سان فرانسيسكو – السابعة الإخبارية
ChatGPT.. في خطوة توصف بأنها الأجرأ في تاريخ الذكاء الاصطناعي التفاعلي، كشف نيك تيرلي، رئيس قسم ChatGPT في شركة OpenAI، عن خطة طموحة لتحويل المنصة إلى نظام تشغيل متكامل قائم على تطبيقات الطرف الثالث، بما يشبه أنظمة التشغيل الحديثة مثل Windows وmacOS، لكن بأساس يعتمد كليًا على الذكاء الاصطناعي.
وجاء هذا الإعلان خلال مؤتمر مطوري OpenAI Dev Day 2025 الذي استضافته مدينة سان فرانسيسكو، حيث أوضح تيرلي أن الرؤية المستقبلية للشركة تتمثل في أن يصبح ChatGPT «البيئة المركزية التي يعيش فيها المستخدم رقميًا»، قائلاً:“نريد أن يكون ChatGPT المكان الذي يمكنك فيه الكتابة، والبرمجة، والتسوق، والتفاعل مع الخدمات—all in one place”.
من روبوت محادثة إلى نظام تشغيل
وأضاف تيرلي أن OpenAI تستلهم رؤيتها من التحول الذي شهدته متصفحات الإنترنت خلال العقد الأخير، حين تحولت من أدوات تصفح بسيطة إلى منصات رئيسية للأعمال والإنتاجية بفضل التطبيقات السحابية.
لكن ChatGPT، وفق تيرلي، يسير في اتجاه أكثر تطورًا، إذ سيجمع بين الذكاء الاصطناعي والتكامل البرمجي لتقديم تجربة تشغيل ذكية ذات طابع شخصي تفاعلي بالكامل.
ويأتي هذا التوجه في إطار سعي الشركة لتطوير متصفح إنترنت خاص بها، بالتوازي مع التعاون المستمر مع مصمم آبل الشهير جوني آيف وفريق من خبراء التصميم السابقين في الشركة الأمريكية، لتصميم أجهزة ذكية جديدة تمثل «الامتداد المادي لتجربة ChatGPT».
مشروع التطبيقات المدمجة
ويُعد هذا المشروع امتدادًا طبيعيًا لمحاولات OpenAI السابقة في هذا المجال، مثل إطلاق متجر GPT Store وميزة الملحقات (Plugins) عام 2023، إلا أن الشركة ترى الآن أن دمج التطبيقات مباشرة داخل ChatGPT سيكون أكثر فاعلية ومرونة.
وأوضح تيرلي أن الهدف هو تحويل ChatGPT إلى منصة رقمية شاملة، يمكن للمستخدم من خلالها أداء جميع المهام اليومية دون مغادرة التطبيق، بما في ذلك التسوق الإلكتروني، وحجز الرحلات، وطلب الطعام، وتنفيذ العمليات البنكية، بل وحتى تشغيل البرمجيات الإنتاجية مثل أدوات التصميم أو تحرير الفيديو.
وأشار إلى أن المنصة ستتيح لشركات مثل Expedia وUber وDoorDash تطوير تطبيقاتها الخاصة داخل ChatGPT، بحيث يتمكن المستخدم من تنفيذ عملية شراء أو حجز كاملة دون الحاجة إلى مغادرة المحادثة، في حين ستستفيد OpenAI من نسبة من العائدات التجارية الناتجة عن تلك العمليات.
800 مليون مستخدم أسبوعيًا
وتشير التقديرات إلى أن شات يمتلك حاليًا أكثر من 800 مليون مستخدم نشط أسبوعيًا، وهو ما يجعلها إحدى أكثر المنصات الرقمية تأثيرًا في العالم.
وترى OpenAI أن هذا الحجم من التفاعل يتيح فرصًا ضخمة للشركات والمطورين لبناء تطبيقات ذكية تصل مباشرة إلى المستخدمين عبر واجهة واحدة مبسطة وآمنة.
وأكد تيرلي أن هذه المرحلة تمثل أيضًا أقوى عرض للمطورين منذ تأسيس الشركة، إذ ستسمح لهم ببناء تجارب تفاعلية متكاملةداخل شات، تتجاوز فكرة “الروبوتات الحوارية” لتصبح تطبيقات تقدم حلولًا واقعية في مجالات التعليم، والترفيه، والعمل، والسفر، والاتصال.

تحديات الخصوصية والعدالة
لكن التوسع الطموح في عالم التطبيقات المصغرة داخل ChatGPT لا يخلو من التحديات. فقد أشار تيرلي إلى أن الشركة تدرس بعناية آليات عرض التطبيقات داخل الواجهة، بما يضمن العدالة بين المطورين وحماية تجربة المستخدم، موضحًا أن فكرة السماح للشركات بدفع رسوم مقابل تمييز تطبيقاتها قيد الدراسة، لكنها لن تُنفذ إلا ضمن معايير شفافة وواضحة.
أما على صعيد الخصوصية وحماية البيانات، فأكد تيرلي أن OpenAI ستُقيّد بشدة كمية المعلومات التي يمكن لأي تطبيق الوصول إليها، مشيرًا إلى تطوير ميزة جديدة تُعرف باسم “الذاكرة المقسّمة” (Partitioned Memory)، تتيح للمستخدمين تحديد نوع البيانات التي يمكن لكل تطبيق الوصول إليها، مثل فصل المحادثات الصحية عن الشخصية أو المهنية.
ChatGPT كمنصة إنسانية
وفي ختام كلمته، شدد تيرلي على أن ChatGPT لا يُعد منتجًا تجاريًا بحتًا، بل هو أداة لتحقيق مهمة OpenAI الأساسية المتمثلة في نشر الذكاء الاصطناعي العام (AGI) لخدمة البشرية، قائلاً:
“شات جي بي تي هو وسيلتنا لتوصيل رؤيتنا إلى العالم. نحن لا نبيع برنامجًا، بل نمنح الناس طريقة جديدة للتفكير والعمل والتعلّم.”
وأشار إلى أن ملايين المستخدمين حول العالم يستخدمون شات بطرق إنسانية مؤثرة: من كبار السن الذين يتعلمون البرمجة في عمر الـ89، إلى الأطفال المصابين بالتوحّد الذين يستخدمونه لتحسين مهارات التواصل، والطلاب الذين يتعلمون لغات جديدة بطرق تفاعلية ذاتية.
بداية عصر جديد
واختتم تيرلي حديثه قائلًا:“بعد سنوات سننظر إلى النسخة الحالية من شات كما ننظر اليوم إلى واجهة الأوامر القديمة في أنظمة التشغيل. ما نقوم ببنائه هو الجيل التالي من الحوسبة البشرية.”
وبينما يتابع العالم باهتمام تطورات هذا المشروع، يرى خبراء التقنية أن OpenAI تخطو بثقة نحو تأسيس أول نظام تشغيل معرفي في التاريخ — بيئة رقمية تتفاعل مع الإنسان، وتتعلم منه، وتُعيد صياغة الطريقة التي نعيش ونعمل ونتواصل بها في العصر الرقمي المقبل.