الإمارات – السابعة الإخبارية
الذكاء الاصطناعي.. في خطوة حاسمة تعكس وعيًا متزايدًا بتأثير التكنولوجيا الحديثة على المشهد الإعلامي، أصدر مجلس الإمارات للإعلام بيانًا رسميًا أكد فيه أن توظيف تقنيات الذكاء الاصطناعى أو أي من الوسائل التقنية المستحدثة في تمثيل الرموز الوطنية أو الشخصيات العامة، دون الحصول على موافقة مسبقة من الجهات الرسمية المختصة، يُعد مخالفة صريحة لمعايير المحتوى الإعلامي المعمول بها في الدولة.
ويأتي هذا الموقف الرسمي في ظل تسارع وتيرة انتشار أدوات الذكاء الاصطناعي التوليدي، التي باتت قادرة على إنتاج صور وفيديوهات ومقاطع صوتية تحاكي الواقع بدقة لافتة، الأمر الذي يثير مخاوف متنامية بشأن استخدامها في التضليل أو الإساءة للرموز والشخصيات العامة.

التحذير من التضليل والإساءة
شدد المجلس على أن استخدام الذكاء الاصطناعي في نشر المعلومات المضللة، أو بث خطاب الكراهية، أو التشهير بالآخرين، أو الانتقاص من كرامتهم وسمعتهم، أو المساس بقيم المجتمع وثوابته، يُعد مخالفة إعلامية جسيمة.
وأوضح أن مثل هذه الممارسات لن يتم التساهل معها، إذ ستطبق بشأنها أحكام لائحة المخالفات الإعلامية، التي تتضمن الغرامات المالية والجزاءات الإدارية، وصولًا إلى إيقاف التراخيص أو إحالة القضايا إلى الجهات القضائية المختصة.
ويُنظر إلى هذا التشديد على أنه إجراء وقائي يهدف إلى التصدي مبكرًا لمحاولات استغلال الذكاء الاصطناعي في حملات التشويه أو التضليل، خاصة في ظل ما يشهده العالم من جدل واسع حول “الفيديوهات المزيفة العميقة” (Deepfake) واستخداماتها السلبية.
دعوة إلى المسؤولية المهنية والأخلاقية
إلى جانب التحذيرات القانونية، دعا مجلس الإمارات للإعلام جميع مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي، والمؤسسات الإعلامية، وصنّاع المحتوى الرقمي إلى الالتزام الصارم بالقوانين والمعايير المعتمدة في الدولة، والتحلي بالمسؤولية المهنية والأخلاقية عند استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي.
وأكد المجلس أن الحفاظ على موثوقية المحتوى الإعلامي هو مسؤولية مشتركة، تتطلب وعيًا عميقًا بخطورة الانزلاق نحو نشر محتوى زائف أو مضلل قد ينعكس سلبًا على الأمن المجتمعي، وعلى سمعة الأفراد والمؤسسات.

الإمارات.. ريادة في تشريعات الذكاء الاصطناعي
يُذكر أن دولة الإمارات كانت من أوائل الدول التي وضعت استراتيجيات وتشريعات واضحة للذكاء. ففي عام 2017، أطلقت الدولة “الاستراتيجية الوطنية للذكاء الاصطناعي 2031”، كما عيّنت وزيرًا للذكاء الاصطناعي، في خطوة غير مسبوقة عالميًا.
كما أصدرت الجهات التنظيمية المعنية عدة أدلة إرشادية تُحدد معايير استخدام هذه التقنيات بما يتوافق مع قيم المجتمع الإماراتي، إلى جانب إدماج الذكاء الاصطناعي في قطاعات التعليم والصحة والخدمات الحكومية.
ومن هذا المنطلق، يُمثل قرار مجلس الإمارات للإعلام امتدادًا طبيعيًا لهذه الجهود، حيث يركز على الجانب الإعلامي والمحتوى الرقمي، باعتباره أحد أكثر المجالات تأثرًا بتطور الذكاء الاصطناعي.
حماية الرموز الوطنية والشخصيات العامة
أحد أبرز النقاط التي توقف عندها البيان تتعلق بضرورة الحصول على موافقة رسمية مسبقة قبل استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي لتمثيل الرموز الوطنية أو الشخصيات العامة.
هذا الشرط لا يهدف فقط إلى حماية صورة القادة والرموز من الاستغلال غير المشروع، بل يعكس أيضًا حرص الإمارات على صون مكانة مؤسساتها وشخصياتها العامة من أي محاولات لتشويه صورتها عبر محتوى زائف قد يتم تداوله بسرعة عبر المنصات الرقمية.
وقد شهد العالم بالفعل حالات عديدة جرى فيها استخدام تقنيات “التزييف العميق” لمحاكاة أصوات وصور سياسيين وفنانين ورجال أعمال، بهدف التضليل أو السخرية أو حتى الابتزاز المالي، وهو ما يعزز أهمية هذه الخطوة الإماراتية الاستباقية.
بين الابتكار والضبط القانوني
رغم التشديد على العقوبات، أكد مراقبون أن هذا التوجه لا يعني إغلاق الباب أمام الابتكار في مجال الذكاء الاصطناعي داخل الإعلام، بل على العكس، يعكس رغبة الدولة في تنظيم الاستخدام بما يحقق الفائدة القصوى ويحد من الأضرار.
فالذكاء الاصطناعي يحمل فرصًا هائلة في مجالات مثل إنتاج الأخبار، وتحليل البيانات، وتخصيص المحتوى للجمهور، غير أن هذه الإمكانات تحتاج إلى أطر قانونية وأخلاقية تضمن عدم تحوّلها إلى أداة للفوضى أو التشويه.
من خلال بيان مجلس الإمارات للإعلام، ترسل الدولة رسالة واضحة مفادها أن الذكاء الاصطناعي أداة واعدة لكنها حساسة، واستخدامها في الإعلام يجب أن يتم وفق ضوابط دقيقة تراعي القيم الوطنية وتحمي المجتمع من التضليل.
وبينما تستمر التكنولوجيا في التطور بسرعة غير مسبوقة، تظل التشريعات والقوانين هي الضمانة الأساسية لتحقيق توازن دقيق بين دعم الابتكار وصون الحقوق وحماية الثوابت الوطنية.