اليابان – السابعة الاخبارية
روبوت، أثار مقطع فيديو متداول على منصات التواصل الاجتماعي موجة جدل واسعة بعد أن ظهر فيه مهندس يلف سلسلة حول عنق روبوت بشري ويسحبه بعنف، قبل أن يوجه له عدة ركلات متتالية. المشهد بدا للبعض قاسيًا ومثيرًا للغضب، وكأنه يعكس شكلًا من التعنيف التكنولوجي، إلا أن الحقيقة كانت مختلفة تمامًا.
التجربة كانت جزءًا من اختبار علمي يُجريه باحثون لتقييم مدى قدرة الروبوتات على التفاعل مع الاضطرابات الخارجية، ضمن مشروع بحثي يستخدم تقنيات متقدمة في تعلم الآلة، ويهدف إلى تحسين قدرة الروبوتات على التكيف مع البيئات غير المتوقعة.
روبوت تحت الاختبار.. لماذا يُركل الروبوت؟
الفيديو تم تسجيله خلال اختبار ميداني لنظام يُعرف باسم “Any2Track”، وهو إطار برمجي ذكي يتيح للروبوتات تتبع الحركات البشرية والتفاعل معها حتى في حال تعرّضها لمؤثرات خارجية مفاجئة، مثل السحب أو الدفع أو الركل.
الهدف من استخدام السلسلة والركلات لم يكن إهانة الروبوت أو العبث به، بل لمحاكاة سيناريوهات واقعية قد تواجه الروبوتات في بيئات حقيقية، مثل التعرض للاصطدام أو فقدان التوازن نتيجة لقوة خارجية. ولذا، فإن استخدام العنف الظاهري في هذا السياق له هدف علمي بحت: اختبار قدرة الروبوت على التكيف الفوري والبقاء متزنًا.
Any2Track: التقنية التي تجعل الروبوت “يتعلم تحت الضغط”
نظام Any2Track هو تقنية تعتمد على التعلم المعزز، وتم تطويره ليعمل عبر مرحلتين رئيسيتين:
- AnyTracker: يختص بمتابعة الحركة البشرية أو النمط الحركي الذي يجب على الروبوت تقليده أو التفاعل معه.
- AnyAdapter: يتفاعل مع الظروف المتغيرة أثناء تنفيذ الحركة ويُعدل أداء الروبوت تلقائيًا بناءً على ما يواجهه من اضطرابات.
ما يميز هذا النظام أنه لا يحتاج إلى إعادة تدريب عند الانتقال من المحاكاة إلى الواقع، وهي مشكلة رئيسية كانت تواجه الأنظمة السابقة. يستطيع Any2Track العمل مباشرة على روبوت حقيقي بنفس الكفاءة التي يعمل بها في بيئة افتراضية.
روبوت Unitree G1: تصميم مخصص للحركة والتوازن
الروبوت المستخدم في التجربة يُدعى Unitree G1، وهو أحد أكثر الروبوتات تقدمًا في فئته. يتميز بتصميمه الخفيف نسبيًا وهيكله المتوازن وقدرته على الحركة الدقيقة عبر مفاصل متعددة تسمح له بأداء مهام شبيهة بالبشر.
من بين أبرز خصائصه:
- هيكل متوازن يتيح له المشي والجري حتى على الأسطح غير المستوية.
- مفاصل عالية المرونة تؤمن له استجابة سريعة لأي اضطرابات مفاجئة.
- برمجيات متقدمة تسمح له بتنفيذ أوامر معقدة بدقة عالية.
وقد سبق أن تم عرض هذا الروبوت في مناسبات تقنية وهو يتحرك بانسيابية على منحدرات وتضاريس صعبة، مؤكدًا قدرته على الحفاظ على توازنه في ظروف مختلفة.
قوة التحمل مقابل الضغط: ما كشفت عنه التجربة
تجربة الركل والسحب القوي أظهرت قدرة مذهلة للروبوت على:
- الحفاظ على التوازن رغم المؤثرات الخارجية.
- تعديل حركته تلقائيًا خلال أجزاء من الثانية، دون الحاجة لإعادة ضبط برمجي.
- عدم الانهيار أو السقوط، رغم قوة الركلات والسحب الذي تعرض له.
وهذه النقاط تعكس مدى نضج النظام البرمجي والهندسي الذي يُعتمد عليه، ما يُبشر بإمكانيات واسعة للروبوتات في سيناريوهات الاستخدام الحقيقي.
من التجربة إلى التطبيق: إلى أين يمكن أن تصل هذه التقنية؟
إذا تم تطوير هذه الأنظمة بشكل أكبر، فإن التطبيقات الممكنة ستكون واسعة ومتنوعة، وتشمل:
1. البيئات الخطرة
مثل مواقع الكوارث أو الإنقاذ أو التنقيب تحت الأرض، حيث يتعرض الروبوت إلى قوى مفاجئة أو غير متوقعة. وجود روبوت قادر على تحمل هذه القوى دون فقدان وظيفته سيكون حاسمًا.
2. الاستخدام الصناعي
في المصانع أو خطوط الإنتاج، قد تتعرض الروبوتات لصدمات عرضية أو قوى خارجية نتيجة حركة البشر أو الأجهزة، ومن المهم أن تبقى هذه الروبوتات قادرة على أداء المهام دون توقف.
3. الروبوتات المنزلية
في المستقبل، قد تصبح هذه الأنظمة جزءًا من روبوتات تُستخدم في المنازل أو الأماكن العامة، ما يعني أنها يجب أن تتفاعل مع الأطفال، العفوية، والتصرفات غير المتوقعة دون أن تختل وظائفها.
4. القطاع العسكري أو الأمني
الروبوتات المستخدمة في سيناريوهات أمنية قد تتعرض لقوى عنيفة، وقد تكون القدرة على التكيف اللحظي مسألة حياة أو موت.
تحديات هندسية وتقنية لا تزال قائمة
رغم النجاح الظاهري للتجربة، إلا أن هناك تحديات متعددة يجب التعامل معها:
- إجهاد المواد: الركلات والسحب المستمر قد يسبب تلفًا تدريجيًا في المفاصل أو هيكل الروبوت.
- الكلفة العالية: تطوير روبوت بهذه القدرات لا يزال مكلفًا، ما يحد من توفره تجاريًا.
- التفاعل البشري الآمن: إذا تم استخدام الروبوتات على نطاق واسع، يجب التأكد من أنها لن تُشكّل خطرًا على المستخدمين عند حدوث خلل أو فقدان السيطرة.
الجانب الأخلاقي: هل من المقبول تعنيف الروبوتات؟
أحد الجوانب المثيرة للجدل هو البُعد الأخلاقي في التجربة، حيث رأى البعض أن “سحب الروبوت بالسلسلة وركله” يشبه مشاهد تعنيف الكائنات. ورغم أن الروبوت لا يملك إحساسًا أو وعيًا، إلا أن شكل التجربة يُحفّز نوعًا من التعاطف الغريزي مع جسم بشري المظهر يتعرض للإساءة.
هذا يطرح تساؤلات مستقبلية حول الحدود الأخلاقية لتصميم الروبوتات، ومدى تأثير شكلها الخارجي على إدراك الناس لها. هل يمكن أن تتطور علاقاتنا مع الآلات لدرجة تمنعنا من اختبارها أو الضغط عليها، فقط لأنها “تشبه البشر”؟
المستقبل: إلى أين تتجه هذه الابتكارات؟
مع التقدم السريع في الذكاء الاصطناعي والتعلم المعزز، بات من الممكن تدريب الروبوتات على التأقلم مع مواقف معقدة وغير متوقعة. وهذا يفتح آفاقًا جديدة لتقنيات لم نكن نتخيلها سابقًا، مثل:
- شاشات ثلاثية الأبعاد مزوّدة بتفاعل حركي.
- روبوتات منزلية تستطيع فهم لغة الجسد.
- أنظمة قادرة على التفاعل الفوري مع بيئة ديناميكية تتغير باستمرار.
لكن الوصول إلى هذه المرحلة يتطلب المزيد من التجارب والاختبارات القاسية، تمامًا كما شاهدنا في الفيديو الأخير، مهما بدا صادمًا في ظاهره.
خاتمة: بين الواقع والعاطفة
الفيديو الذي أثار الضجة ليس أكثر من نافذة على مستقبل يتشكّل أمامنا. روبوتات تتعلم، تتأقلم، وتثبت أنها لم تعد مجرد آلات تنفّذ أوامر جامدة، بل كيانات ديناميكية تتفاعل مع العالم الحقيقي.
التجربة أظهرت أن العالم يقترب أكثر فأكثر من استخدام الروبوتات في الحياة اليومية، لكنّ ذلك يفتح الباب أيضًا أمام نقاشات أخلاقية، اجتماعية، وهندسية معقدة تحتاج إلى تأمل عميق قبل أن يصبح الذكاء الاصطناعي والروبوتات جزءًا لا يتجزأ من حياتنا.