لبنان – السابعة الاخبارية
فضل شاكر، يمثل الفنان اللبناني فضل شاكر، اليوم الأربعاء، أمام محكمة الجنايات في بيروت، برئاسة القاضي بلال الضناوي، في دعوى مدنية مرفوعة ضده من قِبل الشيخ هلال حمود، أحد مسؤولي “حزب الله” وإمام مسجد القدس، تتهمه بـ”تأليف عصابة مسلحة ومحاولة القتل”، وذلك على خلفية حادثة تعود إلى مايو/أيار 2013، قبل اندلاع معركة عبرا الشهيرة بشهر واحد.
القضية المطروحة اليوم لا تتعلق بمحاكمات المحكمة العسكرية المرتبطة بأحداث عبرا، بل تُعد دعوى مدنية شخصية، رُفعت من مواطن ضد فنان، وفقاً لما تنص عليه القوانين اللبنانية، ما يُعيد فتح فصل قانوني مختلف في مسيرة فضل شاكر المثيرة للجدل منذ خروجه من الأضواء الغنائية إلى أروقة المحاكم.
فضل شاكر في جلسة استماع أولي وتحديد مسار المحاكمة
بحسب ما أكده مصدر قضائي مطلع، فإن جلسة اليوم مخصصة لتلاوة بيان الادعاء المقدَّم من الشيخ هلال حمود بحق فضل شاكر والشيخ أحمد الأسير وأربعة أشخاص آخرين. كما ستُوجَّه إلى شاكر أسئلة إجرائية أولية، من بينها ما إذا كان لديه طلبات قانونية، ومن يمثله في القضية.
القاضي بلال الضناوي سيقوم بعدها بتحديد موعد أولى جلسات المحاكمة، والتي ستُعقد لاحقًا، ضمن إطار القضاء المدني. يذكر أن هذه المحاكمة لا تتداخل مع الأحكام السابقة التي صدرت بحق فضل شاكر عن المحكمة العسكرية اللبنانية، والتي اعتُبرت ملغاة قانونياً بمجرد أن قام بتسليم نفسه إلى السلطات مطلع أكتوبر الجاري.
خلفية القضية: حادثة “التهديد والإطلاق” قبل عبرا
تعود تفاصيل القضية إلى يوم 25 مايو/ أيار 2013، حينما تقدم الشيخ هلال حمود بشكوى ضد فضل شاكر والشيخ أحمد الأسير، زاعمًا أن إطلاق نار تعرّض له أثناء وجوده في منزل عائلته بمنطقة عبرا – صيدا، القريبة من مسجد بلال بن رباح، حيث كان يتواجد الشيخ الأسير وأنصاره، ومن بينهم الفنان المعتزل حينها فضل شاكر.
بحسب إفادة حمود، فإنه خرج إلى شرفة المنزل، ليفاجأ بإطلاق نار من قبل مسلحين مجهولين، كما سمع صوت فضل شاكر عبر مكبرات الصوت في المسجد، يهدده ويطالبه بمغادرة المنزل، تحت طائلة “إحراق المبنى”، وهو ما دفعه لرفع دعوى قضائية مباشرة بحق الطرفين.
ضعف في التحقيقات الأمنية الأولية
المفارقة اللافتة، بحسب حيثيات القرار الاتهامي الذي أصدرته الهيئة الاتهامية في بيروت، أن التحقيق الأولي الذي أجري في تلك الفترة “يفتقر إلى الحد الأدنى من المقومات القانونية”، حيث لم تقم الضابطة العدلية بمسح ميداني لموقع الحادث للتحقق من صحة ادعاءات إطلاق النار، كما لم تُستخرج تسجيلات كاميرات المراقبة القريبة لمطابقة ما ورد في الشكوى.
هذه النقاط قد تفتح الباب أمام فريق الدفاع عن فضل شاكر، للطعن في مدى موثوقية الشكوى من الأساس، خصوصًا أن القضية تقوم على شهادة فردية في ظل غياب أدلة مادية حاسمة.
فضل شاكر سلّم نفسه وأسقط الأحكام الغيابية
في الرابع من أكتوبر 2025، فاجأ الفنان اللبناني فضل شاكر الرأي العام، بتسليم نفسه طواعية إلى استخبارات الجيش اللبناني، منهياً سنوات من الاختفاء داخل أحد الأبنية السكنية في منطقة صيدا، وهي الخطوة التي أسقطت تلقائيًا كافة الأحكام القضائية الغيابية التي كانت قد صدرت بحقه.
وكانت المحكمة العسكرية قد أصدرت حكمًا في عام 2020 بسجن شاكر لمدة 22 عامًا غيابيًا، في عدة تهم، أبرزها الانتماء إلى مجموعة مسلحة وقتال الجيش اللبناني وتمويل الإرهاب وتبييض الأموال، إلى جانب تهم تتعلق بـ”الإساءة إلى دولة شقيقة”.
غير أن القانون اللبناني ينص على أن أي حكم غيابي يسقط فور تسليم المدعى عليه نفسه، ما يعني إعادة المحاكمة في كافة التهم من جديد، لكن هذه المرة بحضوره، ووفقًا لضمانات القضاء اللبناني.
انتظار موعد المحاكمة العسكرية
حتى الآن، لم يُحدَّد موعد مثول فضل شاكر أمام المحكمة العسكرية للنظر في القضايا الأصلية المرتبطة بـأحداث عبرا التي وقعت يوم 23 يونيو/ حزيران 2013، والتي شهدت اشتباكًا دامياً بين مجموعة الشيخ أحمد الأسير والجيش اللبناني.
ويقوم في الوقت الراهن مفوض المحكمة العسكرية القاضي كلود غانم بدراسة ملف القضية ووضع ملاحظاته القانونية، تمهيدًا لتحويل الملف إلى رئيس المحكمة العسكرية العميد وسيم فياض الذي سيحدد بدوره موعد أولى الجلسات.
ومن المتوقع أن تتناول المحاكمة التهم التالية:
- القتال ضد الجيش اللبناني
- تشكيل مجموعة مسلحة وتمويلها
- تبييض الأموال
- الإساءة إلى دولة شقيقة
يُذكر أن المحكمة العسكرية كانت قد برّأت شاكر من تهمة قتل عناصر الجيش اللبناني في عام 2018، لكنها أبقت على تهم الانتماء والتمويل في ملفه القضائي.
محاكمة جديدة… وأحكام قابلة للتمييز
القضية الجديدة التي يواجهها فضل شاكر اليوم تفتح فصلاً قانونيًا موازياً لما سيجري في المحكمة العسكرية. كونها مدنية بطبيعتها، فإن المحاكمة ستكون علنية ووفق القوانين الجنائية المعمول بها.
وفي حال صدرت أحكام جديدة بحقه، سواء من المحكمة العسكرية أو المدنية، فإنها ستكون قابلة للتمييز أمام محكمة التمييز العسكرية أو محكمة النقض المدنية، وهو ما يمنح الطرفين – النيابة وشاكر – حق الطعن في أي قرار قضائي يُصدر ضده.
إضافة إلى ذلك، يُمكن للمحكمة العسكرية إخلاء سبيله في أي مرحلة من مراحل المحاكمة، وفقاً لتقديراتها، كما يمكن لفريق الدفاع تقديم طلبات استرحام أو إعادة نظر بناءً على معطيات المحاكمة.
فضل شاكر: من نجم إلى متّهم
فضل شاكر، الذي كان يُعد أحد أشهر نجوم الغناء في العالم العربي في بدايات الألفية، اتخذ في عام 2011 قرارًا مفاجئًا باعتزال الفن والانضمام إلى صفوف التيارات السلفية بقيادة الشيخ أحمد الأسير، وهو ما غيّر مسيرته بالكامل.
ظهر في عدة مقاطع فيديو يُهاجم فيها الجيش اللبناني، وشارك في خطاب تعبوي ديني مسلح، قبل أن يختفي عقب أحداث عبرا الدامية، ويعود للواجهة لاحقًا عبر مقابلات تلفزيونية ينفي فيها مشاركته في القتال أو دعم الإرهاب.
ورغم ظهوره لاحقًا بأغانٍ عاطفية، ونشره ألبومات مصغّرة على منصات التواصل، بقي مصيره القانوني معلقًا حتى قراره الأخير بتسليم نفسه.
الطريق الطويل نحو العدالة
بين محكمة مدنية اليوم ومحكمة عسكرية غدًا، يواجه فضل شاكر طريقًا قانونيًا طويلاً ومعقدًا. فبين محاولات إثبات براءته في بعض القضايا، وبين ملفات شائكة تتعلق بالأمن القومي والانتماء لتنظيمات مسلحة، يبقى قرار القضاء هو الفيصل الوحيد.
محاكمة فضل شاكر، سواء في الجنايات المدنية أو المحكمة العسكرية، ستكون محط أنظار الرأي العام اللبناني والعربي، وسط جدل واسع بين مؤيديه الذين يعتبرونه ضحية الظروف، ومعارضيه الذين يرون في تاريخه ما يستحق المحاسبة القضائية