تركيا – السابعة الإخبارية
شهد الوسط الفني التركي خلال الأيام الماضية زلزالاً إعلامياً واسعاً، بعد أن أعلنت النيابة العامة في إسطنبول فتح تحقيق موسعفي قضية تتعلق بتعاطي مواد مخدّرة، شملت عدداً من أبرز نجوم الدراما والغناء في تركيا، في واقعة غير مسبوقة هزّت الرأي العام وأعادت تسليط الضوء على علاقة بعض الأوساط الفنية بمظاهر الرفاهية والانفلات الاجتماعي.
استدعاء 19 فناناً للتحقيق
وباشرت النيابة العامة في إسطنبول، ممثلة بمكتب مكافحة الجرائم المخدّرة والاقتصادية، تحقيقاً واسع النطاق بالتعاون مع قيادة الدرك، تمّ خلاله استدعاء 19 شخصية فنية وإعلامية بارزة للاستماع إلى أقوالهم وأخذ عينات من الدم والشعر بغرض الفحص الطبي.
وضمّت قائمة الأسماء المستدعاة نخبة من الوجوه المعروفة في الساحة الفنية، من بينهم الممثلتان ديميت إفجار وأوزغه أوزبرينتشي، والمغنية الشهيرة حاديسه آجيكغوز، إلى جانب أسماء أخرى مثل إيرم ديريجي، بيراك توزوناتاش، بيرجه أقالاي، متين أكدولغير، كعان يلديريم، كوبيلاي آكا، جيرين موراي، فايزة ألطون، دويغو أوزاصلان، زينيت صالي، ديلان وإنغين بولات، بالإضافة إلى الشقيقتين درين ودرن تالو، وزينب أَرال.
وأكد بيان النيابة العامة أن هذا الإجراء لا يعني توقيف الفنانين أو توجيه اتهامات مباشرة لهم، بل هو استدعاء رسمي في إطار التحقيق وجمع المعلومات. كما أشار البيان إلى أن هناك قراراً قضائياً بفرض السرية على القضية، ما يمنع الكشف عن تفاصيلها إلى حين اكتمال التحريات.
إجراءات دقيقة وسرية
وشهدت ساعات الظهيرة من يوم الاستدعاء نقل الفنانين إلى معهد الطب الشرعي في إسطنبول لإجراء الفحوص الطبية اللازمة، قبل السماح لهم بالمغادرة بعد استكمال الإجراءات الرسمية.
وأوضحت المصادر القضائية أن التحاليل التي أُجريت تشمل اختبارات دقيقة للكشف عن أي آثار لمواد مخدّرة في عينات الدم والشعر، وأن النتائج النهائية ستُحال مباشرة إلى النيابة المختصة لتحديد الموقف القانوني لكل شخص على حدة.
دفاعات قانونية وتصريحات متباينة
وفي أول رد فعل قانوني، قال محامي المغنية إيرم ديريجي إن موكلته “لم تتعاطَ أي مواد ممنوعة في حياتها”، مشدداً على أن ديريجي لم تدخن حتى السجائر منذ أكثر من عام، وأن التحقيق يعدّ إجراءً روتينياً لا أكثر، مضيفاً:
“نثق أن نتائج التحاليل ستؤكد براءتها الكاملة، ونطالب باحترام قرار النيابة بسرية التحقيق وعدم تداول الشائعات التي تضر بسمعتها”.
من جهتها، أوضحت محامية ديلان بولات أن موكليها “لا يعرفان سبب استدعائهما”، مؤكدة أن الملف استند إلى بلاغ مجهول المصدر، وأن الفحوص السابقة التي خضعا لها تثبت “خلوهما من أي مواد محظورة”.
وفي السياق نفسه، صرّح محامي الفنانة زينيت صالي بأن موكلته خارج البلاد وستعود قريباً لتقديم إفادتها، مرجحاً أن “يكون إدراج اسمها في القائمة قد تم سهواً”، مضيفاً:
“موكلتي لم تُدخن سيجارة في حياتها، ومن المؤسف أن تُزج أسماؤهم في تحقيقات لم تتضح حقيقتها بعد”.
دعم فني وتضامن واسع
وشهد مقر الشرطة في إسطنبول تجمّع عدد من أصدقاء الفنانين والمقربين منهم، الذين حضروا لدعمهم معنوياً، ومن بينهم الممثلة هاتيجه أصلان التي زارت صديقتها ديميت إفجار أثناء تواجدها لتقديم إفادتها، مؤكدة أن فريق عمل مسلسلهما المشترك أوقف التصوير مؤقتاً بسبب انشغال عدد من المشاركين في القضية بالإجراءات القانونية.
وعبّر عدد من الفنانين عبر مواقع التواصل الاجتماعي عن تضامنهم مع زملائهم، مؤكدين ضرورة عدم إصدار الأحكام المسبقةوانتظار نتائج التحقيقات الرسمية. فيما رأى آخرون أن القضية، مهما كانت نتائجها، تسلط الضوء على نمط حياة بعض المشاهيروما يرافقه من مسؤوليات اجتماعية تجاه جمهورهم الواسع.
تسريبات وصور تهز الجمهور
ورغم قرار السرية الذي فرضته النيابة العامة، فقد انتشرت عبر الإنترنت صور وفيديوهات مسرّبة تُظهر لحظة دخول بعض الفنانين إلى مركز الشرطة ومعهد الطب الشرعي، وهو ما أثار موجة من الجدل والانتقادات، ودفع الجهات الرسمية إلى التحذير من نشر أي معلومات غير دقيقة قد تُعدّ تدخلاً في سير العدالة.
تحولت القضية في غضون ساعات إلى حدث وطني بارز، بعد أن تناقلتها الصحف التركية والعربية على نطاق واسع، وسط انقسام واضح في الرأي العام بين من يرى أن “التحقيق يجب أن يكون شفافاً وحازماً”، وبين من يعتبر أن “الأمر أخذ أبعاداً إعلامية مبالغاً فيها” مست أحياناً بسمعة الفنانين قبل ظهور الحقائق.
انتظار النتائج… وقلق في الوسط الفني
وبينما لم تُصدر النيابة العامة أي بيان إضافي حتى الآن، ينتظر الجمهور نتائج التحاليل الرسمية التي يُتوقع صدورها خلال الأيام المقبلة، لتحدد ما إذا كانت القضية ستُغلق سريعاً أم ستتحول إلى محاكمة علنية قد تُحدث هزة في الصناعة الفنية التركية.
ويرى محللون أن هذه الأزمة، حتى لو انتهت دون إدانة، قد تترك أثراً طويلاً في صورة الوسط الفني التركي، الذي يواجه في السنوات الأخيرة انتقادات متكررة تتعلق بالترف والابتعاد عن قيم الفن والمسؤولية المجتمعية.
ومهما تكن النتائج، فإن قضية المخدرات الأخيرة تبقى تذكيراً حاداً بمدى هشاشة الصورة العامة للمشاهير أمام الرأي العام، وبأن الشهرة التي تصنع المجد قادرة أيضاً على أن تكشف الضعف حين يقترب الفن من الخطوط الحمراء للقانون والأخلاق.