أمريكا – السابعة الاخبارية
بروس ويليس، في فبراير 2023، صُدمت الأوساط الفنية والإعلامية بخبر صعب: الممثل الأمريكي الشهير بروس ويليس تم تشخيصه بمرض الخرف الجبهي الصدغي (Frontotemporal Dementia)، أحد أكثر أنواع الخرف قسوة وتعقيدًا. رجل الأكشن المعروف بابتسامته الساخرة وأدواره القوية في أفلام مثل Die Hard وArmageddon، بات الآن يواجه تحديًا شخصيًا من نوع مختلف، بعيد تمامًا عن كاميرات السينما، لكنه حقيقي ومؤلم.
بروس ويليس يواجه الخرف.. إيما هيمينغ تكشف الحقيقة من الداخل
زوجته إيما هيمينغ ويليس، لم تلتزم الصمت أمام هذه المعركة الصعبة. بل اختارت أن تتحدث، بصراحة وشفافية، عن تجربتها كزوجة وأم تواجه يوميًا تبعات مرض زوجها. عبر منشور عاطفي على “إنستغرام”، شاركت إيما تفاصيل لم تكن معروفة من قبل حول تأثير الخرف على بروس وعلى العائلة بأكملها.
قالت إيما إن أحد الأعراض التي يعاني منها ويليس هو ما يُعرف بـ”فقدان الوعي البصري”، وهي حالة تمنع المريض من إدراك طبيعة مرضه أو الاعتراف بخطورته. وعلى الرغم من قسوة هذا العرض، إلا أنها وصفته بـ”النعمة المقنّعة”، إذ جعل بروس غير مدرك لمعاناته الكاملة، ما خفف من وطأة المرض عليه بشكل شخصي، في حين تحمّلت هي العبء النفسي والعاطفي كاملاً.
العبء الخفي الذي تتحمله العائلة
أكدت إيما أن رعاية شخص مصاب بالخرف ليست مجرد التزام طبي أو مسؤولية يومية، بل هي رحلة نفسية شاقة، يرافقها حزن دائم، وشعور بالعجز، وحنين دائم للشخص الذي كان. عبّرت عن شعورها بالثقل والضغط النفسي، موضحة أن دعم العائلات التي تمر بتجارب مشابهة يُعد عنصرًا مهمًا في تخفيف الأعباء، تمامًا كأهمية نشر الوعي حول هذا المرض النادر نسبيًا.
تجربة إيما ليست فريدة من نوعها، لكنها اكتسبت صدىً كبيرًا بسبب شهرة بروس ويليس، ولأنها تمثل صوتًا صريحًا في وسط فني عادةً ما يفضل التعتيم على مثل هذه التفاصيل الشخصية. هي لا تطلب الشفقة، بل التفاهم والدعم، وتشجع الآخرين على مواجهة الواقع بدلًا من الهروب منه.
الخرف الجبهي الصدغي: مرض يسرق الإنسان من داخله
على عكس أنواع الخرف الأكثر شيوعًا مثل الزهايمر، فإن الخرف الجبهي الصدغي يؤثر في الفصوص الأمامية والصدغية من الدماغ، وهي المناطق المسؤولة عن السلوك، والشخصية، واللغة. لذلك، قد تبدأ الأعراض بتغيرات سلوكية غريبة، أو صعوبة في التعبير اللغوي، وليس بفقدان الذاكرة مباشرة كما هو الحال في الزهايمر.
في حالة ويليس، فإن تراجع القدرات الذهنية واللغوية كان من أبرز المظاهر، وهو ما أكده صديقه المقرب وكاتب السيناريو جلين جوردون كارون، الذي قال إن بروس لم يعد قادرًا على القراءة، وهو تغيير جذري بالنسبة لشخص قضى حياته يتعامل مع النصوص والحوارات المعقدة.
لكن المفرح، كما أشار كارون، أن شخصية بروس وروحه المرحة لا تزالان حاضرتين، وكأن “الجوهر” الإنساني لبروس لا يزال يقاوم الانطفاء، رغم تآكل القدرات العقلية الظاهرة.
الجانب الإنساني من المشاهير
عادةً ما تُحيط هالة من المجد والنجاح بحياة النجوم، وتبدو صورهم على الشاشات بعيدة عن الواقع اليومي القاسي الذي يعيشه ملايين البشر. لكن قصة بروس ويليس تذكّر الجميع بأن المرض لا يفرّق بين مشهور ومجهول، وأن خلف بريق النجومية هناك حياة مليئة بالتحديات الإنسانية.
إن الطريقة التي واجهت بها إيما هيمينغ هذا الوضع تستحق التقدير، لا لأنها فقط قامت بدورها كزوجة، بل لأنها تحوّلت إلى صوت للآخرين، ولأسر بأكملها تعاني في صمت من أمراض عصبية تؤثر على الكرامة والهوية والروابط الأسرية.
من نجم أكشن إلى أيقونة صمت
بروس ويليس، الذي قضى أكثر من أربعة عقود في التمثيل، لعب خلالها أدوارًا لا تُنسى في أفلام مثل Pulp Fiction وThe Sixth Sense، أصبح اليوم بعيدًا تمامًا عن الكاميرات والأضواء. هذه النهاية الهادئة لحياته المهنية، رغم قسوتها، تعكس جانبًا جديدًا من شخصية ويليس: الرجل الذي تقبل الهزيمة الصحية بصمت وكرامة، دون إثارة أو استعراض.
وقد صرّح أفراد من أسرته سابقًا بأن قرار الاعتزال جاء بعد إدراكٍ واضح بتدهور صحته العقلية، وأنهم اختاروا احترام إنسانيته قبل كل شيء. قرار الاعتزال لم يكن فقط مهنيًا، بل كان إنسانيًا بامتياز.
مكانة ويليس في قلوب محبيه
رغم بعده عن الشاشات، فإن اسم بروس ويليس لا يزال حاضرًا في ذاكرة الجمهور، خاصة أولئك الذين كبروا وهم يشاهدون مغامراته في Die Hard أو انبهارهم بأدائه في أفلام الدراما والغموض. وقد عبّر آلاف المتابعين عن دعمهم الكامل له ولعائلته، عبر رسائل محبة على وسائل التواصل الاجتماعي.
حالة ويليس تعيد التذكير بأن النجاح لا يحصّن الإنسان من الألم، وأن التقدير الحقيقي للفنان لا يكون فقط في ذروة عطائه، بل أيضًا في مراحله الضعيفة، حين يحتاج إلى دعم جمهوره ومحبّيه.
أهمية الوعي المجتمعي بالأمراض العصبية
ما تفعله إيما هيمينغ الآن، من توعية وتوثيق لتجربتها، لا يقل أهمية عن أي عمل توعوي في المجال الصحي. فالخرف الجبهي الصدغي لا يزال من الأمراض التي يجهلها كثيرون، ويُشخَّص في مراحل متأخرة بسبب عدم دراية الناس بأعراضه غير التقليدية.
الحديث العلني عن هذه الحالات يُساهم في كسر وصمة العار المحيطة بالأمراض العقلية والعصبية، ويمنح الأسر الأخرى شجاعة الحديث والمواجهة، بدلًا من الإنكار والخجل.
عائلة ويليس: وحدة في وجه الانهيار
بالإضافة إلى إيما، وقفت أبناء بروس وبناته من زيجاته السابقة إلى جانبه، في مشهد عائلي يعكس تماسكًا نادرًا في وسط المشاهير. العائلة بدت موحدة في مواجهة المرض، في رسالة قوية عن أن القيم الإنسانية لا تتغير مهما كانت الظروف.
هذا التماسك العائلي يمنح الأمل للآخرين بأن الرحلة، رغم ألمها، يمكن أن تكون أقل قسوة حين تكون الأسرة يدًا واحدة.
نظرة إلى الأمام: ماذا بعد؟
رغم أن مرض بروس ويليس لا شفاء له، إلا أن دعم الأسرة والمجتمع الطبي يمكن أن يُخفّف من وطأة الأعراض، ويمنح المريض جودة حياة معقولة في السنوات المتبقية. ويأمل كثيرون أن تستمر إيما في الحديث، وأن تتحول تجربتها إلى حملة أوسع لنشر المعرفة بالأمراض العصبية، وربما إنشاء مؤسسات أو مبادرات باسم بروس.
في الختام: من الشهرة إلى الإنسانية
قصة بروس ويليس لم تعد فقط حكاية نجم سينمائي سطع لسنوات، بل أصبحت قصة إنسان يواجه تلاشي ذاته يومًا بعد يوم، ويجد في عائلته سندًا وفي زوجته صوتًا.
ربما لا يتذكر بروس اليوم تفاصيل أفلامه أو جوائز حصل عليها، لكن العالم لا يزال يتذكره، ويقدّره، ويحترم صراعه مع مرض صامت يسرق الذاكرة لكنه لا يستطيع سرقة الروح.