الشارقة – السابعة الاخبارية
معرض الشارقة الدولي للكتاب، يشهد معرض الشارقة الدولي للكتاب في دورته الرابعة والأربعين إقبالاً جماهيريًا واسعًا، يؤكد المكانة الفريدة التي باتت تحتلها الشارقة كأحد أبرز المراكز الثقافية في العالم العربي والعالمي على حدّ سواء.
منذ ساعات الصباح الأولى، تدفقت الحشود إلى أروقة المعرض، الذي امتلأت أجنحته بالزوار من مختلف الأعمار والفئات، في مشهدٍ يُجسّد حب القراءة الذي زرعته الإمارة في نفوس سكانها وزوارها، ويروي قصة شغف مستمر بالمعرفة والإبداع.
معرض الشارقة الدولي للكتاب.. الكتاب يحتضن الجميع من الطفل إلى المثقف
في يومه السادس، بدا المعرض لوحة إنسانية نابضة بالحياة، إذ توافدت إليه العائلات والأطفال والطلاب والمثقفون والإعلاميون والأدباء، كلٌّ يبحث عن لحظته الخاصة مع الكتاب.
فالأطفال تجذبهم مساحات الأنشطة التفاعلية، بينما يتنقّل الكبار بين الأجنحة الدولية بحثًا عن أحدث الإصدارات والروايات، في حين يشارك المثقفون في الندوات والجلسات الفكرية التي تُثري النقاش الثقافي حول قضايا الأدب والفكر والهوية.
المعرض لم يعد مجرد سوق للكتب، بل أصبح مهرجانًا حضاريًا يربط بين الأجيال والثقافات، ويعكس روح الشارقة التي آمنت بأن الكلمة يمكن أن تغيّر العالم.

2350 دار نشر من 118 دولة.. العالم في كتاب واحد
تضم الدورة الرابعة والأربعون من المعرض أكثر من 2350 دار نشر ومشاركًا يمثلون 118 دولة، من بينها 1126 دار نشر دولية، في حضورٍ يعدّ الأكبر في تاريخ المعرض.
هذا التنوع الواسع يتيح للزوار فرصة الاطلاع على أحدث الإنتاجات الفكرية من مختلف اللغات والثقافات، ويجعل من الشارقة منصة عالمية للتبادل المعرفي والثقافي.
الزائر هنا يستطيع أن ينتقل في دقائق من جناحٍ يعرض روايات لاتينية إلى آخر يحتفي بالشعر العربي القديم، أو من دار نشر آسيوية تقدّم كتب التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي إلى أخرى أوروبية تتحدث عن الفلسفة والفن.
إنه العالم في كتاب واحد، والكتاب في قلب العالم.
الشارقة.. مدينة تُعلّم العالم أن الثقافة أسلوب حياة
لم يأتِ هذا النجاح صدفة، بل هو ثمرة رؤية ثقافية متكاملة تبناها صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، الذي جعل من الثقافة مشروعًا إنسانيًا وتنمويًا شاملًا.
فالمعرض لا يهدف فقط إلى بيع الكتب، بل يسعى إلى ترسيخ القراءة كأسلوب حياة، وتعزيز الحوار الحضاري بين الشعوب، وبناء جيلٍ يملك الوعي والمعرفة.
لقد استطاعت الشارقة، عبر عقود من الاستثمار في الثقافة، أن تتحول من مدينة ساحلية صغيرة إلى عاصمة عربية وعالمية للكتاب، وها هي اليوم تؤكد من خلال هذا المعرض أن مشروعها الثقافي مستمر ومتجدد.
إقبال غير مسبوق.. أروقة مزدحمة وشغف لا يتوقف
تشير إدارة المعرض إلى أن الدورة الحالية تشهد زيادة ملحوظة في أعداد الزوار مقارنة بالسنوات السابقة، وهو ما يعكس عمق العلاقة التي تربط المجتمع بالمعرفة.
مشاهد الطوابير الطويلة أمام الأجنحة، وحشود الزوار الذين يحملون أكياس الكتب الثقيلة بابتسامة فخر، تحكي قصة نجاح لا تخطئها العين.
ولعل اللافت هذا العام هو الحضور الكبير للشباب والطلاب، الذين وجدوا في المعرض فضاءً يلهمهم ويشجعهم على القراءة والتفكير النقدي.
أما العائلات، فكان حضورها دليلًا على أن الكتاب ما زال يجمع أفراد الأسرة حول فكرة واحدة، بعد أن فرّقتهم شاشات الهواتف.
برنامج ثقافي شامل.. بين الفكر والفن والترفيه
لا يقتصر المعرض على بيع الكتب أو توقيعها، بل يقدّم برنامجًا ثقافيًا متنوعًا يضم عشرات الندوات والجلسات الحوارية وورش العمل والأنشطة التعليمية والترفيهية.
وتتنوع الفعاليات بين مناقشات فكرية حول الأدب والفلسفة والدين، وجلسات لتوقيع الإصدارات الجديدة، وورش لتعليم مهارات الكتابة الإبداعية، إلى جانب عروض فنية ومسرحية موجهة للأطفال.
وقد شارك في فعاليات هذه الدورة عدد من الأدباء والمفكرين العرب والعالميين، الذين ناقشوا موضوعات تتعلق بمستقبل الكتاب في عصر الذكاء الاصطناعي، ودور الثقافة في بناء الوعي الإنساني، وأهمية الأدب في مواجهة التطرف والانغلاق.
الطفل قارئ المستقبل.. وورش الإبداع تفتح الأبواب
خصص المعرض مساحة واسعة للأطفال ضمن جناح “الطفل واليافعين”، حيث تُقام ورش تفاعلية تجمع بين التعليم والمتعة.
فمن تعليم فنون القصة والرسم والكتابة الإبداعية، إلى عروض المسرح والدمى، يعيش الطفل تجربة ثقافية متكاملة تُنمّي خياله وتغرس فيه حب القراءة منذ الصغر.
وقد شهدت أركان الأطفال ازدحامًا لافتًا، إذ حرص الآباء على اصطحاب أبنائهم، مؤمنين بأن القراءة هي الاستثمار الأهم في المستقبل.
بهذا، لا يقتصر المعرض على الجيل الحاضر، بل يصنع قرّاء الغد وصنّاع الفكر القادم.
الكتاب الورقي يقاوم.. وسط زحف التكنولوجيا
رغم التطور التكنولوجي والانتشار الواسع للكتب الإلكترونية، يؤكد المشهد في المعرض أن الكتاب الورقي ما زال يحتفظ بسحره.
فالزوار ما زالوا يحبون رائحة الورق، ولمس الصفحات، وشراء الكتب لتكون جزءًا من مكتباتهم المنزلية.
يقول أحد الزوار: “قد أقرأ على الشاشة كل يوم، لكن الكتاب الورقي هو ما يجعلني أشعر أنني أملك شيئًا حقيقيًا.”
بهذا المعنى، يصبح المعرض ليس فقط مهرجانًا ثقافيًا، بل تجديدًا للعهد بين الإنسان والكتاب.
منصة لقاء وتواصل بين الكُتّاب والقرّاء
ما يميز معرض الشارقة الدولي للكتاب أنه يجمع بين الكاتب والقارئ في مساحة حوار إنساني مباشر.
ففي كل جناح تقريبًا، تجد كاتبًا يوقّع كتابه أو يتحدث مع قرائه حول تجربته، في أجواء يغلب عليها الاحترام المتبادل والفضول الفكري.
وهذا التواصل المباشر يجعل القارئ يشعر أن الكتاب ليس نصًا جامدًا، بل عالمًا حيًا ينبض بأفكار من صنع بشر مثله.
الشارقة.. عاصمة للثقافة والإنسان
تؤكد الدورة الرابعة والأربعون أن الشارقة ليست فقط مدينة للثقافة، بل عاصمة للإنسان.
فمشروعها الثقافي لا يهدف إلى تراكم الكتب فحسب، بل إلى بناء عقل إنساني حر ومستنير، قادر على التفكير والإبداع.
ولهذا السبب، يتجاوز تأثير المعرض حدود الإمارات ليصل إلى كل قارئ في العالم العربي، بوصفه نموذجًا ملهمًا يمكن تكراره في مدن أخرى.
ختام يحمل البدايات.. لأن الكتاب لا ينتهي
ومع اقتراب ختام فعاليات المعرض، يبقى الزوار يتدفقون، وكأن كل يوم فيه بداية جديدة.
فالكتاب لا ينتهي بانتهاء المعرض، بل يبدأ رحلته الحقيقية عندما يُفتح ويُقرأ ويُناقش.
إنها رحلة لا تعرف الختام، تمامًا كما أرادتها الشارقة حين جعلت من الكتاب قلب مشروعها الحضاري.

كلمة أخيرة: الشارقة تكتب للعالم فصلاً من النور
بهذه الدورة، يثبت معرض الشارقة الدولي للكتاب أنه أكثر من حدث سنوي، بل رسالة مستمرة تقول إن المستقبل يُكتب بالمعرفة.
فكل جناح فيه، وكل كتاب يُشترى، وكل طفل يبتسم وهو يقرأ، هو لبنة في بناء عالم أكثر وعيًا وسلامًا.
الشارقة لم تكتفِ بأن تكون “عاصمة الكتاب”، بل أصبحت عاصمة للروح الإنسانية التي ما زالت تؤمن بأن الكلمة قادرة على تغيير العالم.
