السعودية – السابعة الاخبارية
السعودية، تواصل المملكة العربية السعودية ترسيخ مكانتها كوجهة إبداعية عالمية في مختلف القطاعات الثقافية، وفي مقدمتها صناعة الأزياء، التي تشهد نموًا متسارعًا واهتمامًا غير مسبوق من الجهات الحكومية والقطاع الخاص. وفي خطوة جديدة تعكس هذا التوجه، كشفت شركة “ميرك كابيتال” للاستثمار، بالتعاون مع صندوق التنمية الثقافي، عن صندوق استثماري ضخم بقيمة 300 مليون ريال سعودي (نحو 80 مليون دولار أمريكي)، مخصص لدعم مشاريع الموضة المحلية وتمكين العلامات السعودية من التوسع إقليميًا وعالميًا.
تأتي هذه المبادرة في إطار رؤية السعودية 2030، التي تهدف إلى تعزيز الصناعات الإبداعية والثقافية كجزء من عملية التنويع الاقتصادي، وإيجاد فرص جديدة للشباب والمواهب السعودية في مجالات التصميم والإنتاج والابتكار.
السعودية تخصص صندوق استثماري لتمويل مستقبل الموضة
تم الإعلان عن الصندوق الجديد خلال مؤتمر الاستثمار الثقافي الذي استضافه مركز الملك فهد الثقافي في الرياض، بحضور نخبة من المستثمرين ورواد الأعمال وصناع القرار في القطاع الإبداعي. ويعد هذا الصندوق الأول من نوعه في المنطقة من حيث حجمه وتركيزه الحصري على تمويل صناعة الأزياء ودعم المواهب السعودية الصاعدة في هذا المجال.
ويهدف الصندوق إلى تمكين الشركات الناشئة والعلامات المحلية من الوصول إلى التمويل اللازم للتوسع داخل المملكة وخارجها، عبر توفير رأس المال الاستثماري، وتقديم الاستشارات المالية والإدارية، وفتح قنوات شراكة مع الأسواق العالمية.
وبحسب بيان “ميرك كابيتال”، فإن الصندوق سيركز على الشركات في مرحلة النمو، وتلك التي تمتلك فرصًا واعدة للانتشار العالمي، مع التركيز على الابتكار والاستدامة كركيزتين أساسيتين في اختيار المشاريع المستفيدة.
تمكين الشركات الناشئة من الفكرة إلى العالمية
قطاع الأزياء في السعودية لم يعد مجرد نشاط تجاري، بل أصبح صناعة متكاملة تجمع بين الفن والاقتصاد والتقنية. ولهذا، سيعمل الصندوق الجديد على دعم الشركات في مختلف مراحل التطور، بدءًا من تصميم الأزياء والإكسسوارات، مرورًا بتصنيعها وتوزيعها، وصولًا إلى منصات التجارة الإلكترونية التي باتت تمثل ركيزة رئيسية في سوق الموضة الحديثة.
هذا الدعم لا يقتصر على التمويل المالي فقط، بل يشمل أيضًا بناء القدرات، وتطوير الكفاءات السعودية في مجالات الإدارة والتسويق والتصميم الرقمي، بما يضمن استدامة النمو ورفع جودة المنتجات المحلية لتتنافس في الأسواق العالمية.
ازدهار قطاع الموضة السعودي
تشهد صناعة الأزياء السعودية طفرة واضحة خلال السنوات الأخيرة، بفضل الدعم الرسمي المتزايد من وزارة الثقافة وهيئة الأزياء السعودية، إضافة إلى الحراك الإبداعي الذي تقوده المواهب المحلية الشابة.
ووفقًا لتقرير نشرته مجلة Vogue Business استنادًا إلى بيانات هيئة الأزياء، من المتوقع أن يسهم قطاع الموضة بنسبة 2.6% من الناتج المحلي الإجمالي للمملكة بحلول عام 2025، أي ما يعادل عشرات المليارات من الريالات سنويًا. كما يُتوقع أن يوفر نحو 340 ألف فرصة عمل مباشرة وغير مباشرة في مختلف التخصصات، من التصميم والإنتاج إلى التسويق والبيع بالتجزئة.
هذه الأرقام تؤكد أن صناعة الأزياء لم تعد نشاطًا هامشيًا، بل أصبحت ركيزة اقتصادية وثقافية مهمة في مسار التنمية الوطنية، تسهم في خلق وظائف نوعية للشباب، وتفتح آفاقًا جديدة للمرأة السعودية التي باتت تلعب دورًا محوريًا في هذا القطاع.
سوق الأزياء في أرقام
تُعد المملكة اليوم أكبر سوق للأزياء في الشرق الأوسط، إذ بلغت قيمة سوق الأزياء المحلي 32 مليار دولار عام 2024، مع توقعات بارتفاعها إلى 40 مليار دولار بحلول عام 2029.
ويُعزى هذا النمو إلى زيادة القوة الشرائية، وتطور البنية التحتية الرقمية التي ساهمت في توسع التجارة الإلكترونية، إلى جانب الدعم الحكومي لتوطين الصناعات الإبداعية. كما ساعدت الفعاليات الكبرى مثل أسبوع الموضة في الرياض، والمعارض العالمية للأزياء والمجوهرات، في تعزيز صورة المملكة كمنصة رائدة للمبدعين والمصممين.
بوراك شاكماك: “السماء هي الحد”
في تصريحات سابقة لموقع AGBI، قال بوراك شاكماك، الرئيس التنفيذي لهيئة الأزياء السعودية، إن ما يحدث اليوم في قطاع الموضة بالمملكة هو تحول جذري غير مسبوق، مضيفًا:
“لا شك عندي بأنّ السماء هي الحد. هناك مصممون سعوديون تُعرض أعمالهم في متجر هارودز في لندن، ويصممون أزياء لنجوم عالميين، ويتركون بصمتهم على الساحة الدولية.”
وأشار شاكماك إلى أن السعودية أصبحت اليوم جزءًا أساسيًا من المشهد العالمي للأزياء، وأن ما تحقق خلال فترة قصيرة هو ثمرة استثمار حقيقي في الإنسان المبدع، وفي بنية تحتية حديثة تتيح له المنافسة عالميًا.
دور الصندوق في دعم رؤية 2030
إطلاق صندوق الأزياء الجديد يأتي متناغمًا مع رؤية السعودية 2030، التي تهدف إلى بناء اقتصاد متنوع قائم على المعرفة والإبداع.
قطاع الأزياء يمثل نموذجًا واضحًا لذلك التحول، فهو يجمع بين الفن والتجارة والتكنولوجيا، ويعكس صورة المملكة الجديدة المنفتحة على العالم بثقافتها ومواهبها.
وسيسهم الصندوق في تحقيق أهداف عدة من الرؤية، من بينها:
- تمكين الشباب والمبدعين السعوديين من تحويل أفكارهم إلى مشاريع تجارية مستدامة.
- تحفيز الاستثمار الأجنبي والمحلي في الصناعات الإبداعية.
- رفع مساهمة القطاع الثقافي في الناتج المحلي الإجمالي.
- تعزيز مكانة المملكة كمركز إقليمي للأزياء والتصميم.
أسبوع الموضة في الرياض 2025: منصة عالمية
يأتي الإعلان عن الصندوق قبل أيام قليلة من انطلاق أسبوع الموضة في الرياض، المقرر في 16 أكتوبر/تشرين الأول 2025، والذي يُعد أحد أبرز الأحداث المنتظرة على الساحة الإقليمية.
من المتوقع أن يشارك في الأسبوع عدد كبير من المصممين السعوديين والعالميين، لعرض أحدث مجموعاتهم أمام جمهور من الخبراء والمستثمرين والإعلاميين. كما سيشهد الحدث مشاركة علامات تجارية سعودية ناشئة مدعومة من هيئة الأزياء، في فرصة لإبراز قدرات التصميم والإنتاج المحلي.
إطلاق الصندوق قبل هذا الحدث مباشرة يُعتبر خطوة استراتيجية، تهدف إلى ربط التمويل بالإبداع، وتحويل الأفكار التي ستُعرض على منصات الموضة إلى مشاريع قابلة للنمو والاستثمار الحقيقي.
دعم الابتكار والاستدامة
من أبرز ملامح الصندوق الجديد تركيزه على الاستدامة والابتكار في صناعة الموضة. فالعالم اليوم يتجه نحو صناعة أزياء مسؤولة بيئيًا واجتماعيًا، والمملكة تسعى لتكون جزءًا من هذا التحول عبر تشجيع المواد الصديقة للبيئة، وتقنيات إعادة التدوير، والتصاميم التي تراعي معايير الاستدامة.
كما ستُمنح الأولوية في التمويل للمشاريع التي تستخدم التقنيات الرقمية مثل الطباعة ثلاثية الأبعاد، والذكاء الاصطناعي في تصميم الأزياء، وتلك التي تدمج بين الحرف اليدوية السعودية التقليدية والرؤى العصرية.
تحفيز النساء والمبدعين الشباب
اللافت في قطاع الموضة السعودي أن نسبة كبيرة من العاملين فيه هم من النساء، إذ يشكلن نسبة تفوق 60% من المصممين ورواد الأعمال في المجال.
الصندوق الجديد سيمنح فرصًا واسعة لهؤلاء المصممات، من خلال برامج تمويل وتدريب واستشارات تهدف إلى تحويل مشاريعهن الصغيرة إلى علامات تجارية قادرة على المنافسة عالميًا.
كذلك، سيُخصّص جزء من الصندوق لدعم المشاريع الطلابية والأكاديمية في تخصصات تصميم الأزياء، وتشجيع الجامعات السعودية على تطوير برامج تعليمية متقدمة في هذا المجال.
مستقبل صناعة الأزياء في السعودية
تشير المؤشرات إلى أن السنوات القادمة ستكون حافلة بالإنجازات في قطاع الأزياء السعودي. فمع توفر التمويل، والبنية التحتية الحديثة، والدعم الحكومي الكبير، بات الطريق ممهّدًا لولادة جيل جديد من المصممين السعوديين العالميين.
العلامات التجارية المحلية بدأت بالفعل في الوصول إلى الأسواق الخارجية، من خلال المشاركة في أسابيع الموضة في باريس ولندن وميلانو، وعرض منتجاتها في متاجر عالمية مثل هارودز وغاليري لافاييت. ومع إطلاق الصندوق الجديد، سيزداد هذا الحضور قوة واستدامة.
ختام
إطلاق صندوق استثمار صناعة الأزياء السعودي يمثل خطوة استراتيجية فارقة في مسيرة تطوير القطاع الثقافي والإبداعي بالمملكة. فهو ليس مجرد تمويل مالي، بل رؤية متكاملة لبناء اقتصاد إبداعي مستدام، يضع السعودية في قلب المشهد العالمي للموضة.
وبينما يستعد العالم لمتابعة أسبوع الموضة في الرياض بعد أيام، يبدو واضحًا أن المملكة تخطو بثقة نحو هدفها بأن تكون عاصمة الأناقة والابتكار في الشرق الأوسط، ومركزًا عالميًا يحتضن الموهبة والطموح والحداثة في أبهى صورها.