الشارقة – السابعة الاخبارية
خالد الصاوي، شهدت فعاليات معرض الشارقة الدولي للكتاب في دورته الـ44، لحظة فنية وأدبية مميزة تمثلت في توقيع الفنان الكبير خالد الصاوي روايته الجديدة «أطلال»، الصادرة عن دار فاصلة للنشر والتوزيع.
وجاءت الفعالية وسط حضور جماهيري لافت، حيث حرص عشاق الأدب والفن على لقاء الصاوي واقتناء النسخ الموقعة من روايته التي طال انتظارها، لتضيف إلى مسيرته الإبداعية فصلًا جديدًا يجمع بين الحس الفني والعمق الأدبي.
خالد الصاوي: من خشبة المسرح إلى صفحات الرواية
لطالما عُرف خالد الصاوي كأحد أبرز الممثلين في الدراما والسينما المصرية، لكنه في الوقت ذاته كاتب ومثقف وفيلسوف فني يحمل رؤية إنسانية متفردة.
من خلال أعماله المتنوعة في المسرح والشعر والرواية، استطاع أن يجمع بين التمثيل كأداء حي، والكتابة كأداء فكري، ليجسد حالة الفنان الشامل الذي يرى الفن حياةً كاملة لا مجرد مهنة.
وتأتي رواية «أطلال» لتؤكد هذه الرؤية، إذ تمثل امتدادًا طبيعيًا لرحلته الطويلة في التعبير عن الذات والمجتمع من خلال الكلمة والصورة معًا.

رواية «أطلال».. حكاية الإنسان بين الحلم والواقع
تدور أحداث رواية «أطلال» في أحياء القاهرة القديمة، وتحديدًا حي السيدة زينب، حيث يعيش البطل سعيد، الشاب الذي يتنقل بين تفاصيل الحياة اليومية وأحلامه المبعثرة، في رحلة تأملية عميقة تبحث عن الهوية والطمأنينة والذات.
من خلال شخصية سعيد، ينسج خالد الصاوي سردًا أدبيًا يتنقل بين الحاضر والماضي، الواقع والخيال، ليكشف عن ملامح مجتمع يعيش التحولات، وعن إنسانٍ يطارد المعنى في زمن يضجّ بالتناقضات.
الرواية لا تكتفي بوصف الحياة في حي شعبي أو تصوير العلاقات الاجتماعية، بل تذهب أبعد من ذلك، إلى استكشاف أعماق النفس البشرية بكل ما فيها من حنين وخوف وتوق إلى الحرية.
السيدة زينب.. روح المكان وبوابة الذاكرة
اختيار خالد الصاوي لحي السيدة زينب لم يكن محض صدفة، بل جاء كخيار رمزي يجسد الروح المصرية الأصيلة، ومهد القصص والحكايات الشعبية التي تنبض بالحياة والإنسانية.
في هذا الحي الذي يختلط فيه صوت المؤذن بضحكات الأطفال وروائح الشاي والمخبوزات، يجد البطل سعيد نفسه محاطًا بعالمٍ متناقضٍ، يحمل في طياته البهجة والألم، الإيمان والشك، الحب والفقد.
وتتحول القاهرة في الرواية إلى كائن حيٍّ يشارك أبطالها مشاعرهم، فهي ليست مجرد مسرحٍ للأحداث، بل ذاكرة مفتوحة تختزن تاريخًا طويلًا من التجارب الإنسانية.
خالد الصاوي يكتب «أطلال» بلغة الشعر والفلسفة
يمتاز أسلوب خالد الصاوي في «أطلال» بكونه شاعريًا عميقًا ومشحونًا بالفكر الفلسفي.
فهو لا يكتفي بسرد الأحداث أو وصف المشاعر، بل يغوص في أسئلة الوجود، مستعينًا بلغةٍ تجمع بين الجمال والتأمل.
العبارات في الرواية تنساب بإيقاعٍ موسيقي يجعل القارئ يعيش التجربة لا كمتفرج، بل كجزءٍ من النص نفسه.
من خلال الحوارات الداخلية للبطل، يتأمل الصاوي قضايا مثل الزمن، الفقد، الحب، الاغتراب، والبحث عن المعنى، في توليفة تمزج بين الفن والفكر.
الفن والموسيقى.. حضور أم كلثوم في النص
من اللافت في رواية «أطلال» الحضور القوي للموسيقى المصرية الكلاسيكية، وخاصة أغاني كوكب الشرق أم كلثوم.
تتحول أغنيتها الشهيرة “الأطلال” إلى رمزٍ مركزي في النص، يعكس الحنين إلى الماضي، والبحث عن الأمل في ركام الذكريات.
تتردد الأغاني بين الفصول كأنها شريانٌ روحيٌّ يربط الشخصيات ببعضها، ويعكس قدرة الفن على الشفاء والتعبير عن ما تعجز الكلمات عن قوله.
ويرى خالد الصاوي من خلال هذه المقاربة أن الفن — سواء كان أغنية أو لوحة أو فيلمًا — ليس ترفًا، بل وسيلة لفهم الإنسان وإعادة صياغة وجوده.
رحلة إنسانية تلامس أسرار الوجود
في «أطلال»، لا يقدم الصاوي مجرد رواية اجتماعية أو سردًا واقعيًا، بل رحلة إنسانية وجودية تعكس صراع الإنسان مع ذاته ومع العالم من حوله.
يتنقل البطل بين لحظات النشوة والانكسار، بين اليقين والضياع، في مسارٍ يجسّد التقاطع بين الحلم والواقع، ويثير في القارئ أسئلة تتجاوز حدود الزمان والمكان.
وتبدو الرواية كأنها مرافعة عن الحياة بكل تناقضاتها، حيث يعيد الكاتب صياغة التجربة الإنسانية من خلال منظورٍ شعري يمزج الحقيقة بالخيال، والعاطفة بالفكر، ليخلق نصًا مفتوحًا على التأويل والتأمل.
«أطلال».. عمل كتب في الثمانينيات وينشر اليوم
ما يميز هذا العمل أيضًا أن خالد الصاوي كتبه في صيف عام 1988، أي في بدايات مشواره الفني، لكنه يخرج إلى النور للمرة الأولى اليوم بعد أكثر من ثلاثة عقود.
هذا التفصيل يمنح الرواية قيمة إضافية، إذ تعكس مرحلة التكوين الفكري والفني للصاوي، وتُظهر وعيه المبكر بقضايا الإنسان والمجتمع.
ويقول المقربون من الكاتب إن العمل يحمل روح الشاب المتمرد والحالم، الذي يسعى إلى فهم العالم من حوله بالكلمة قبل الصورة، وهو ما يجعل «أطلال» وثيقة فنية لمرحلة من مراحل نضجه الإبداعي.
خالد الصاوي: مسيرة فنية وأدبية ثرية
يُعرف خالد الصاوي بصفته فنانًا شاملًا يجمع بين التمثيل، والإخراج، والكتابة المسرحية، والشعر.
قدّم عبر مسيرته أعمالًا تركت بصمة قوية في المسرح والسينما والتلفزيون، إلى جانب إسهاماته في الأدب والفكر.
ومن أبرز أعماله الشعرية ديوان “الخيول” و**”يوميات خلود”، اللذان كشفا عن موهبة لغوية مدهشة وحس إنساني عميق.
كما كتب وأخرج عددًا من المسرحيات التي نالت جوائز عدة، منها جائزة محمود تيمور للإبداع المسرحي وجائزة المجلس الأعلى للثقافة**.
إلى جانب ذلك، أسس الجمعية المصرية لهواة المسرح، وأسهم في دعم المواهب الشابة ونشر ثقافة المسرح الحر في مصر.
جمهور الشارقة يحتفي بخالد الصاوي
خلال حفل التوقيع في معرض الشارقة الدولي للكتاب، اصطف العشرات من القراء ومحبي الفن لاقتناء نسخهم الموقعة من الرواية، وسط أجواء من الدفء والحوار الثقافي.
تبادل الصاوي مع جمهوره الحديث حول تجربته الإبداعية، مؤكدًا أن الكتابة بالنسبة له هي شكل آخر من التمثيل، لكنها تعتمد على اللغة بدلاً من الجسد.
وأشار إلى أن «أطلال» هي دعوة للتأمل في معنى الحب والفقد والخلود، وأنه كتبها بروح الشاعر وبعين الممثل، لتكون جسراً بين الأدب والفن.

خالد الصاوي… بين الحس الفني والوعي الفكري
تجسد رواية «أطلال» توازن خالد الصاوي بين الحس الفني والوعي الفكري، فهي عملٌ يجمع بين اللغة العذبة والفكرة العميقة، وبين التجربة الشخصية والرؤية الإنسانية الشاملة.
ومن خلال هذا العمل، يثبت الصاوي أنه ليس فقط فنانًا أمام الكاميرا، بل كاتبٌ صاحب مشروع فكري وجمالي، يرى في الكلمة وسيلة للبقاء والتأثير.
كلمة الختام
بروايته «أطلال»، يضيف خالد الصاوي فصلًا جديدًا إلى مسيرته المتنوعة، جامعًا بين رهافة الفنان وعمق الفيلسوف، ومؤكدًا أن الفن بكل أشكاله هو بحث دائم عن الحقيقة والجمال.
إنها رواية عن الإنسان أولًا، عن الذاكرة التي لا تموت، وعن الأصوات التي تبقى تتردد في وجداننا حتى بعد أن يسدل الزمن ستارَه.
وبين صفحات «أطلال»، يواصل خالد الصاوي رحلته الإبداعية ليذكرنا بأن الفن الحقيقي لا يشيخ، بل يولد من جديد كلما لمس قلبًا قارئًا أو روحًا حالمة.
