أمريكا – السابعة الاخبارية
ديان كيتون، في 11 أكتوبر 2025، خيّم الحزن على عالم الفن والسينما، بعدما أُعلن رسميًا عن وفاة النجمة الأمريكية ديان كيتون عن عمر ناهز 79 عاماً، في ولاية كاليفورنيا، بحضور عائلتها ومقرّبيها.
الخبر الذي نقله متحدث باسم العائلة عبر مجلة People جاء مفاجئًا، إذ لم تسبق الوفاة أي تقارير عن معاناة صحية أو أزمة طارئة، وهو ما جعل رحيلها صدمة لجمهورها ومحبيها من مختلف الأجيال.
برحيل ديان كيتون، تطوي هوليوود صفحة من صفحاتها الذهبية، إذ كانت واحدة من أكثر الممثلات تفرّداً وتأثيراً في تاريخ السينما الأمريكية.
ديان كيتون: وجه لا يُنسى وصوت لا يُشبه أحداً
تميّزت ديان كيتون بكونها ليست فقط نجمة أفلام ناجحة، بل رمزاً ثقافياً واجتماعياً غيّر صورة المرأة على الشاشة. حضورها القوي، أسلوبها المختلف، شخصيتها المستقلة، وملامحها التي جمعت بين القوة والنعومة، جعلوها أيقونة فنية خارجة عن النمط.
في زمن كانت فيه أدوار النساء محصورة في قوالب تقليدية، جاءت كيتون لتكسر تلك الصورة، مجسّدةً شخصيات نسائية ذكية، معقّدة، غير مثالية، لكنها حقيقية للغاية.
بطلة Annie Hall… حين فازت الأنوثة بالبساطة
أحد أبرز محطات كيتون كان فيلمها الشهير Annie Hall عام 1977، الذي نالت عنه جائزة الأوسكار لأفضل ممثلة.
الفيلم، الذي أخرجه وودي آلن، لم يكن مجرد قصة حب عادية، بل ثورة سينمائية غيّرت شكل الكوميديا الرومانسية إلى الأبد.
قدّمت ديان كيتون دور “آني”، الفتاة العفوية والمثقفة التي لا تخاف من الظهور على طبيعتها، بشخصية تجمع التهكّم والبراءة، القوة والهشاشة. وكان أسلوبها في ارتداء القبعات وربطات العنق والسترات الرجالية محط إعجاب وتقليد عالمي، حيث دخل اسمها عالم الموضة من أوسع أبوابه.
من شوارع برودواي إلى عرش الأوسكار
ولدت ديان كيتون في 5 يناير 1946 بمدينة لوس أنجلوس، لكنها انتقلت لاحقاً إلى نيويورك في نهاية الستينيات، مدفوعة بشغفها للتمثيل.
بدأت رحلتها الفنية من مسرح برودواي، حيث شاركت كممثلة بديلة في المسرحية الشهيرة Hair. هذه التجربة المسرحية فتحت لها الباب لدخول عالم السينما، فشاركت عام 1970 في أول أفلامها Lovers and Other Strangers، ومن هناك بدأت تتشكّل ملامح أسطورة سينمائية قادمة.
دور العمر في The Godfather
رغم أن دورها في سلسلة The Godfather لم يكن الدور الرئيسي، إلا أن شخصية “كي آدامز” التي قدّمتها في الثلاثية الأسطورية كانت محورية.
في أفلام فرانيس فورد كوبولا، كانت كيتون تمثّل صوت العقل في عالم غارق في العنف والسلطة. أداؤها كان صامتًا في أحيان كثيرة، لكنه عميق ومشحون بالانفعالات، حيث نقلت ببراعة معاناة امرأة تعيش بين الحب والقلق، بين الولاء والخوف.
رُشحت للأوسكار ثلاث مرات إضافية… والموهبة لا تعرف التكرار
بعد فوزها بالأوسكار عن Annie Hall، لم تتوقف ديان كيتون عن تقديم أدوار استثنائية. فقد رُشحت ثلاث مرات أخرى لجائزة الأوسكار عن أدوارها في:
- Reds (1981)
- Marvin’s Room (1996)
- Something’s Gotta Give (2003)
كل عمل من هذه الأعمال كشف وجهًا مختلفًا من وجوه موهبتها، إذ تنوّعت أدوارها بين الرومانسية، الدراما، الكوميديا وحتى الحزن العميق، دون أن تفقد بريقها أو تتكرر.
سيدة تكره القيود: ديان في حياتها الشخصية
عُرفت ديان كيتون بشخصيتها المستقلة وغير التقليدية. لم تتزوج طوال حياتها، رغم ارتباط اسمها في فترات مختلفة مع نجوم كبار مثل وودي آلن، آل باتشينو، ووارن بيتي.
لكنها رفضت أن تُعرّف من خلال رجل أو علاقة، وقالت في أحد حواراتها:
“لم أكن يوماً ضد الزواج، لكنني كنت دوماً مع الحرية.”
تبنّت كيتون طفلين، واعتبرت الأمومة في وقت متأخر من حياتها أجمل قرار اتخذته، مؤكدة أن العائلة ليست دائماً ما نرثه، بل ما نختاره ونبنيه.
أدوار خالدة مع وودي آلن… والسينما كمنصة فلسفية
شكّلت كيتون مع المخرج وودي آلن ثنائياً فنياً مميزاً، تعاونا في أفلام مثل:
- Manhattan
- Radio Days
- Play It Again, Sam
في هذه الأعمال، كانت شخصياتها تعكس عصر السبعينات والثمانينات: امرأة مثقفة، تبحث عن المعنى، تتساءل، تحب وتخسر، لكنها تبقى دائمًا مثيرة للاهتمام.
هذا النوع من الأدوار جعل من كيتون وجهًا سينمائيًا للفكر والفن معًا، وليس فقط الجمال أو النجومية.
الوداع الأخير… ومكانة خالدة في ذاكرة الفن
رحلت ديان كيتون دون ضجيج، كما عاشت جزءاً من حياتها بعيداً عن الإعلام. لم تُكشف تفاصيل الوفاة بعد، لكن مؤكد أن خسارتها ليست عابرة.
إنها خسارة لفنٍ نقي، لممثلة كانت تعرف كيف تمسك بالحقيقة من خلال العدسة، وتقدّمها ببساطة دون تكلّف.
عشرات الرسائل نُشرت فور إعلان خبر وفاتها، من نجوم، نقّاد، ومخرجين. أجمع الجميع على أنها تركت فراغاً لا يمكن ملؤه، وإرثًا سيظل يتعلّمه طلاب التمثيل لأجيال قادمة.
ديان كيتون… المتمردة التي أحببناها على طبيعتها
كثيرون قالوا إن ديان كيتون لم تكن فقط ممثلة، بل نمط حياة. فبأسلوبها في اللباس، وطريقتها في الكلام، وثقتها بذاتها، كانت مصدر إلهام للنساء اللواتي أردن أن يكنّ أنفسهن دون أقنعة أو مسايرة.
حتى في مشاهد البكاء، كانت صادقة بشكل يجعلنا نصدقها أكثر من أنفسنا.
كيتون كانت، ببساطة، امرأة لم تساوم على حقيقتها، فجعلت من تلك الحقيقة مرآة لنا جميعًا.
خاتمة: وداعاً ديان… شكراً لأنك جعلتِنا نحب الحياة كما هي
قد ترحل الأجساد، لكن الأرواح التي أحبّت الفن بصدق تبقى حيّة في كل لقطة، كل مشهد، وكل سطر حوار لا يُنسى.
ديان كيتون رحلت، نعم، لكن صورتها كنجمة متحرّرة، وفنانة أصيلة، ستظل تضيء شاشاتنا وقلوبنا كلما قررنا مشاهدة فيلم نحتاج فيه إلى شيء من الصدق، والمرح، والجنون الجميل.