فرنسا – السابعة الإخبارية
في حادثة صادمة هزّت الأوساط الثقافية والفنية في فرنسا والعالم، أعلن متحف اللوفر في العاصمة الفرنسية باريس صباح الأحد 19 أكتوبر 2025، عن إغلاق أبوابه أمام الزوّار، في أعقاب عملية سرقة كبيرة استهدفت مجموعة من المجوهرات الملكية النادرة المعروضة في أحد أجنحته التاريخية.
وأعلنت وزيرة الثقافة الفرنسية رشيدة داتي، عبر حسابها على منصة “إكس” (تويتر سابقاً)، أنها كانت في موقع الحادث فور وقوعه، برفقة فرق التحقيقات الجنائية التابعة للشرطة الفرنسية، التي بدأت عمليات البحث والتحقيق بشكل فوري، وسط حالة من الذهول والقلق في الأوساط الأمنية والثقافية.

تسلل ليلي وأسلوب احترافي
بحسب تقارير إعلامية فرنسية، فإن عملية السرقة جرت في ساعات الفجر الأولى، حيث استغل الجناة وجود أعمال صيانة في الجهة المطلة على نهر السين، وتسللوا إلى داخل المبنى من هناك، مستخدمين مصعد شحن للوصول مباشرة إلى غاليري أبولون، أحد الأجنحة الأكثر شهرة في المتحف، والمعروف باحتوائه على جواهر التاج الفرنسي.
وقام اللصوص بتكسير نوافذ الغرفة المستهدفة بطريقة احترافية، وتمكنوا من الاستيلاء على تسع قطع نادرة، شملت قلادات مرصعة بالأحجار الكريمة، ودبابيس ذهبية، وتيجان تعود للعائلة الإمبراطورية الفرنسية، وتحديداً عصر نابليون بونابرت وزوجته جوزفين.
قطع تاريخية لا تقدّر بثمن
أشارت المصادر إلى أن المسروقات تتضمن قطعاً ذات قيمة فنية وتاريخية لا تُقدر بثمن، من بينها مجوهرات كانت جزءاً من مراسم تتويج نابليون وجوزفين عام 1804، إلى جانب مقتنيات أخرى استُعيرت من التاج البريطاني لمعرض مؤقت كان يقام داخل المتحف. كما ذكرت التقارير أن بعض القطع سبق أن نُهبت خلال الثورة الفرنسية وتمت استعادتها لاحقًا لتكون جزءاً من المجموعة الإمبراطورية المحفوظة في اللوفر.
متحف اللوفر لم يُفصح رسميًا عن طبيعة القطع المسروقة أو قيمتها التقديرية، مكتفيًا بوصف الإغلاق بـأنه جاء “لأسباب استثنائية”، إلا أن مصادر مطلعة داخل المتحف أكدت أن ما حدث “يُعد من أخطر عمليات السرقة التي تعرض لها المتحف في تاريخه الحديث”.
الوزيرة: التحقيقات متواصلة
من جهتها، أكدت وزيرة الثقافة رشيدة داتي أن السلطات تعمل بأقصى سرعة لتحديد هوية الجناة، بالتعاون مع موظفي المتحف وخبراء الأمن. وقالت في تصريحات صحفية إن “الحادث لم يسفر عن أي إصابات بين الزوار أو العاملين، لكن حجم الخسارة الثقافية كبير، وسنستمر في التحقيق حتى نعيد هذه القطع إلى مكانها الطبيعي”.
وأشارت إلى أن الحكومة الفرنسية تنظر ببالغ الجدية إلى هذا النوع من الجرائم، “لأنها لا تستهدف فقط الممتلكات، بل تمس هوية وثقافة وتاريخ أمة بأكملها”، مؤكدة أن المتحف سيُعاد فتحه فور تأمين الموقع وإنهاء أعمال التحقيق الجنائي.

تكرار تاريخي: سرقات تهز باريس
عملية السرقة هذه ليست الأولى في تاريخ متحف اللوفر، حيث سبق وأن تعرض لواحدة من أشهر السرقات في القرن العشرين، حين اختفت لوحة “الموناليزا” الشهيرة للرسام ليوناردو دافنشي في عام 1911، قبل أن يتم استعادتها بعد عامين من البحث المكثف.
وفي السنوات الأخيرة، شهدت باريس موجة من الجرائم المنظمة التي استهدفت معارض فنية ومتاحف ومحال للمجوهرات الفاخرة، الأمر الذي يطرح علامات استفهام حول كفاءة المنظومة الأمنية في حماية التراث الوطني، خاصة في ظل وجود شبكات دولية لتهريب الآثار والفنون.
متحف اللوفر: كنز عالمي
يُعد متحف اللوفر من أهم المتاحف في العالم، حيث يستقطب ما يصل إلى 30 ألف زائر يوميًا من جميع أنحاء العالم، ويضم أكثر من 33 ألف قطعة أثرية وفنية تمتد من حضارات العالم القديم (ميزوبوتاميا، مصر، اليونان) إلى الفن الأوروبي الكلاسيكي. من أبرز معروضاته لوحة الموناليزا، تمثال فينوس دي ميلو، وتمثال النصر المجنح لسموثراس.
أما غاليري أبولون، الذي شهد السرقة، فهو جناح فاخر يتميز بسقفه المزخرف وأرضياته الرخامية، ويعرض مجموعة مختارة من جواهر التاج الفرنسي، بعضها نادر للغاية ولم يُعرض إلا مرات محدودة، مما يزيد من حساسية فقدان تلك القطع.
القلق يمتد دوليًا
تداعيات الحادث تجاوزت حدود فرنسا، حيث عبّر عدد من المتاحف الكبرى حول العالم عن قلقهم من الحادث، مطالبين بتشديد الإجراءات الأمنية، خصوصًا عند تنظيم المعارض المؤقتة أو استعارة القطع الأثرية. كما تساءل خبراء الفن عن كيفية تمكن اللصوص من تجاوز أنظمة الإنذار والكاميرات، مما يثير شبهات بتواطؤ داخلي أو ثغرات أمنية خطيرة.
في الختام
ما جرى في متحف اللوفر لا يمكن وصفه بمجرد سرقة، بل هو جرح في جسد الثقافة الفرنسية والعالمية. وبينما تواصل السلطات جهودها لاستعادة القطع المسروقة، يبقى السؤال مفتوحاً: هل ما زالت كنوزنا الفنية آمنة حقاً في عصر التكنولوجيا المتقدمة؟ أم أن الجريمة الثقافية أصبحت أذكى وأسرع مما نتصور؟
