القاهرة – السابعة الاخبارية
هابي بيرث داي، رغم أنه رُشح رسميًا لتمثيل مصر في جوائز الأوسكار لعام 2026، فإن فيلم هابي بيرث داي لم يستمر في دور العرض سوى أسبوع واحد فقط، ما أثار جدلًا واسعًا بين الجمهور والمتابعين. فبين من اعتبر القرار خطوة ذكية ضمن خطة تسويقية محكمة، ومن رأى فيه تجاهلًا للجمهور المحلي، يبقى الفيلم محط الأنظار بسبب قصته الإنسانية وإنجازاته الدولية.
هابي بيرث داي.. عرض محدود لسبب محدد
السبب الرئيسي وراء هذا العرض القصير ليس ضعفًا في العمل أو فشلًا في جذب الجمهور، بل هو مرتبط مباشرةً بشروط الأوسكار. فالأكاديمية الأمريكية لفنون وعلوم السينما تشترط أن يتم عرض أي فيلم مرشح لفئة “أفضل فيلم دولي” تجاريًا في بلده لمدة لا تقل عن سبعة أيام متتالية، وأن يكون العرض قبل موعد نهائي محدد، وهو في العادة نهاية سبتمبر.
لذلك قررت الجهة المنتجة للفيلم طرحه لعرض محدود في دار عرض واحدة بالقاهرة، ومن دون دعاية واسعة، فقط من أجل استيفاء الشرط المطلوب، ثم سحب الفيلم بعد انتهاء الأسبوع، تمهيدًا لإطلاقه لاحقًا في حملة دعائية أكبر.
خطة تسويقية مؤجلة
أعلنت الجهة المنتجة للفيلم أنها ستعيد طرحه تجاريًا للجمهور في 17 أكتوبر المقبل، وذلك بالتزامن مع عرض الفيلم في حفل افتتاح مهرجان الجونة السينمائي. وهذا يعني أن الفيلم لم يُسحب نهائيًا، بل فقط تم تأجيل انطلاقته الحقيقية إلى توقيت يُعتقد أنه سيجذب انتباهًا إعلاميًا وجماهيريًا أكبر.
الفكرة هنا تعتمد على خلق فضول لدى الجمهور، وتوجيه أنظار وسائل الإعلام والنقاد إلى العمل عندما يكون جاهزًا للعرض في أكثر من دار سينما، مع تنظيم عروض خاصة ومقابلات دعائية وتصريحات من فريق العمل، ما قد يمنح الفيلم زخمًا أكبر من عرضه في صمت.
قصة الفيلم.. حلم طفلة يكشف قسوة الواقع
تدور أحداث فيلم “هابي بيرث داي” حول الطفلة “ضحى”، فتاة صغيرة تعمل خادمة في بيت إحدى العائلات الثرية. رغم صغر سنها، تُكلف بتنظيم عيد ميلاد لابنة أصحاب المنزل، وتكتشف خلال تلك الرحلة الفجوة الواسعة بين عالمها الفقير المليء بالقيود، وعالم الطفلة الأخرى الذي يعج بالهدايا والحلوى والضحك.
الفيلم لا يعرض الحدث فقط، بل يغوص في مشاعر “ضحى” وتساؤلاتها حول العدل، ويجعل من مشهد بسيط كعيد ميلاد، مرآة تعكس قضايا اجتماعية كبيرة مثل الطبقية، وعمالة الأطفال، وغياب العدالة الاجتماعية.
الطرح الإنساني والبسيط جعل الفيلم محط اهتمام جماهيري ونقدي، لا سيما أنه يتناول موضوعًا حساسًا من منظور طفولي نقي.
فريق عمل متكامل يقود النجاح
أبرز ما ميّز “هابي بيرث داي” هو تكامل فريقه. فقد أخرجت الفيلم المخرجة سارة جوهر، التي تمكّنت من تقديم أول عمل طويل لها ببصمة فنية واضحة. شاركها في كتابة السيناريو الكاتب محمد دياب، المعروف بأعماله الاجتماعية والواقعية.
أما البطولة فكانت لنخبة من النجوم المصريين، على رأسهم نيللي كريم، حنان مطاوع، شريف سلامة، إلى جانب وجوه جديدة أدّت أدوارًا صعبة باحترافية.
من ناحية الإنتاج، شارك فيه أحمد الدسوقي، أحمد بدوي، وأحمد عباس، فيما دعمه نجم عالمي هو جيمي فوكس، الذي أعجب بسيناريو الفيلم مبكرًا وقرر المساهمة في إنتاجه عبر شركته الخاصة.
إنجازات دولية.. وأمل في الأوسكار
الفيلم حصد ثلاث جوائز كبرى في مهرجان ترايبيكا السينمائي الدولي، من بينها أفضل فيلم دولي، وأفضل سيناريو، وأفضل مخرجة. هذه الجوائز فتحت له الباب واسعًا للترشيح لجوائز أخرى، وزادت من فرصه للمنافسة في الأوسكار.
الاختيار الرسمي من قِبل لجنة ترشيحات الأوسكار في مصر جاء بعد تقييم مجموعة من الأفلام الأخرى، لكنه حظي بإجماع على تميزه في الرؤية والموضوع والطرح الفني.
ترشيح الفيلم للأوسكار يعطي رسالة بأن السينما المصرية قادرة على التنافس عالميًا، ليس فقط من خلال الأسماء الكبيرة، بل من خلال قصص إنسانية تُروى ببساطة وإبداع.
بين النجاح الفني والجدل الجماهيري
رغم الإنجازات الكبيرة، لم يسلم الفيلم من الجدل. فقد تساءل البعض: لماذا يُعرض فيلم مصري بهذا الحجم في دار عرض واحدة فقط؟ ولماذا لم يحظَ بدعاية مبكرة؟ وهل الجمهور المحلي لم يعد أولوية أمام طموحات الجوائز العالمية؟
هذه التساؤلات مشروعة، لكن في الوقت نفسه، يراها البعض جزءًا من لعبة ذكية تستهدف خلق “ندرة” تزيد من قيمة الفيلم لاحقًا عند طرحه فعليًا. فكما تفعل بعض الشركات العالمية بمنتجاتها النادرة، يبدو أن منتجي “هابي بيرث داي” أرادوا صناعة ضجة تبدأ بالصمت.
الفيلم والسينما العربية الجديدة
يندرج هذا الفيلم ضمن موجة جديدة من الأعمال السينمائية العربية التي تُراهن على الرؤية الفنية والواقعية الاجتماعية، بدلًا من التركيز على الإثارة أو النجومية المطلقة.
المخرجات الشابات مثل سارة جوهر يقدمن اليوم ما يشبه الثورة الهادئة داخل صناعة السينما. فهن لا يركّزن فقط على الإبهار البصري، بل على الصدق الفني، وعلى مقاربة قضايا الإنسان من زوايا مختلفة وغير معتادة.
التوقعات القادمة
السؤال الأبرز الآن: هل يستطيع “هابي بيرث داي” أن يصل إلى القائمة القصيرة في الأوسكار؟ وهل يحظى بإقبال محلي عند إطلاقه الكامل؟
الإجابة تعتمد على عاملين: أولهما قدرة الفريق على تنفيذ حملة دعائية ناجحة تقرّب الفيلم من الجمهور، والثاني هو استمرار التغطية الإعلامية الإيجابية التي تسلّط الضوء على رسالة الفيلم وإنجازاته.
في حال توافر هذين العاملين، فإن الفيلم لن يكون مجرد تجربة ناجحة، بل سيكون علامة فارقة في تاريخ السينما المصرية المعاصرة.
كلمة أخيرة
“هابي بيرث داي” ليس مجرد فيلم عن طفلة تحلم بعيد ميلاد، بل هو عمل سينمائي يُسلّط الضوء على أحلام البسطاء، ويُعبّر عن واقع نعيشه جميعًا، لكنه يُقدمه بنعومة وصدق.
عرضه المحدود لا يقلل من قيمته، بل قد يكون مدخلًا لنجاح أكبر في المستقبل. وبين التكتيك التسويقي والطموح الفني، يبدو أن الفيلم يسير بخطى مدروسة نحو العالمية، دون أن ينسى جذوره المصرية العميقة.