الشارقة – السابعة الاخبارية
خولة المجيني، في أروقة معرض الشارقة الدولي للكتاب، حيث تمتزج رائحة الورق بحكايات العالم، تتجلى تلك العلاقة السرمدية بين الإنسان والكتاب، بين الفكر والعاطفة، بين السؤال والإجابة وسط حضور خولة المجيني المنسق العام لمعرض الشارقة الدولي للكتاب.
وفي الدورة الـ44 من المعرض التي جاءت تحت شعار “بينك وبين الكتاب”، أراد القائمون أن يعيدوا الإنسان إلى قلب التجربة القرائية؛ إلى تلك اللحظة الحميمة التي يعيشها كل قارئ على طريقته.
في هذا السياق، تؤكد خولة المجيني، المنسق العام لمعرض الشارقة الدولي للكتاب، في حوارها، أن الشعار لم يكن مجرد عنوان تسويقي، بل فلسفة إنسانية وثقافية أرادت أن تُظهر القراءة بوصفها تجربة شخصية، تتجاوز اللغة إلى الإحساس، والورق إلى الوجدان.
خولة المجيني.. فلسفة الشعار: كل قارئ يعيش قصته الخاصة
تبدأ خولة المجيني حديثها بابتسامة تحمل يقينًا بأن الكتاب لا يعيش إلا حين يُقرأ، قائلة:
“أردنا من خلال شعار هذه الدورة أن نسلط الضوء على التجربة الخاصة التي يعيشها كل قارئ مع الكتاب، فكل قراءة هي حكاية منفصلة، وكل قارئ يرى النص بعين تجربته ومزاجه وذاكرته.”
وتضيف أن العلاقة بين القارئ والكتاب لا تخضع لقواعد ثابتة؛ فربما يضحك قارئ من مشهد يثير في آخر الخوف أو الحزن، وربما يجد أحدهم في الصفحة ما لا يراه غيره إطلاقًا.
إنها، كما تقول، تجربة ذاتية خالصة، فيها تتشكل المشاعر وتُعاد كتابة الحكاية من منظور كل عين تقرأ.
وتوضح المجيني أن شعار “بينك وبين الكتاب” جاء ليعيد التذكير بهذه الخصوصية، ويؤكد أن القراءة ليست سباقًا للمعرفة فحسب، بل مساحة للدهشة والاكتشاف الداخلي.
فالقارئ حين يضع خطًا تحت جملة أحبها، أو يدون ملاحظة في الهامش، إنما يترك أثرًا شخصيًا في النص، وكأنه يشارك المؤلف في إعادة صياغة المعنى.

الجانب الإنساني للقراءة.. حين يصبح الكتاب مرآة للنفس
تصف المجيني القراءة بأنها حوار صامت بين الإنسان وذاته، وأن المعرض هذا العام أراد أن يسلط الضوء على هذا الجانب الإنساني العميق.
تقول:
“الكتاب ليس جمادًا، إنه كائن حيّ يتشكل داخلنا. كل قارئ يعيد إحياء النص من جديد، ويكتبه بطريقة مختلفة في ذهنه.”
وترى أن الكتاب الحقيقي هو الذي يوقظ في القارئ مشاعره الخفية، فيجعله يضحك حينًا ويخاف حينًا آخر ويتأمل طويلاً، لأن القراءة ليست ترفًا ثقافيًا، بل تجربة وجودية تعيد ترتيب علاقتنا بالعالم وبأنفسنا.
وتضيف أن أحد أهداف المعرض هذا العام هو جعل الزائر يلمس هذا المعنى في كل زاوية: من تصميم الأجنحة، إلى مسارات الفعاليات، إلى طريقة عرض الكتب، وكأن الشعار “بينك وبين الكتاب” يتحول إلى رحلة حسية وفكرية متكاملة يعيشها الزائر منذ دخوله المعرض وحتى مغادرته.
المؤثرون في المشهد الثقافي.. تكامل لا تنافس
في السنوات الأخيرة، شهد معرض الشارقة الدولي للكتاب حضورًا لافتًا للمؤثرين وصناع المحتوى، وهو حضور أثار نقاشًا واسعًا حول دورهم في المشهد الثقافي الحديث.
توضح المجيني أن هذا الحضور ليس بديلاً عن الكتاب أو الكاتب أو الناشر، بل جزء من منظومة متكاملة تخدم الثقافة في شكلها العصري.
“نحن لا ننظر إلى المؤثرين كظاهرة مؤقتة، بل كجزء من مشهد متطور للتواصل الثقافي.
وجودهم في المعرض هو جسر يربط بين الأجيال الجديدة والكتاب، وبين المحتوى الرقمي والورقي.”
وتشير إلى أن كثيرًا من المؤثرين الذين يُستضافون في فعاليات المعرض هم أصحاب تجارب أدبية أو فكرية حقيقية، سواء من خلال كتب منشورة أو محتوى ثقافي متخصّص، وأن اللجنة المنظمة تختارهم بعناية وفق معايير محددة تتعلق بجودة المحتوى وتأثيره الإيجابي، وليس بعدد المتابعين فقط.
معايير دقيقة لاختيار المؤثرين الثقافيين
تؤكد خولة المجيني أن اختيار المؤثرين المشاركين في فعاليات المعرض يتم وفق منهجية دقيقة تراعي المضمون قبل الشكل، والمحتوى قبل الشهرة.
فليس كل من يمتلك منصة رقمية يصلح ليكون صوتًا ثقافيًا، بل يجب أن يكون لديه علاقة حقيقية بالكتاب والمعرفة.
وتضيف:“معظم المؤثرين الذين نستضيفهم هم من المهتمين بالقراءة، بعضهم بدأ حياته كقارئ في المعرض نفسه، ثم تحول إلى صانع محتوى أدبي أو ناقد رقمي، وهذا ما نراه تحولًا نوعيًا مهمًا في المشهد الثقافي العربي.”
وترى المجيني أن هذا التحول دليل على أن الكتاب لا يزال يحتفظ بسحره حتى في عصر الشاشات، فالمؤثرون حين يتحدثون عن القراءة على منصاتهم، يسهمون في توسيع دائرة الوعي الثقافي، ويقربون الكتاب من جيل لم يعتد التفاعل مع الورق.
منصة التواصل الاجتماعي في المعرض.. مساحة فكرية جديدة
تتحدث المجيني عن الدور الذي تلعبه منصة التواصل الاجتماعي في معرض الشارقة الدولي للكتاب، موضحة أنها لم تُنشأ بهدف ترفيهي أو دعائي، بل لتكون مساحة فكرية مفتوحة للنقاش وتبادل الخبرات بين المؤثرين والكتّاب والقراء.
“نحرص أن تكون هذه المنصة امتدادًا لفلسفة المعرض، فهي تتيح للمؤثرين في مجال الثقافة أن يناقشوا تجاربهم في الكتابة والقراءة وصناعة المحتوى، وأن ينقلوا شغفهم إلى جمهور أوسع، خاصة من فئة الشباب.”
وترى أن هذه المساحة تُمثل أحد الجسور الجديدة بين الثقافة التقليدية والرقمية، وتعبّر عن رؤية الشارقة المستقبلية التي تسعى إلى توظيف أدوات العصر لخدمة الفكر والوعي، لا العكس.
الشارقة.. مدينة لا تنام على الورق
حين تتحدث خولة المجيني عن الشارقة، يتبدى في صوتها افتخار واضح بدور الإمارة الثقافي العالمي.
فمعرض الشارقة الدولي للكتاب، كما تقول، لم يعد مجرد تظاهرة سنوية للكتب، بل مشروع حضاري طويل الأمد، يقوده صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، برؤية تؤمن بأن الثقافة هي أساس بناء الإنسان والمجتمع.
“كل دورة من المعرض هي رسالة جديدة من الشارقة إلى العالم، تقول إن الكتاب لا يزال قادرًا على جمع الشعوب وصنع الحوار، مهما اختلفت اللغات والوسائط.”
وترى أن الإقبال الكبير على الدورة الحالية، من جميع الفئات والأعمار، هو برهان حيّ على نجاح الرؤية الثقافية للإمارة التي استطاعت أن تجعل من الكتاب محورًا للحياة اليومية، لا حدثًا موسميًا عابرًا.
بينك وبين الكتاب.. فلسفة حياة
في ختام حديثها، تختصر خولة المجيني فلسفة المعرض بعبارة تعبّر عن عمق التجربة:
“حين تمسك بكتاب، لا تمسك مجرد أوراق، بل تمسك قصة، وربما تمسك نفسك في مرآة الكلمات.”
وتضيف أن الشعار “بينك وبين الكتاب” ليس شعار دورة واحدة، بل دعوة دائمة إلى بناء علاقة شخصية مع القراءة، علاقة تشبه الصداقة التي تتجدد في كل صفحة، وتكبر مع كل تجربة.
ففي زمنٍ تتنازع فيه الشاشات انتباهنا، يذكّرنا المعرض بأن الكتاب ما زال أقرب رفيق للإنسان، وأن المسافة بيننا وبينه لا تُقاس بالوقت أو التكنولوجيا، بل بالنبض، وبقدرتنا على الإصغاء لما يقوله لنا في صمت.

القراءة.. فعل حب لا ينتهي
هكذا يتجلى في كلمات خولة المجيني جوهر الرسالة التي يحملها معرض الشارقة الدولي للكتاب منذ انطلاقه:
أن القراءة ليست واجبًا ثقافيًا، بل فعل حبّ إنساني، وأن الكتاب ليس ماضيًا يحنّ إليه الناس، بل حاضر حيّ يتنفس في عقولهم.
وما بين القارئ والكتاب، هناك دائمًا حكاية لا تشبه غيرها، تُكتب في الصمت، وتُقرأ بالقلب، وتبقى ما بقي الإنسان يبحث عن ذاته بين السطور.
