متابعات- السابعة الإخبارية
“حلم السنين”.. قصة مؤثرة بتفاصيلها المحزنة تفاعل معها رواد التواصل الاجتماعي، حيث تحاكي فقدًا وغيابًا وحنينًا لشاب يتحدث الإنجليزية، غيبت الظروف عنه والده اليمني وظل هائمًا لسنوات يبحث عنه في كشوف الأسماء بالسفارة اليمنية في بلجيكا وعبر وسائل التواصل الاجتماعي المختلفة حتى تحقق الحلم وشاركه المتابعون فرحته.
حلمٌ حققه مهندس يمني يدعى عز الدين، يعمل في حقول نفطية بمحافظة مأرب “شرق العاصمة اليمنية صنعاء” بعد أن التقى نجله سلطان الغائب عنه لأكثر من 30 عاماً، ونشر فيديو اللقاء عبر حسابه على “فيسبوك”.
الفراق المر
يحكي عز الدين (مهندس النفط اليمني) عن قصة فقده الطويلة لابنه سلطان، موضحاً أن جذورها تعود إلى عام 1986 حينما كان طالباً يدرس في إحدى الجامعات الحكومية بمدينة لفيف الأوكرانية.
وقال الأب “أثناء دراستي ووجودي في أوكرانيا، تعرفت على فتاة أوكرانية -اسمها تاليا- وتزوجتها وأنجبت منها ولداً سميته سلطان، وبعد تخرجي في الجامعة عام 1992 عدت إلى اليمن، كي أرتب لطفلي وأمه إجراءات الدخول والعيش في أرض الوطن، استطعت بالفعل الحصول على وثائق رسمية لدعوتهم”.
وبنبرة يملؤها الحزن أضاف عز الدين “حدث ما لم يكن في الحسبان، حيث اندلعت حرب الشطرين بين جنوب وشمال اليمن عام 1994، ومعها ساءت الظروف كثيراً، وأصبح حلمي في قدوم تاليا وسلطان إلى اليمن شبه مستحيل –آنذاك- وتواصلت مع زوجتي وأخبرتها أن الظروف التي تعيشها بلادي جراء الحرب المندلعة لا تسمح لها بالقدوم”.
وسرد مهندس النفط اللحظات الأخيرة التي جمعته بعائلته في بلجيكا وطلب زوجته الانفصال واصفاً إياها بالقاسية المؤلمة، قائلاً:
سألتني تاليا: ما رأيك أن ننفصل يا عز الدين، وهل من الممكن أن أغير اسم سلطان؟
لم أجب على سؤالها الأول، وطلبت منها أن تبقي اسم سلطان كما هو.
رحلة البحث
ويتابع عز الدين “حدث الانفصال فعلياً، وسافرت زوجتي تاليا من أوكرانيا إلى بلجيكا، ومع سفرها فقدت عنوانها فانقطع بيننا التواصل منذ عام 1995 وحتى عام 2022”.
على الجانب الآخر تحدث سلطان عن دوره في عملية البحث عن والده قائلاً “استمرت رحلة البحث عن والدي لسنوات عديدة، بحثت عنه في كل مكان متاح لي. ذهبت إلى السفارة اليمنية في بلجيكا وقابلت السفير اليمني هناك، وبدا متفاعلاً مع قضيتي كثيراً، وأخبرني أن اليمنيين يساعدون بعضهم البعض، حينها منحته بعض المستندات والوثائق التي قد تساعد السفارة في العثور على أبي”.
واستطرد “لم يكن لدي صور لوالدي سوى صورة فوتوغرافية واحدة منذ الطفولة، وهي تجمعني بأبي وهو يحملني مرتدياً نظارته”، مضيفاً أنه مع كل محاولة للعثور عليه يتعرض لخيبة أمل، لكنه يعود لينظر إليها ويستمد طاقة إيجابية تحفزه على استكمال رحلة البحث عن والده.
قبل نحو خمس سنوات كانت مشاعر الحب قد تملكت من سلطان تجاه فتاة تدعى “اليسا” فارتبط بها، لكن رغبة البحث عن والده لم تقل حدتها وجديتها، فلم ييأس أو يكترث للمحاولات الفاشلة، حتى شاركته زوجته المشاعر والرغبة، وبدأت هي الأخرى تبحث عن والد زوجها حتى وجدته بالفعل.
تكشف اليسا عن بداية تعرفها على سلطان وأنه أخبرها بنشأته مع والدته، وأنه لا يعرف والده، فكان ذلك سبباً في أن تتساءل دوماً عن كيف لا يعرف زوجها والده.
توضح اليسا مشاعرها تجاه قصة زوجها قائلة، “ولدت في أسرة كاملة فلدي أب وأم، وأعرف حقاً ما يعنيه ألا يكون لي أب، لذلك بدأت في البحث عن والد زوجي في فيسبوك وفي محركات البحث، ثم بدأت أفكر في اسمه.. ربما أخطأت فيه، فأعيد البحث كلما كان لدي وقت أبحث وأتذكر الملامح التي يخبرني عنها سلطان، واتصلت بالسفارة الأوكرانية عدة مرات وقالوا إنهم بحاجة إلى عقد زواج عز الدين وتاليا، لذلك كان من المستحيل الحصول عليه، لأنه على ما أعتقد كان في موسكو”.
وتطرقت اليسا إلى طريقة عثورها على عز الدين بالقول “في إحدى الليالي كنت أنام مع ابنتي في غرفتي، وأمسكت بهاتفي لأبحث عن والد سلطان على فيسبوك، فوجدت صورة مشابهة له فظللت أنظر إلى نظارته وإلى اسم الجامعة، حتى تأكدت أنه هو أثناء دراسته في لفيف.. قمت أركض سريعاً إلى غرفة سلطان وقلت له: والدك.. إنه والدك”.
وأشارت اليسا إلى صدمة زوجها وذهوله فأمسك بالهاتف ليرى الصورة وقال، هذه الصورة حقاً على “فيسبوك” وبها النظارة التي كان يرتديها واسم الجامعة التي كان يدرس بها!
قالت اليسا: نعم.
قال سلطان والدموع تلمع في عينيه: هذا أبي!
قطعت اليسا مشواراً كبيراً في عملية البحث على وسائل التواصل الاجتماعي كي تصل إلى والد زوجها، ولم تكتف بذلك، بل أخذت هاتف سلطان وبدأت في التواصل مع عز الدين في تلك اللحظة.
في الجهة الأخرى تلقى عز الدين الرسالة، ويتذكرها قائلاً إن الوقت كان متأخراً من الليل، فتفاجأ برسالة على التواصل الاجتماعي نصها كالتالي: “أنا سلطان، وأنت تزوجت أمي -سرد تفاصيل كثيرة- أدري يا أبي أن اليمن بها حرب، تعالَ إلى بلجيكا لتعيش معنا حياة جديدة”.
وواصل عز الدين حديثه: “كانت فرحتنا لا توصف، خليط من الدموع والفرح عندما استلمت أول رسالة من ابني سلطان، فاتصلت عليه مباشرة، ولم أستطع النوم لعدة ليال من شدة الفرحة”.
المفاجأة هي أن عز الدين هو الآخر كان يبحث عن سلطان ووالدته عبر وسائل التواصل الاجتماعي، حيث يحكي عن ذلك بالقول: “لم يكن لدي عنوان تاليا في بلجيكا، وخلال السنوات الأخيرة كنت أبحث عنها في فيسبوك لكي أصل إليها، فأحصل على أسماء كثيرة مشابهة باسمها، ولم أكن أبحث باسم سلطان لأني كنت أعتقد أن والدته غيرت اسمه”، مضيفاً، “أخطط الآن كي نعيش معاً حتى أعوضه عن جزء من حنان الأب الذي فقده خلال فترة الفراق”.
اللقاء الأول
وعبر سلطان عن مشاعره بلقاء والده وأهله قائلاً “عندما قابلت والدي وأخواتي للمرة الأولى، شعرت بإحساس غامر بالحب والتواصل. كان الأمر أشبه بنقر شيء بداخلي، وأدركت أن السعادة الحقيقية لا تتعلق بالمكان الذي تعيش فيه أو ما تفعله، بل تتعلق بالوجود مع الأشخاص الذين تحبهم”.
وأشار سلطان إلى أن إعادة الاتصال بجذوري اليمنية جعلتني أكثر وعياً وحساسية من الناحية الثقافية. بصفتي شخصاً نشأ في الغرب، كنت دائماً على دراية بالاختلافات الثقافية بيني وبين زملائي، لكنني لم أعانق تراثي اليمني حقاً. الآن بعد أن أعدت الاتصال بهذا الجزء من هويتي، أشعر أن لدي فهماً أفضل لنفسي والعالم من حولي. لقد جعلني ذلك أكثر تعاطفاً ورحمة في عملي، مما ساعدني على بناء علاقات أقوى مع زملائي وعملائي.
ووجه سلطان رسالة الباحثين عن تحقيق أمنيات وأهداف معينة قائلاً، “كانت مقابلة والدي بعد 30 عاماً من الانفصال تجربة غيرت حياتي، وأريد تشجيع الآخرين الذين ما زالوا يبحثون عن الاستمرار في القتال من أجل ما يؤمنون به. قد تكون الرحلة صعبة، لكن المكافآت تستحق العناء”.