أبو ظبي – السابعة الاخبارية
أبو ظبي، في تحول نوعي يعكس الرؤية الطموحة لدولة الإمارات في قيادة مستقبل الرعاية الصحية عالميًا، كشفت دائرة الصحة في أبو ظبي عن إطلاق منصة “ذكاء صحة سكانية“، الأولى من نوعها على مستوى العالم، خلال مشاركتها في فعاليات “جيتكس جلوبال 2025”.
تأتي هذه المبادرة في إطار جهود أبو ظبي لبناء منظومة صحية متكاملة تعتمد على الوقاية والاستباقية بدلًا من التركيز التقليدي على العلاج، مستفيدة من تقنيات الذكاء الاصطناعي وتحليل البيانات الضخمة لتوقّع التحديات الصحية المستقبلية والتعامل معها بفعالية ومرونة.
أبو ظبي تقود نقلة في النموذج الصحي: من العلاج إلى التنبؤ والاستباق
تعتمد منصة “ذكاء صحة سكانية” على نموذج توأم رقمي للبيئة الصحية في الإمارة، يتم إنشاؤه من خلال دمج كميات هائلة من البيانات المستخرجة من مصادر متعددة تشمل:
- السجلات الطبية الإلكترونية
- العوامل البيئية والمناخية
- الأنماط الاجتماعية والاقتصادية
- السلوكيات الصحية اليومية
- المؤشرات الديموغرافية الخاصة بكل فئة عمرية
يُستخدم هذا الكم الهائل من المعلومات لتكوين صورة شاملة وديناميكية حول الحالة الصحية العامة للسكان، مما يمكّن الجهات الصحية من رصد الاتجاهات والتغيرات قبل حدوث الأزمات، وتطوير تدخلات وقائية مخصصة لكل مجتمع.
تصريح الشيخ عبد الله بن محمد آل حامد: نحو مستقبل صحي مستدام
في معرض تعليقه على إطلاق المنصة، قال الشيخ عبد الله بن محمد آل حامد، رئيس دائرة الصحة في أبو ظبي، إن هذه المبادرة “تمثل ثورة في إدارة الأنظمة الصحية، وتؤسس لنموذج عالمي في استخدام التكنولوجيا لحماية صحة المجتمعات وتعزيز جودة الحياة”.
وأكد أن المنصة تأتي استكمالًا لرؤية القيادة الرشيدة في تحويل أبو ظبي إلى مركز عالمي للابتكار الصحي، يدمج أحدث ما توصل إليه العلم في الذكاء الاصطناعي وتحليل البيانات مع الخدمات الصحية اليومية، لصالح الأفراد والمجتمع ككل.
وظائف المنصة: من مراقبة الأمراض إلى التدخل الوقائي
رصد مبكر للأمراض المزمنة
تتميز منصة “ذكاء صحة سكانية” بقدرتها على تحليل المؤشرات الحيوية لمئات الآلاف من السكان في الوقت الفعلي، مما يتيح الكشف المبكر عن أمراض مزمنة مثل:
- السكري
- ارتفاع ضغط الدم
- أمراض القلب والأوعية الدموية
- السرطان
يمكن للمنصة تحديد الأشخاص المعرضين لمخاطر صحية معينة استنادًا إلى نمط حياتهم أو تاريخهم الطبي، ومن ثم اقتراح خطط تدخّل وقائية مخصّصة لكل فرد أو مجموعة سكانية.
مكافحة الأوبئة والاستجابة السريعة
توفر المنصة أيضًا قدرة فريدة على رصد التغيرات المفاجئة في أنماط العدوى أو الأعراض المنتشرة في مناطق معينة، مما يسمح للجهات الصحية بتحديد احتمالات تفشي الأوبئة والتصرف فورًا.
يمكن للمنصة، على سبيل المثال، التنبؤ بانتشار فيروس موسمي معين في حيّ سكني معين، وإصدار تنبيهات استباقية للفرق الطبية والمستشفيات للاستعداد ومعالجة الحالات مبكرًا.
تصريح الدكتور جمال محمد الكعبي: تخصيص الصحة العامة للمجتمعات
أوضح الدكتور جمال محمد الكعبي، وكيل دائرة الصحة في أبو ظبي، أن المنصة “تُعيد تعريف مفهوم الصحة العامة، من خلال القدرة على تخصيص الحلول الصحية لكل منطقة أو فئة عمرية حسب احتياجاتها الخاصة، وليس فقط على المستوى الفردي”.
وأضاف أن النظام “يراعي الخصوصية الصارمة للمعلومات الصحية”، حيث يخضع لأعلى معايير الحوكمة الرقمية وأمن البيانات، ويضمن ألا تُستخدم المعلومات الشخصية إلا في سياق تحسين جودة الخدمات الصحية، دون تعريض خصوصية المستخدمين للخطر.
البنية التحتية الرقمية: قلب المنصة الجديدة
إن نجاح هذه المنصة المتطورة لم يكن ليتم دون الاستثمار الكبير الذي قامت به أبو ظبي في بناء بنية تحتية رقمية قوية وآمنة، تتيح:
- معالجة مليارات نقاط البيانات يوميًا
- دمج قواعد بيانات من مصادر متعددة (القطاع الحكومي والخاص)
- تشغيل نماذج الذكاء الاصطناعي بفعالية عبر منظومات الحوسبة السحابية
- حماية البيانات من الهجمات السيبرانية أو التسريبات
ويعمل في إدارة وتشغيل هذه المنصة فريق متعدد التخصصات يضم خبراء في الصحة العامة، علم البيانات، الذكاء الاصطناعي، وأمن المعلومات.
أهداف استراتيجية أبو ظبي من إطلاق المنصة
1. التحول إلى نموذج الرعاية الوقائية
بدلًا من الانتظار حتى تظهر الأعراض أو تتفاقم الحالات الصحية، تسعى أبو ظبي إلى التحول إلى نظام صحي استباقي يقوم على:
- الكشف المبكر
- الوقاية قبل العلاج
- التعليم الصحي المستمر
- تقليل الحاجة إلى دخول المستشفيات
2. تقليل التكاليف وتحسين النتائج
من خلال التنبؤ بالمشاكل الصحية المحتملة مبكرًا، يمكن:
- خفض الإنفاق العام على الرعاية الصحية
- تقليل عدد الزيارات إلى الطوارئ والمراكز الصحية
- تحسين معدلات الشفاء وجودة الحياة
- تسريع اتخاذ القرارات الطبية بناءً على البيانات
3. تعزيز مكانة أبو ظبي كمركز عالمي للابتكار
المنصة الجديدة تُعدّ خطوة كبيرة نحو ترسيخ ريادة أبو ظبي في القطاع الصحي عالميًا، ما يفتح المجال أمام:
- شراكات دولية مع مراكز أبحاث وشركات تقنية
- جذب الاستثمارات في الصحة الرقمية
- تدريب كوادر طبية على استخدام الذكاء الاصطناعي
- بناء نظام رعاية صحية مستقبلي قائم على المعرفة
الشراكات العالمية ودور القطاع الخاص
تتعاون دائرة الصحة في أبو ظبي مع عدد من الجهات الدولية الرائدة في مجالات التكنولوجيا الحيوية والذكاء الاصطناعي لتطوير قدرات منصة “ذكاء صحة سكانية”.
تشمل هذه الشراكات:
- شركات برمجيات صحية
- مزودي خدمات الحوسبة السحابية
- جامعات ومراكز بحثية
- شركات تأمين صحي وخدمات لوجستية طبية
كما تفتح المنصة الباب أمام القطاع الخاص للمشاركة في تطوير حلول مبتكرة تعتمد على البيانات لتحسين نتائج الصحة العامة.
تحديات مستقبلية وفرص قادمة
رغم الإمكانيات الهائلة التي توفرها منصة “ذكاء صحة سكانية”، إلا أن هناك بعض التحديات التي تتطلب مواصلة العمل، مثل:
- رفع وعي المجتمع بأهمية مشاركة البيانات الصحية بأمان
- تدريب الكوادر الطبية على تفسير وتحليل نتائج الذكاء الاصطناعي
- تطوير التشريعات اللازمة لمواكبة هذا التحول الرقمي
- ضمان العدالة في الوصول إلى التقنيات الحديثة في المناطق كافة
لكن في المقابل، توفر هذه المبادرة فرصًا واعدة في:
- إنشاء مجتمعات صحية ذكية
- تقديم خدمات صحية مخصصة لكل فرد
- تعزيز مشاركة الأفراد في اتخاذ قراراتهم الصحية
- استخدام الذكاء الاصطناعي كأداة تمكين بدلًا من كونه بديلًا للإنسان
في الختام: أبو ظبي ترسم مستقبل الصحة الرقمية
من خلال منصة “ذكاء صحة سكانية”، تضع أبو ظبي معيارًا عالميًا جديدًا في كيفية إدارة صحة المجتمعات باستخدام الذكاء الاصطناعي والبيانات. فهذه الخطوة ليست مجرد تطور تقني، بل هي تحول فلسفي في كيفية فهم الصحة العامة والتعامل معها.
وبينما تتقدم الإمارة بخطى ثابتة نحو نموذج صحي استباقي وشامل، فإنها تؤكد للعالم أن مستقبل الرعاية الصحية يبدأ من اليوم، ومن أرض الإمارات.