الإمارات – السابعة الإخبارية
الذكاء الاصطناعي.. في مشهد يعكس تحول الذكاء الاصطناعي من مجرد تقنية إلى شريك فعلي في صناعة الحياة اليومية، فاجأ الشيخ طحنون بن زايد آل نهيان، نائب حاكم إمارة أبوظبي، مستشار الأمن الوطني، ورئيس مجلس إدارة مجموعة G42، الأوساط التكنولوجية والمعمارية على حد سواء، عندما كشف عن تصميم منزله الخاص في العاصمة الإماراتية أبوظبي باستخدام الذكاء الاصطناعي بشكل كامل.
الشيخ طحنون لم يكتفِ بدعم استراتيجيات الإمارات الطموحة في مجال الذكاء الاصطناعي، بل أصبح نموذجًا حيًّا لتطبيق هذه التقنيات في تفاصيل الحياة الشخصية، إذ صمّم منزله من الألف إلى الياء عبر منصة “شات جي بي تي”، مستعينًا بأكثر من 500 أمر برمجي لتنفيذ التصميم المعماري، الذي استوحاه من الطراز الياباني المعاصر، ليطل على الواجهة البحرية في قلب العاصمة.

تجربة غير مسبوقة في التصميم الذكي
هذا الإنجاز اللافت جاء على لسان بينغ شياو، الرئيس التنفيذي لمجموعة G42، خلال مشاركته في معرض “جيتكس غلوبال 2025″، حيث أوضح أن الشيخ طحنون لم يستخدم الذكاء الاصطناعي كمجرد أداة داعمة، بل وظّفه كمهندس متكامل، يعمل بإرشادات مباشرة من المستخدم، ويتفاعل مع ملاحظاته وتعديلاته طوال عملية التصميم.
وقال شياو: “ما فعله الشيخ طحنون بن زايد يؤكد أننا في الإمارات لا نفكر في المستقبل فقط، بل نعيشه ونصنعه، ونعيد تعريف مفهوم الشراكة بين الإنسان والتقنية.”
ويبدو أن المنزل لم يكن مشروعًا تجريبيًا فحسب، بل نموذجًا عمليًا يعكس قدرة الذكاء الاصطناعي على الإبداع الهندسي والتناغم مع الرؤية الجمالية والوظيفية للإنسان، خاصة حين تتوفر له التوجيهات الدقيقة والخبرة البشرية التي تحسن التعامل معه.
ذكاء اصطناعي في الإدارة أيضًا
لكن تجربة الشيخ طحنون بن زايد لم تتوقف عند الجانب المعماري، إذ كشفت مجموعة G42 عن أن مكاتبه الرسمية في المجموعة تعمل وفق نموذج إداري متطور، حيث تفوق نسبة وكلاء الذكاء الاصطناعي إلى الموظفين البشر 10 إلى 1، ما يعني أن غالبية المهام اليومية، من الجدولة وتحليل البيانات إلى إدارة المشاريع ومتابعة سير العمل، تتم بواسطة أنظمة ذكية.
هذا التحول الإداري الجذري يعكس فلسفة قيادية تؤمن بأن الذكاء الاصطناعي ليس مجرد أداة مساعدة، بل كيان شريك يمكن الاعتماد عليه في صياغة القرار وتنفيذه بكفاءة تتفوق على النمط التقليدي.
ويشير خبراء إلى أن هذا النموذج قد يكون نواة لتجربة أوسع تسعى دولة الإمارات لتعميمها في المؤسسات الحكومية والخاصة، خاصة في ظل توجهها الطموح نحو أن تكون مركزًا عالميًا للذكاء الاصطناعي خلال العقد القادم.
بناء المستقبل من الحاضر
منزل الشيخ طحنون ليس مجرد مبنى بتصميم أنيق، بل رسالة واضحة: الذكاء الاصطناعي ليس حكرًا على المعامل أو التطبيقات الصناعية، بل يمكنه أن يصمم، يدير، ويبتكر في أدق تفاصيل الحياة الشخصية والمهنية.
ويقول مراقبون إن هذه التجربة تتماشى مع توجه دولة الإمارات نحو بناء اقتصاد معرفي متكامل، حيث تشكل تقنيات الذكاء الاصطناعي، والبيانات الضخمة، وإنترنت الأشياء، أساسًا لكل أنشطة التنمية، من البنية التحتية وحتى الخدمات اليومية.

بين العمارة والرؤية القيادية
المثير في التجربة أنها لا تعكس فقط استخدامًا ذكيًا للتكنولوجيا، بل تجسد أيضًا رؤية قيادية تمتلك الشجاعة لتبني الجديد وتطبيقه على نفسها قبل الآخرين. فحين يختار أحد أبرز صناع القرار في الإمارات الاعتماد على الذكاء الاصطناعي في تصميم بيته، فهو لا يروّج لفكرة فقط، بل يعايشها ويبرهن على جدواها.
وقد لاقت هذه الخطوة تفاعلاً واسعًا بين رواد معرض “جيتكس”، حيث اعتبرها البعض بداية حقبة جديدة من العلاقة بين الإنسان والآلة، تقوم على الإبداع المشترك لا الاستبدال.
الإمارات… حيث يصنع الغد اليوم
تسعى الإمارات لأن تكون في مقدمة الدول التي لا تكتفي باستهلاك التكنولوجيا، بل تطورها وتنتجها وتُدخلها في كل جوانب الحياة. وتأتي تجربة الشيخ طحنون بن زايد لتجسد هذا التوجه بشكل حيوي وواقعي، بعيدًا عن الشعارات، وقريبًا من التطبيق.
في النهاية، يبدو أن منزل الشيخ طحنون ليس فقط تحفة معمارية بتوقيع الذكاء الاصطناعي، بل رمزًا لمرحلة جديدة تقود فيها الإمارات العالم العربي نحو مستقبل تصنعه العقول، وتبنيه الخوارزميات، ويقوده الإنسان المؤمن بالتغيير.
