بريطانيا – السابعة الإخبارية
الذكاء الاصطناعي.. في خطوة غير تقليدية، أثار أب بريطاني يُدعى ديف ألين جدلًا واسعًا في الأوساط التربوية والإعلامية بعد أن قرر فصل أطفاله من المدرسة الابتدائية وتولي مهمة تعليمهم في المنزل باستخدام تطبيقات الذكاء الاصطناعي، مؤكدًا أن هذا الأسلوب أكثر فاعلية وجدوى من النظام التعليمي التقليدي.
ويعيش ديف ألين، البالغ من العمر 36 عامًا، في مقاطعة لانكشاير شمال إنجلترا، ويعمل في مجال تكنولوجيا المعلومات، ما منحه دراية واسعة بتقنيات الذكاء الاصطناعي وتطبيقاته المتقدمة. لكن قراره التربوي أثار ردود فعل متباينة، ما بين من يرى فيه نموذجًا رائدًا للتعليم المستقبلي، ومن يعتبره مخاطرة بمستقبل أطفاله.

بداية القصة: مشكلة مدرسية تتحول إلى نقطة تحوّل
بدأت القصة عندما لاحظ ديف أن ابنه الأكبر أوليفر يواجه صعوبات سلوكية داخل المدرسة، تمثلت في نوبات من الصراخ المفرط والثرثرة، ما أثر على تجربته التعليمية وتفاعله داخل الفصل. وبعد عدة محاولات لإيجاد حلول مع الإدارة التعليمية، قرر ديف اتخاذ قرار جذري: سحب ابنه من المدرسة والبدء في تعليمه من المنزل.
وقال ألين في تصريحات لصحيفة “ذا ميرور” البريطانية:“أدركت أن أوليفر لم يكن يعاني من مشكلة في التعلم، بل من طريقة التعلم نفسها. لذا قررت أن أصنع بيئة تعليمية تناسبه، تعتمد على الذكاء الاصطناعي والتعلم التجريبي، بدلًا من التلقين الممل”.
وبمرور الوقت، انضم إلى التجربة شقيق أوليفر الأصغر، هاري، البالغ من العمر 5 سنوات، رغم أنه لم يُظهر أية مشكلات في الحضانة، بل كان محبوبًا وناجحًا اجتماعيًا. لكن الأب رأى أن من الأفضل أن يحصل كلا الطفلين على تعليم موحد بأسلوب منزلي يجمع بين المعرفة والمهارات الحياتية.
تعليم مختلف… وأبوة مختلفة
اللافت في تجربة ألين هو الدمج بين الدراسة النظرية ومجموعة من المهارات العملية التي غالبًا ما تغيب عن المناهج الرسمية. فبالإضافة إلى الرياضيات واللغة الإنجليزية، يتعلم أطفاله في المنزل أساسيات التمويل الشخصي، التسويق الرقمي، تصميم البرمجيات، إدارة المشاريع، والتفكير الإبداعي.
ويعتمد الأب في خطته التعليمية على عدد من أدوات وتقنيات الذكاء الاصطناعي، مثل ChatGPT وKhan Academy AI وGrammarly وNotion AI، بالإضافة إلى استخدام أدوات برمجة مبسطة مثل Scratch للأطفال.
يقول ألين:“أشعر أن علاقتي بأطفالي أصبحت أقوى منذ بدأنا هذه التجربة. أنا لست فقط والدهم، بل معلمهم ومرشدهم، وأراقب تطورهم عن قرب”.
انتقادات وتحفظات
ورغم ثقة الأب في قراره، إلا أن العديد من التربويين وأولياء الأمور أعربوا عن قلقهم من تداعيات هذا النهج، خاصة في ما يتعلق بالجانب الاجتماعي والتربوي طويل الأمد. فهناك من يخشى أن يُنتج هذا النوع من التعليم عزلة اجتماعية، أو يقلل من قدرة الطفل على التفاعل مع الآخرين وتكوين صداقات.
كما أشار البعض إلى خطورة الاعتماد المفرط على الذكاء الاصطناعي في التعليم، خصوصًا أن هذه الأدوات، رغم تطورها، قد لا تكون دقيقة دائمًا، وقد تفتقر إلى العنصر الإنساني والتربوي الذي يوفره المعلمون المؤهلون.
في المقابل، يرى ألين أن هذه المخاوف “مبالغ فيها”، مؤكدًا أن أطفاله ما زالوا يتمتعون بحياة اجتماعية طبيعية، بفضل ما يسميه “سياسة البيت المفتوح”، حيث يحرص على تنظيم لقاءات دورية مع أصدقاء العائلة، وإشراك أطفاله في أنشطة ترفيهية وجماعية داخل وخارج المنزل.

هل التعليم المنزلي باستخدام الذكاء الاصطناعي هو المستقبل؟
تفتح تجربة ألين باب النقاش حول مستقبل التعليم في ظل التطورات التكنولوجية المتسارعة. فبينما يُنظر إلى الذكاء الاصطناعي على أنه أداة مساعدة للمعلمين داخل الفصول، فإن استخدامه كوسيلة تعليم رئيسية في المنزل ما يزال يثير الجدل، ويطرح أسئلة صعبة:
هل يمكن أن يحل الذكاء الاصطناعي محل النظام التعليمي التقليدي؟
ما هي المعايير الأخلاقية والتربوية التي يجب مراعاتها في هذا النوع من التعليم؟
وهل جميع الأسر قادرة على تحمل عبء التعليم المنزلي تقنيًا ونفسيًا واقتصاديًا؟
ربما لا تصلح تجربة ديف ألين للجميع، لكنها بلا شك تسلط الضوء على تحوّل نوعي في مفهوم التعليم، حيث لم تعد المدرسة المكان الوحيد لاكتساب المعرفة. وبينما يواصل الأب تجربته بثقة، فإن قصة أوليفر وهاري تظل مفتوحة على احتمالات النجاح أو الإخفاق، تمامًا كما هو حال الثورة التكنولوجية التي نعيشها اليوم.
