القاهرة – السابعة الاخبارية
الراقصة دينا، أثار إعلان الراقصة دينا عن افتتاح أكاديمية لتعليم الرقص الشرقي موجةً من الجدل، امتدت من مواقع التواصل الاجتماعي إلى أروقة المحاكم، بعد أن تقدم محامٍ مصري ببلاغ رسمي ضدها يتهمها فيه بـ”التحريض على الفسق والفجور” و”خدش الحياء العام”.
البلاغ الذي حمل لهجة حادة ضد المشروع، اعتبر أن إطلاق مدرسة لتعليم الرقص “يمثل إساءة واضحة لمفهوم التعليم”، محذرًا من ما أسماه “تهديدًا مباشرًا لقيم المجتمع المصري والأسرة”.
الراقصة دينا من إعلان فني إلى أزمة قانونية
لم يكن إعلان الراقصة دينا عن مشروعها الجديد مجرد خبر عابر، فقد تفاعل معه الجمهور بشكل واسع ما بين مؤيد ومعارض، قبل أن تتطور الأمور إلى إجراء قانوني رسمي اتخذه المحامي معتز السويفي، الذي تقدم ببلاغ للنائب العام ضدها.
البلاغ، الذي وُجه ضد دينا باسمها الكامل دينا طلعت سيد محمد، وصف الأكاديمية بأنها “مؤسسة لنشر الفسق والتعري”، معتبرًا أن “إنشاء مدرسة لتعليم الرقص هو بمثابة استهزاء بالقيم المجتمعية، واستخدام غير مشروع لمفهوم التعليم”.
مضمون البلاغ.. اتهامات صريحة وتحذير من “التأثير السلبي”
في نص البلاغ، قال المحامي إن دينا “خالفت القيم والعادات الاجتماعية”، مشيرًا إلى أن افتتاح أكاديمية لتعليم الرقص الشرقي لا يتناسب مع طبيعة المجتمع المصري المحافظ.
واتهمها بـ”الترويج لمحتوى غير لائق”، عبر نشر مقاطع دعائية ترتدي فيها “ملابس مثيرة”، معتبراً أن ذلك يشكل تحريضًا مباشرًا على الفسق، خاصة لفئة الشباب، ويُعد، من وجهة نظره، تشويهًا لصورة الرقص الشرقي الذي وصفه بأنه “فن نبيل تم تسييسه تجاريًا”.
كما اعتبر المحامي أن “المحتوى التسويقي” للأكاديمية يتجاوز الحدود المقبولة، مطالبًا الجهات المختصة بـ”تدخل فوري لوقف ما أسماه حملة إفساد ثقافي مقنّعة تحت مظلة الفن والتعليم”.
الاستناد إلى مواد قانون العقوبات المصري
لم يكتفِ المحامي بالاعتراض الأخلاقي، بل استند في بلاغه إلى مواد محددة من قانون العقوبات المصري، أبرزها:
- المادة 269 مكررًا: التي تجرّم التحريض على الفسق في الأماكن العامة.
- المادة 306 مكررًا أ: التي تجرّم أي فعل من شأنه خدش الحياء أو إيحاءات غير لائقة تمس الذوق العام.
وطالب السويفي في نهاية البلاغ بـ:
- استدعاء الراقصة دينا للتحقيق معها.
- إحالتها إلى محكمة جنائية بتهمة التحريض على الفسق والفجور.
- إغلاق الأكاديمية فورًا لما تمثله، حسب رأيه، من تهديد مباشر للمجتمع والأسرة.
دينا تلتزم الصمت.. وجمهورها يدافع عنها
حتى لحظة إعداد هذا التقرير، لم تصدر دينا أي رد رسمي أو تعليق على البلاغ المقدم ضدها.
واكتفت بنشر بعض الصور ومقاطع الفيديو من داخل الأكاديمية عبر حساباتها على مواقع التواصل، وسط تعليقات من جمهورها الذي دافع عنها واعتبر الهجوم عليها “غير مبرر”.
عدد كبير من المتابعين عبّر عن دعمهم للمشروع، مؤكدين أن الرقص الشرقي هو فن مصري أصيل، وله تاريخ طويل ومعترف به على الساحة العالمية، ولا يجب التعامل معه كجريمة أو “تحريض على الفسق”.
الرقص بين الفن والتقليد.. انقسام مجتمعي دائم
ليست هذه المرة الأولى التي يُثار فيها جدل حول الرقص الشرقي، فهو أحد الفنون التي تعيش دائمًا في منطقة رمادية بين الإبداع والرفض المجتمعي.
فبينما يعتبره البعض فنًا يحمل طابعًا تراثيًا مصريًا بامتياز، يراه آخرون أمرًا غير مناسب للعرض العام، خاصة في ظل المعايير المحافظة السائدة في بعض شرائح المجتمع.
وهذا الانقسام غالبًا ما يُستثمر من قبل المحامين الذين يتخذون من “الدفاع عن القيم” ذريعة لتقديم بلاغات قانونية ضد الفنانين، مستندين إلى قوانين ذات صياغة فضفاضة تفتح الباب أمام التفسير الواسع.
هل الرقص جريمة؟ قراءة قانونية مختلفة
في المقابل، يرى بعض الخبراء القانونيين أن مثل هذه البلاغات غالبًا ما تُرفض لعدم توفر أركان الجريمة الحقيقية، خاصة أن مشروع دينا مرخص بشكل رسمي، ويُدار في إطار تعليمي واضح.
ويشيرون إلى أن القوانين المصرية لا تُجرّم الرقص في حد ذاته، بل تُعاقب على “التحريض العلني على الفسق أو الفجور”، وهو ما يصعب إثباته ما لم يكن هناك فعل مباشر يدعو إلى ذلك.
بالتالي، يُتوقع أن يُواجه البلاغ تحديات قانونية إذا لم يتم دعم الاتهامات بأدلة واضحة، خاصة أن الرقص الشرقي يُدرّس بالفعل في عدد من المؤسسات الفنية داخل مصر وخارجها.
فن في مرمى الاتهام.. صورة الرقص في الإعلام
الرقص الشرقي، رغم كونه جزءًا من الهوية الثقافية المصرية، إلا أنه يعاني من تشويه كبير في الإعلام والخطاب العام، ويتم تصويره دائمًا في إطار “الإثارة والابتذال”، وليس كفن تعبيري له قواعد وتقنيات.
وقد ساهمت بعض الأعمال الفنية في ترسيخ هذه الصورة النمطية، مما جعل فكرة تعليم الرقص تُقابل أحيانًا بالسخرية أو الرفض المجتمعي.
لكن في المقابل، يزداد الإقبال على تعلم الرقص الشرقي من فئات مختلفة، سواء داخل مصر أو خارجها، كوسيلة للتعبير الفني، أو حتى كرياضة بدنية.
أكاديمية دينا.. بين التمكين الفني والاتهامات الأخلاقية
افتتاح أكاديمية للرقص من قبل فنانة مخضرمة مثل دينا، يُفترض أنه خطوة طبيعية ضمن مسيرتها الفنية، ومحاولة لنقل خبرتها إلى الأجيال الجديدة، في وقت أصبح فيه السوق مليئًا بالدخلاء على المجال.
لكن يبدو أن الرمزية المرتبطة باسم “مدرسة” أو “أكاديمية”، إلى جانب السياق المحافظ الذي تعيشه بعض قطاعات المجتمع، جعل المشروع هدفًا سهلاً للانتقادات والاتهامات الأخلاقية، حتى قبل أن تبدأ أولى دوراته.
خاتمة: فن محاصر بين القانون والعادات
في النهاية، تبقى أزمة دينا وأكاديميتها الجديدة حلقة جديدة في سلسلة الصدامات بين حرية التعبير الفني والقيود المجتمعية المفروضة على بعض أنواع الفنون، خاصة تلك التي ترتبط بالجسد أو التعبير الحركي.
سواء أُغلق المشروع أم استمر، فإن القضية تُسلّط الضوء على إشكالية أعمق تتعلق بحدود الفن، وتعريف الفسق، ومدى قدرة المجتمع على التمييز بين الجريمة والإبداع.
وربما تكمن المعضلة الأكبر في أن الرقص الشرقي، رغم كونه أحد رموز الفن المصري التاريخي، ما زال يُعامل على استحياء، ويُحاسب بقوانين أخلاقية فضفاضة لا تعترف بتعقيداته كفن شعبي وعالمي في آنٍ واحد.