مصر – السابعة الإخبارية
في زمن أصبحت فيه التكنولوجيا وسيلة للتواصل بين الأزواج كما بين الشعوب، حذر الدكتور أسامة قابيل، أحد علماء الأزهر الشريف، من الاعتماد على الرسائل الإلكترونية أو الحروف اللاتينية (الفرانكو) في إلقاء يمين الطلاق، مؤكدًا أن هذا الأسلوب لا يُعد طلاقًا صحيحًا من الناحية الشرعية، ولا يترتب عليه أثر قانوني أو ديني.
ويأتي هذا التحذير في ظل تزايد حالات الخلاف الأسري التي تُدار عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وما يترتب عليها من ارتباك شرعي واجتماعي بشأن صحة الطلاق الذي يقع كتابةً أو عبر التطبيقات الرقمية.

الطلاق بالفرانكو.. لا أثر له شرعًا
وأوضح الدكتور قابيل أن الطلاق في الإسلام له ضوابط واضحة ومحددة، مشيرًا إلى أن من شروط صحته أن يكون نطقًا صريحًا وواضحًا باللغة التي يفهمها الطرفان، وأن يصدر من الزوج بقصد جاد وبنية الانفصال الحقيقية.
وأضاف:“مجرد كتابة كلمة (talak) أو (talaq) بالفرانكو، أو استخدام رموز مختصرة مثل ‘T’ أو غيرها عبر تطبيقات مثل واتساب أو فيسبوك، لا يُعتبر طلاقًا شرعيًا، لأن النية وحدها لا تكفي دون اللفظ الصريح المفهوم.”
وأشار إلى أن علماء الفقه المعاصرين يُجمعون على ضرورة التثبت في قضايا الطلاق الإلكتروني، لما يترتب عليها من آثار تمس الأسرة والمجتمع، مؤكدًا أن الشريعة الإسلامية شددت على وضوح النية واللفظ حتى لا يُظلم أحد الطرفين أو يُفتح باب الفوضى في العلاقات الزوجية.
النية واللفظ الصريح أساس صحة الطلاق
واستدل الدكتور قابيل بحديث النبي ﷺ الذي رواه أبو هريرة رضي الله عنه، حيث قال رسول الله ﷺ:“ثلاث جدهن جد وهزلهن جد: النكاح والطلاق والرجعة.”
مبينًا أن الحديث الشريف يؤكد أن الطلاق لا يكون هزلًا أو عبثًا، بل يجب أن يصدر في سياق جديٍّ ومسؤول.
لكن قابيل أوضح أن الهزل المقصود هنا هو النطق اللفظي الواضح، لا ما يُكتب بطريقة غير مفهومة أو عبر رموز إلكترونية.
وأشار إلى أن الطلاق بالرسائل أو الوسائل الإلكترونية قد يكون وسيلة للتعبير عن الغضب أو الانفعال اللحظي، ولا يمكن اعتباره حجة شرعية إلا إذا تم التحقق من النية واللفظ أمام جهة مختصة مثل دار الإفتاء أو محكمة الأسرة.
الطلاق السريع يهدد استقرار الأسر
وانتقل الدكتور قابيل للحديث عن الآثار الاجتماعية والنفسية للطلاق المتسرع، مؤكدًا أن كثيرًا من الأزواج يندفعون نحو الانفصال لأسباب آنية، دون تفكير في عواقب الطلاق على الأبناء والأسرة.
وقال إن الانفصال السريع يخلّف آثارًا نفسية عميقة لدى الأطفال، مثل الشعور بعدم الأمان والاضطراب العاطفي، إلى جانب تراجع التحصيل الدراسي وصعوبة تكوين العلاقات الاجتماعية مستقبلاً.
وأضاف أن الزوجين نفسيهما يتعرضان لضغوط كبيرة بعد الطلاق، سواء على المستوى المادي أو النفسي، خاصة إذا تم الانفصال في لحظة انفعال دون سعي جاد للإصلاح أو استشارة أهل العلم والخبرة.

القرآن الكريم وضع ضوابط دقيقة للطلاق
وأكد العالم الأزهري أن القرآن الكريم وضع نظامًا متكاملًا لإدارة الخلافات الزوجية، يبدأ بالحوار والإصلاح قبل الوصول إلى قرار الطلاق، مستشهدًا بقول الله تعالى:«الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ» (البقرة: 229).
وأوضح أن الآية الكريمة تُبرز روح التوازن في التشريع الإسلامي، الذي يهدف إلى صون العلاقة الزوجية ما أمكن، وعدم جعل الطلاق وسيلة للانتقام أو الانفعال. كما أشار إلى حديث النبي ﷺ:«أفضل الطلاق ما كان على أحسن وجه»،
موضحًا أن حسن المعاشرة والتروي قبل اتخاذ القرار من علامات التقوى والنضج.
قدوة المجتمع في إدارة الخلافات الزوجية
وشدد الدكتور قابيل على أن جميع فئات المجتمع، سواء من المشاهير أو الأفراد العاديين، يجب أن يكونوا قدوة في التعامل مع الخلافات الزوجية، لأن ما يُنشر عبر الإنترنت من نزاعات أو تصريحات طلاق ينعكس سلبًا على صورة الأسرة المسلمة.
وقال:“يجب على الأزواج أن يدركوا أن الزواج ميثاق غليظ، وأن الطلاق قرار مصيري لا يجوز أن يُستخدم كأداة تهديد أو مزاح أو رد فعل عاطفي على الخلافات العابرة.”
وأكد أن الطلاق الصحيح شرعًا لا يقوم إلا على النية الجادة واللفظ الواضح، وأن من واجب الأزواج التريث واستشارة العلماء أو المتخصصين قبل الإقدام على أي خطوة قد تُهدد استقرار حياتهم الأسرية.

واختتم الدكتور قابيل حديثه بدعوة الأزواج إلى احترام قدسية العلاقة الزوجية، ومراعاة حدود الله في التعامل مع الخلافات.
وقال إن استخدام وسائل التواصل الاجتماعي في مسائل الطلاق أو التهديد به يُعد استخفافًا بالميثاق الشرعي، داعيًا إلى العودة إلى منهج القرآن والسنة في التفاهم والإصلاح، حفاظًا على الأسرة التي تُعد اللبنة الأولى في بناء المجتمع.
