الشارقة – السابعة الاخبارية
محمد سلماوي، شهد معرض الشارقة الدولي للكتاب في دورته الـ44 تظاهرة ثقافية استثنائية جمعت نخبة من الأدباء والمفكرين والباحثين العرب، الذين التقوا جمهورهم عبر أركان التواقيع، في مشهد يختزل الثراء الأدبي العربي المعاصر ويجدد روح التواصل بين الكاتب والقارئ. ومن أبرز اللحظات التي خطفت الأضواء في المعرض، توقيع الكاتب الكبير محمد سلماوي – شخصية العام الثقافية للمعرض – لروايته الجديدة «الخرز الملوّن» الصادرة عن دار الشروق المصرية، وسط حضور واسع من محبي الأدب العربي ورواده.
محمد سلماوي يكتب «الخرز الملوّن».. سيرة الوجع الفلسطيني بلغة إنسانية آسرة
في عمله الروائي الجديد، يغوص محمد سلماوي في أعماق المأساة الفلسطينية عبر شخصية نسرين حوري، وهي سيدة فلسطينية تروي يومياتها في خمسة فصول، كل فصل يمثل يومًا من حياتها في ظل نكبة فلسطين وما تلاها من أحداث عربية كبرى.
الرواية تمزج بين التوثيق الإنساني والسرد الأدبي الراقي، حيث تتقاطع فيها المأساة الفردية مع الذاكرة الجمعية، في لغة تشي بالشجن والمقاومة في آن واحد. ويستعيد سلماوي من خلال «الخرز الملوّن» روح الحنين والوجع، لكنه يقدمها بعيون الأمل وقدرة الإنسان على البقاء رغم الانكسار.
قال سلماوي خلال حفل التوقيع إن العمل يمثل بالنسبة إليه “دعوة للتأمل في التاريخ، لا لإعادة البكاء عليه، بل لفهم كيف يمكن للمعاناة أن تولّد الإبداع”.
زاهي حواس يستحضر أسرار الفراعنة ودهشة التاريخ
في الركن نفسه من المعرض، اصطف عشاق علم الآثار حول الدكتور زاهي حواس، الذي وقّع مجموعة من مؤلفاته الجديدة الصادرة عن دار نهضة مصر، أبرزها: «100 حقيقة في حياة الفراعنة»، و*«الألعاب والتسلية والترفيه عند المصري القديم»، و«اسأل عالم آثار»*.
تنوّعت موضوعات الكتب بين الكشف عن الحياة اليومية للمصريين القدماء، وأسرار الملوك والمعابد، والألعاب التي مارسها الناس في عصور ازدهار الحضارة المصرية. وقدّم حواس لجمهوره رحلة معرفية مشوقة تبدأ من غموض الأهرامات مرورًا بـألغاز توت عنخ آمون وحتى أسرار الفن في العصور القديمة.
وأكد حواس أن هدفه من هذه المؤلفات هو “تقديم التاريخ المصري بروح عصرية تجعل الشباب يشعر أن الفراعنة جزء من حاضرنا الثقافي، لا مجرد صفحة في كتب الماضي”.

عائشة سلطان في «خوف بارد».. قراءة إنسانية في وجدان النفس
الكاتبة والإعلامية عائشة سلطان قدّمت خلال المعرض توقيع مجموعتها القصصية الأولى «خوف بارد» الصادرة عن دار بيت الحكمة للثقافة في القاهرة، والتي لاقت اهتمامًا كبيرًا من القراء والنقاد.
المجموعة تتناول مفهوم الخوف كعقبة نفسية تحول بين الإنسان وتحقيق ذاته، من خلال 14 نصًا قصصيًا تتقاطع فيها مصائر البشر وتتنوع شخصياتهم بين الحالم والمنكسر والمتمرد.
وتقول سلطان إن «الخوف بارد» محاولة للاقتراب من الهواجس الداخلية التي تسكننا جميعًا، وهي ليست دعوة للتمرد فقط، بل دعوة للفهم والتصالح مع الذات.
التراث الإماراتي حاضر بقوة في إصدارات معهد الشارقة للتراث
لم يغب التراث المحلي عن مشهد التواقيع، إذ أطلق معهد الشارقة للتراث باقة من الإصدارات الجديدة التي توثق للذاكرة الموسيقية والشعبية في الإمارات والمنطقة الخليجية.
فقد وقّع علي العبدان على كتاب «مختصر مصادر التراث الموسيقي العربي لهنري جورج فارمر»، ووقّع خميس إسماعيل المطروشي على «حكايات الأمثال الشعبية الإماراتية والخليجية»، كما قدّم د. سالم زايد الطنيجي «ديوان بن شمسة.. الشاعر علي بن شمسة السويدي».
وشهد الركن توقيع كتاب «المعتقدات الشعبية في دولة الإمارات العربية المتحدة» للباحثين إبراهيم الهاشمي ود.عائشة بالخير، إلى جانب كتاب إبراهيم الجروان «النجوم والمواسم عند العرب.. سهيل والثريا بين الحقائق العلمية والموروث التراثي».
أما فاطمة سالم السويدي، فقد أبهرت الحضور بكتابها المصوّر «الذهب زينية وخزينة.. مثل شعبي قديم»، الذي يجمع بين التوثيق البصري والذاكرة الشعبية، فيما قدّمت د.سمر محمود الخور دراسة فنية متميزة بعنوان «مناظر الصيد في مصر خلال العصرين اليوناني والروماني».
تنوّع أدبي لافت: من الرواية إلى المسرح والفكر والتحفيز
امتدّ مشهد التواقيع ليشمل أسماء أدبية وإبداعية متألقة في مختلف الحقول الأدبية، حيث وقّعت أسماء الزرعوني روايتها «لا تقتلني مرتين»، ووفاء الشامسي مؤلفها النقدي «سيمياء الشخصيات في المسرحيات الفائزة بجائزة الشارقة للإبداع العربي».
كما قدّم نبيل حربي الكثيري نصه المسرحي «بيت بو حمدان»، وأماني الحوسني روايتها «تحت الجلد»، بينما لاقت رواية سحر الألفي «عذراء متمردة» إعجاب القراء، وكذلك رواية أحمد حسن غريب «الهرم العاشق».
وواصلت المواهب الشابة بريقها مع روان اليحمدي التي وقّعت «أطلال أشباح»، والدكتور أحمد حميدي الذي قدّم روايته «وكنت أنا لا»، وسط حضور تفاعلي لافت.
من التحفيز الذاتي إلى سِيَر العباقرة والموضوعات الإنسانية
في جانب آخر من أروقة المعرض، احتفت منصة التواقيع بالإعلامية ميسا عقل التي قدّمت كتابها التحفيزي «خليك إيجابي»، داعيةً إلى تبني التفكير الإيجابي كطريق للنجاح الشخصي والمجتمعي.
كما وقّع عباس حسن وهبي كتاب «حسن كامل الصباح.. العبقرية الملهمة» الذي يوثّق سيرة العالم اللبناني الرائد في الهندسة الكهربائية.
أما الكاتبة نوال مصطفى، فاختارت أن تلتقي جمهورها بعدة مؤلفات منها «الزمن الأخير» و*«كأنه الحب»* و*«مي زيادة أسطورة الحب والنبوغ»، لتؤكد استمرارها في المزج بين الأدب والسيرة الإنسانية.
وشهد الركن أيضًا توقيع منة البدر لروايتيها «روحي» و«عجاف»، وهبة الفقي التي قدّمت ثلاثية عاطفية بعنوان «ثورة قلبي» و«قابضة على الضوء»* و*«قطعة سكر»*.
التراث الاجتماعي والطب في مؤلفات جديدة
التراث الاجتماعي الإماراتي كان حاضرًا في كتاب «ذهبة الفجيرة.. من عادات الزواج في الإمارات» الذي وقّعه خالد بن جميع الهنداسي وصوغة الكتبي وفاطمة الجابري عن دار المحيط للنشر، وهو عمل توثيقي ثري يستعرض العادات والتقاليد المرتبطة بالزواج والحداد في إمارة الفجيرة.
كما قدّمت علياء الكاظمي والجوهرة عبد الرضا كتابهما المشترك «أزواج تحت المجهر.. قضايا حقيقية من المحاكم الكويتية» الذي يسلّط الضوء على العلاقات الزوجية من منظور واقعي وقانوني.

وفي المجال الصحي، وقّع الدكتور خالد البرقاوي كتابه «وداعًا للسكري.. أهلاً بالحياة» الذي يقدّم مقاربة علمية وعملية للسيطرة على مرض السكري، فيما ناقش د. محمد راشد الكتبي في كتابه «المسؤولية الجنائية عن استخدام الطائرات بدون طيار» أبعادًا قانونية حديثة، ووقّع المستشار علي فتحي عبد الرحيم الشريف مؤلفه «هندسة أوامر الذكاء الاصطناعي» الذي يتناول الثورة التقنية الجديدة في القانون والحوكمة الرقمية.
المعرض يحتفي بالتنوّع الثقافي العربي
تؤكد فعاليات التوقيع التي شهدها معرض الشارقة الدولي للكتاب هذا العام أن الثقافة العربية ما زالت تنبض بالحياة والإبداع، وأن الكتاب العربي يواصل دوره كجسر بين الماضي والمستقبل.
فمن الوجع الفلسطيني في «الخرز الملوّن»، إلى أسرار الفراعنة، مرورًا بالتراث الإماراتي والعلاقات الإنسانية والعلوم الحديثة، بدا المعرض منصة حقيقية للحوار الثقافي والانفتاح الفكري، ومهرجانًا يحتفي بالعقل العربي في أبهى صوره.
