الإمارات – السابعة الإخبارية
في حدث غير مسبوق بتاريخ الأسواق العالمية، تجاوز سعر الذهب 3900 دولار للأوقية للمرة الأولى، مدفوعاً بمزيج من التوترات السياسية والاقتصادية في الولايات المتحدة، وتزايد التوقعات بتوجهات نقدية أكثر مرونة من قبل الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي.
وبحسب بيانات التداول الصادرة اليوم الإثنين، ارتفع الدهب في المعاملات الفورية بنسبة 0.4% ليصل إلى 3900.40 دولار للأوقية، في حين سجل أعلى مستوى تاريخي له عند 3919.59 دولار خلال وقت سابق من الجلسة. كما صعدت العقود الآجلة الأمريكية للذهب تسليم ديسمبر (كانون الأول) بنسبة 0.5% لتبلغ 3926.80 دولار.
هذا الارتفاع التاريخي يأتي في وقت يشهد فيه الاقتصاد الأمريكي حالة من القلق المتصاعد نتيجة الإغلاق الجزئي للحكومة الفيدرالية، إلى جانب توقعات متزايدة بأن يتخذ البنك المركزي الأمريكي قرارات جريئة لخفض أسعار الفائدة خلال الأشهر المقبلة.

الذهب.. ملاذ آمن وسط الأزمات
لطالما ارتبط الدهب بصفته ملاذاً آمناً للمستثمرين في أوقات الاضطراب المالي والسياسي، وهو ما يفسر الاندفاع غير المسبوق نحوه في الفترة الأخيرة.
تشير تحليلات الخبراء إلى أن الإغلاق الحكومي في الولايات المتحدة، والذي يُنذر بتأثيرات سلبية على قطاعات متعددة من الاقتصاد، يُعد عاملاً أساسياً في تعزيز الطلب على الذهب. حيث أعلن مسؤول رفيع في البيت الأبيض أن إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قد تضطر إلى تسريح جماعي للموظفين الحكوميين إذا لم تسفر المفاوضات مع الديمقراطيين في الكونغرس عن نتائج ملموسة لإنهاء الأزمة.
ويؤدي هذا النوع من عدم الاستقرار السياسي إلى زعزعة ثقة الأسواق، ما يدفع المستثمرين إلى البحث عن أصول تحفظ القيمة مثل الذهب.
الفيدرالي الأمريكي تحت الضغط
من الجانب الاقتصادي، تتزايد الضغوط على الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي لاتخاذ قرارات إضافية بخفض أسعار الفائدة، وهو ما يعزز من جاذبية الدهب كأصل لا يدر عائداً ولكنه يحتفظ بقيمته في بيئة أسعار الفائدة المنخفضة.
وكان العضو في مجلس الاحتياطي الاتحادي ستيفن ميران قد صرّح يوم الجمعة أن السياسات الاقتصادية المتبعة في ظل إدارة ترامب تتطلب اتباع مسار أكثر حدة في خفض الفائدة، مشيراً إلى ضرورة دعم الأسواق في ظل التحديات القائمة.
ووفقاً لأداة “فيد ووتش” التابعة لمجموعة CME، فإن الأسواق تتوقع خفضاً إضافياً بمقدار 25 نقطة أساس خلال كل من شهري أكتوبر وديسمبر، مع احتمالات تبلغ 95% و83% على التوالي.
ويُنظر إلى هذه التخفيضات على أنها محفزة لارتفاع أسعار الذهب، لكونها تُضعف الدولار وتعزز الطلب على الأصول البديلة.
عوامل دعم متعددة تدفع الذهب لأعلى
الصعود القياسي للذهب لا يعتمد فقط على التطورات الأمريكية، بل يأتي ضمن مسار تصاعدي مستمر منذ عام 2024، حيث ارتفع المعدن النفيس بنسبة 27% في ذلك العام، قبل أن يُحقق قفزة إضافية بنسبة 49% حتى الآن في 2025.
ويعزى هذا الأداء القوي إلى عدة عوامل متداخلة، أبرزها:
شراء البنوك المركزية لكميات ضخمة من الدهب، ضمن استراتيجيات تحوط من تقلبات العملات العالمية.
ارتفاع الطلب على صناديق المؤشرات المدعومة بالذهب (ETFs)، خصوصاً من قبل المستثمرين الأفراد والمؤسسات الكبرى.
تراجع قيمة الدولار الأمريكي، مما يزيد من جاذبية الذهب للمستثمرين غير الأمريكيين.
التوترات الجيوسياسية والتجارية، التي تدفع المستثمرين إلى تقليل تعرضهم للأصول الخطرة.
وتؤكد هذه العوامل أن الإقبال على الذهب ليس مجرد رد فعل لحظي، بل جزء من تحول استراتيجي أوسع نحو الأمان والتحوط.
الذهب في ميزان المستثمرين
مع استمرار حالة عدم اليقين على الساحة الأمريكية، وتنامي التوقعات بخفض إضافي للفائدة، يرى بعض المحللين أن الذهب قد يواصل ارتفاعه، وربما يتجاوز حاجز 4000 دولار للأوقية خلال الربع الأخير من 2025، إذا ما استمرت الأزمات السياسية والاقتصادية بالتصاعد.
غير أن آخرين يحذرون من تزايد التقلبات السعرية مع اقتراب الدهب من مستويات تاريخية، خصوصاً إذا ما بدأت الأسواق بتسعير أي تحسن محتمل في الوضع السياسي أو قرارات مفاجئة من الفيدرالي.
الذهب في ميزان المستثمرين
في ظل هذا المشهد، يجد المستثمرون أنفسهم أمام خيار جذاب لكنه يحمل قدرًا من المخاطرة. فبينما يوفر الذهب تحوطًا قويًا ضد التضخم والتقلبات، إلا أن الارتفاعات القياسية قد تكون عرضة لتصحيحات مفاجئة إذا ما تبددت المخاوف التي تغذي الطلب عليه.
وبينما يواصل الذهب كتابة فصول جديدة في تاريخه السعري، يبقى السؤال الأهم: هل نشهد بداية عهد جديد للمعدن الأصفر كأصل استثماري رئيسي في العالم؟ أم أن موجة الصعود ستتوقف عند أول بادرة استقرار اقتصادي؟