دالاس – السابعة الإخبارية
سرطان.. في إنجاز طبي قد يُحدث نقلة نوعية في مجال الكشف المبكر عن سرطان الرئة، طوّر فريق من الباحثين في جامعة تكساس في دالاس جهازًا ثوريًا قادرًا على تشخيص المرض عبر تحليل بسيط للنفس، ما قد يختصر الطريق أمام الأطباء لاكتشاف أحد أكثر أنواع السرطان فتكًا في العالم بطريقة سريعة وغير جراحية ومنخفضة التكلفة.
سرطان الرئة.. القاتل الصامت
يُعد سرطان الرئة المسبب الأول للوفيات المرتبطة بالسرطان في الولايات المتحدة، إذ يودي بحياة ما يقارب 350 شخصًا يوميًا، بحسب إحصاءات الجمعية الأمريكية للسرطان. ورغم التقدم الطبي الكبير في العقود الأخيرة، لا تزال نسبة اكتشاف المرض في مراحله المبكرة لا تتجاوز 30%، وهو ما يُعزى إلى غياب الأعراض الواضحة في بداياته، الأمر الذي يجعل أغلب الحالات تُشخّص بعد وصولها إلى مراحل متقدمة يصعب علاجها.
وتعتمد الفحوصات التقليدية المتاحة حاليًا على الأشعة المقطعية منخفضة الجرعة (LDCT)، وهي وسيلة فعالة لكنها مكلفة وتُعرّض المرضى للإشعاع، كما أنها تحمل نسبة مرتفعة من النتائج الإيجابية الكاذبة، مما يدفع الأطباء إلى إجراء خزعات أو فحوص إضافية غير ضرورية أحيانًا. من هنا، برزت الحاجة إلى أدوات تشخيص أكثر أمانًا وسرعة وموثوقية.

كيف يعمل الجهاز الجديد؟
يستند الابتكار الجديد إلى مستشعر حيوي فائق الحساسية تم تطويره لالتقاط ثمانية مؤشرات حيوية ترتبط عادةً بالأورام الخبيثة في الرئة.
وتبدأ عملية الفحص بأن يتنفس المريض داخل أنبوب متصل بكيس مُحكم الإغلاق، حيث تُجمع العينة وتُحلل بواسطة المستشعر الذي يبحث عن مركبات عضوية متطايرة (VOCs) — وهي جزيئات كيميائية دقيقة تطلقها خلايا الجسم عند الإصابة بالسرطان.
بعد تحليل العينة، تُرسل البيانات إلى نظام ذكاء اصطناعي مزود بقاعدة بيانات ضخمة لبصمات كيميائية معروفة للأورام الرئوية، ليقارن النتائج ويصدر تقريرًا أوليًا خلال دقائق.
ووفقًا لنتائج الدراسة المنشورة في صحيفة “نيويورك بوست”، فقد أُجريت الاختبارات على 67 شخصًا، من بينهم 30 مريضًا تم تأكيد إصابتهم بسرطان الصدر عبر الخزعة، ونجح الجهاز في تحديد المرض بدقة بلغت نحو 90%، وهي نسبة تُعد “واعدة للغاية” مقارنة بوسائل الفحص التقليدية.
الذكاء الاصطناعي في خدمة الطب
وقالت الدكتورة براساد، الباحثة الرئيسية في المشروع، إن التقنية الجديدة تمثل جيلًا جديدًا من الفحوص الطبية غير الجراحية، مؤكدة أن الفريق يعمل على تحسين دقة الخوارزمية لتقليل احتمالات الخطأ بشكل أكبر.
وأضافت:“كما نجري فحوصات الدم والاختبارات البدنية السنوية، يمكن أن يصبح فحص التنفس جزءًا من الروتين الصحي المستقبلي للكشف المبكر عن السرطان وإنقاذ الأرواح.”
أما الدكتور أوفيديو دايسكو، أحد المشاركين في الدراسة، فأوضح أن الجهاز يجمع بين التحليل الكيميائي المتقدم ونماذج التعلم الآلي التي تساعد على رفع كفاءة التشخيص وتقليل التكاليف في الوقت ذاته. وأشار إلى أن الفريق يسعى لتوسيع التجارب السريرية في بيئات طبية حقيقية، للتأكد من فاعلية التقنية عند استخدامها في المستشفيات والعيادات العامة.
مستقبل الفحص بالتنفس
يُعد تحليل النفس أحد الاتجاهات الصاعدة في الأبحاث الطبية الحديثة، إذ يحمل إمكانات هائلة للكشف المبكر عن أمراض متعددة مثل السرطان، والسكري، وأمراض الكبد، بل وحتى العدوى الفيروسية.
ويتميز هذا النوع من الفحوص بأنه غير جراحي وسهل الاستخدام ولا يتطلب تجهيزات معقدة، ما يجعله خيارًا مثاليًا لبرامج الفحص الجماعي أو في المناطق ذات الموارد المحدودة.
ويرى الخبراء أن دمج الذكاء الاصطناعي مع تحليل المركبات العضوية المتطايرة قد يمهد الطريق نحو أجهزة محمولة للفحص الفوري في المستقبل القريب، شبيهة بأجهزة قياس السكر في الدم، مما يسهل إجراء فحوصات مبكرة ودورية تقلل من معدلات الوفاة الناجمة عن السرطان.
أمل جديد أمام الإحصاءات القاتمة
تأتي هذه النتائج في وقت تُشير فيه التقديرات إلى أن عام 2025 قد يشهد تشخيص أكثر من 226 ألف حالة جديدة لسرطان الرئة في الولايات المتحدة وحدها، مع أكثر من 124 ألف حالة وفاة متوقعة بسبب المرض.
ويرى الباحثون أن إدخال تقنيات كهذه إلى النظام الصحي قد يُحدث تحولًا جذريًا، إذ إن الاكتشاف المبكر يزيد فرص الشفاء بشكل كبير ويقلل الحاجة إلى العلاجات المكلفة والمعقدة.
بينما لا يزال الجهاز في مراحل الاختبار الأولى، إلا أن نتائجه الأولية تفتح آفاقًا جديدة في عالم التشخيص الطبي. فأن يتمكن الأطباء من اكتشاف سرطان قاتل مثل سرطان الرئة من زفير المريض فقط هو إنجاز علمي وإنساني كبير.
ويأمل فريق جامعة تكساس أن تساهم هذه التقنية قريبًا في تحويل فحص التنفس إلى وسيلة روتينية عالمية، تجعل الكشف المبكر عن السرطان أسهل وأسرع وأقل تكلفة، ليصبح الاستنشاق بداية الأمل لا بداية المرض.

