّم خلالها أعمالًا درامية وتلفزيونية تركت بصمتها في ذاكرة المشاهد السعودي والعربي على حد سواء. وقد نعته وسائل إعلام محلية وعدد من الفنانين الذين أكدوا أن رحيله يشكل خسارة كبيرة للدراما الخليجية التي أسهم في نهضتها وتطورها.

بداياته وانتقاله إلى التمثيل
وُلد حمد المزيني عام 1945 في مدينة عنيزة وسط المملكة العربية السعودية، ونشأ في بيئة محافظة تهتم بالعلم والثقافة. عمل في بداية حياته المهنية في قطاع التعليم، حيث مارس مهنة التدريس لسنوات عدة، وكان معروفًا بين طلابه بحبه للأدب واللغة العربية. إلا أن شغفه بالفن دفعه لاحقًا إلى خوض تجربة التمثيل في منتصف ثمانينيات القرن الماضي، ليصبح سريعًا واحدًا من الوجوه التي لا تُخطئها عين الجمهور في الدراما المحلية.
أعمال خالدة في الذاكرة
امتلك المزيني رصيدًا فنيًا غنيًا، إذ شارك في مجموعة من المسلسلات التي رسخت مكانته في وجدان المشاهدين. من أبرز هذه الأعمال:
• “الدنيا دروب” الذي تناول قضايا اجتماعية واقعية.
• “الضيف الغريب” حيث قدّم أداءً مميزًا أكسبه إشادة النقاد.
• “طاش ما طاش” العمل الكوميدي الأشهر في السعودية والخليج، والذي كان منصة لعدد كبير من الفنانين.
• “عائلة أبو رويشد” الذي عكس أجواء الأسرة السعودية بواقعية محببة.
• “غشمشم” و“شباب البومب” اللذان جذبا فئة الشباب بشكل خاص.
• وأخيرًا “العاصوف”، العمل الدرامي الكبير الذي وثّق مراحل مهمة من تاريخ المملكة.
هذه المسلسلات وغيرها جعلت من المزيني ممثلًا حاضرًا في ذاكرة أجيال متعاقبة، إذ امتلك القدرة على تجسيد شخصيات متنوعة، من الأب الحكيم إلى الرجل البسيط أو الكوميدي الطريف.

شاعر خلف الكاميرا
بعيدًا عن التمثيل، كان المزيني يتمتع بموهبة شعرية قلّما عرفها جمهوره. فقد كتب عددًا من القصائد التي تكشف عن جانب رقيق وعاطفي في شخصيته، وهو ما أضاف إلى صورته العامة كفنان شامل يجمع بين الكلمة والأداء التمثيلي. وعلى الرغم من أن الشعر لم يكن واجهته الأساسية، إلا أنه ظل جزءًا من عالمه الإبداعي الذي يعكس ثراء شخصيته.
آراؤه في الدراما السعودية
لم يكن المزيني مجرد ممثل يؤدي أدواره، بل كان ناقدًا متابعًا للحركة الفنية. ففي أحد لقاءاته الصحفية، تحدث بوضوح عن أزمة الدراما السعودية الحديثة، معتبرًا أن الإنتاج في العقود الماضية كان أكثر ثراءً وتنوعًا. وأكد أن تجاهل الكتّاب والمنتجين للقصص التراثية والتاريخية أفقد الأعمال جانبًا من أصالتها وقلل من ارتباطها بالهوية الوطنية.
وأضاف أن العودة إلى التراث المحلي بما يحمله من قصص وحكايات قريبة من الناس يمكن أن يمنح الدراما السعودية قوة أكبر ويجعلها أكثر تأثيرًا لدى الأجيال الجديدة. هذه الرؤية النقدية عكست إدراكه العميق لأهمية الفن كأداة لحفظ الذاكرة الجمعية وتعزيز الهوية الثقافية.
تفاعل الوسط الفني مع رحيله
منذ إعلان خبر وفاته، ضجت مواقع التواصل الاجتماعي برسائل النعي من فنانين ومخرجين وإعلاميين عبّروا عن حزنهم لفقدان قامة فنية كبيرة. ووصفه بعضهم بأنه كان “أبًا روحيًا” للفنانين الشباب، نظرًا لدعمه وتشجيعه الدائم لهم، بينما أكد آخرون أن رحيله يترك فراغًا لا يمكن تعويضه بسهولة.

إرث لا يزول
رحيل المزيني يفتح باب الحديث مجددًا عن أهمية توثيق مسيرة الفنانين الرواد الذين أسهموا في بناء الدراما السعودية منذ بداياتها المتواضعة وصولًا إلى حضورها القوي على الساحة العربية. فالمزيني وأمثاله كانوا جسورًا عبرت من خلالها الدراما السعودية من المحلية إلى الانتشار الأوسع، وقدموا أعمالًا تحمل في طياتها ملامح المجتمع السعودي وقيمه.
وداع بحجم التاريخ
اليوم، يودع الجمهور السعودي والعربي الفنان حمد المزيني بقلوب حزينة وذكريات ممتلئة بالمحبة، لكن أعماله ستظل حاضرة على الشاشات، تُعيد رسم ابتسامته وأدائه المتفرد. فرغم الرحيل الجسدي، يبقى الفن أكبر من الزمن، يخلّد أصحابه ويمنحهم حياة جديدة في ذاكرة محبيهم.
رحم الله الفنان الكبير حمد المزيني، وألهم أهله وذويه وجمهوره الصبر والسلوان، لتبقى سيرته ومسيرته علامة مضيئة في سجل الدراما الخليجية.