الشارقة – السابعة الاخبارية
رئيس بعثة اليونان، في قلب معرض الشارقة الدولي للكتاب، حيث تتلاقى اللغات وتتقاطع الثقافات، تحضر اليونان هذا العام كضيف شرف لتقود رحلة جديدة من الحوار والإبداع نحو الشرق. رحلة لا تقتصر على عرض التراث الكلاسيكي، بل تمتد لتقديم وجه اليونان الحديث بثقافته وأدبه وفنونه، في مشهد يعكس عمق التواصل الحضاري بين المتوسط والعالم العربي وهذا ما تحدث عنه رئيس بعثة اليونان.
في هذا الإطار، أجرت اليوم السابع حواراً مع الدكتورة سيسي باباثاناسيو، رئيسة لجنة الآداب في وزارة الثقافة اليونانية ورئيسة البعثة المشاركة في المعرض، التي تحدثت بشغف كبير عن أهمية هذا الحدث، وعن العلاقة التي تجمع بين الثقافة العربية واليونانية، مؤكدة أن الشارقة اليوم تمثل منارة ثقافية عالمية فريدة من نوعها.
رئيس بعثة اليونان: الشارقة منارة للثقافة العالمية
تقول باباثاناسيو في مستهل حديثها:
“أشعر بسعادة وفخر كبيرين بوجود اليونان في هذا الحدث الثقافي العالمي، فإمارة الشارقة اليوم تعد منارة للثقافة العربية والعالمية، بفضل الرؤية الحكيمة لصاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، الذي جعل من الثقافة جسراً للتنمية الإنسانية.”
وتضيف أن ما تقدمه الشيخة بدور بنت سلطان القاسمي من جهود كبيرة في إدارة وتنظيم هذا الحدث يؤكد أن الشارقة أصبحت مركزاً محورياً للتواصل بين الشرق والغرب. “حين يُذكر اسم الشارقة، يُذكر معه الحديث عن الإبداع والمعرفة، وهذا أمر نادر الحدوث في عالمنا اليوم”، كما تقول.

تنظيم مبهر وبرامج تلهم الأجيال
وعن تقييمها للتنظيم العام للمعرض، تؤكد رئيسة البعثة اليونانية أن المعرض هذا العام يقدم نموذجاً متقدماً في الإدارة الثقافية:
“لقد شاركت في مؤتمرات كثيرة حول العالم، لكن مؤتمر الناشرين الدولي في الشارقة هو من أقوى ما شهدته في مسيرتي المهنية.”
وتشير إلى أن البرامج التعليمية الموجهة للأطفال واليافعين في المعرض تعكس وعياً حقيقياً بأهمية بناء جيل قارئ ومبدع.
“الإقبال الكبير من الشباب على القراءة يمنحني الأمل بأن المستقبل للمعرفة”، تقول بابتسامة تعكس إيمانها العميق بأن الثقافة يمكنها أن تغيّر العالم.
جناح اليونان.. سفينة فكرية تبحر في بحر الثقافة
يُعد جناح اليونان هذا العام من أكثر الأجنحة جذباً للزوار بتصميمه الفريد.
“حرصنا على أن يكون الجناح أكثر من مجرد مساحة عرض، بل تجربة فكرية وبصرية متكاملة”، تقول باباثاناسيو.
صُمم الجناح على شكل سفينة أثينية قديمة ترمز إلى انتقال الفكر الإغريقي إلى العالم، وإلى كون اليونان جسراً ثقافياً بين الشرق والغرب. على جانبي السفينة مجاديف تحمل رموزاً لدفّتين: إحداهما تمثل الإبداعات الأدبية اليونانية، والأخرى الترجمات المشتركة بين العربية واليونانية. وفي المنتصف طاولة مستديرة تجمع الزوار والمبدعين في حوار مفتوح، لأن “الثقافة تُبنى بالحوار، لا بالعرض فقط”، على حد قولها.
رحلة الأدب اليوناني من الكلاسيكية إلى الحداثة
داخل الجناح، يجد الزائر معرضاً مصغراً يوثق رحلة الأدب اليوناني عبر العصور، من الحقبة البيزنطية حتى الأدب الحديث.
تُعرض فيه أعمال كبار الأدباء مثل جورجيوس سفريس وأوديسياس إليتيس، الحائزين على جائزة نوبل للأدب، إلى جانب مخطوطات نادرة وقطع أثرية تسلط الضوء على تطور الكتابة والفكر في الحضارة اليونانية.
وفي قلب الجناح، شجرة الزيتون تتوسط المشهد، رمزاً للسلام والعطاء، وجذوراً تمتد نحو الإنسانية جمعاء.
“شجرة الزيتون ليست رمزاً يونانياً فقط، بل رمز للخلود، كما هي الثقافة التي تمنح الحياة أينما وُجدت”، تقول باباثاناسيو.
وجه اليونان الجديد.. ثقافة تتجدد بالحوار
توضح رئيسة البعثة أن الهدف من المشاركة هذا العام هو تقديم صورة شاملة عن اليونان الحديثة بأدبها وفكرها وفنونها المعاصرة، وليس فقط الاحتفاء بماضيها المجيد.
“العالم العربي يعرف الكثير عن اليونان القديمة، لكن حان الوقت ليكتشف وجهها الثقافي الجديد، وجه الإبداع الحديث الذي يربط بين التراث والتجديد.”
كما تؤكد أن هذه المشاركة تسعى إلى بناء شراكات ثقافية ومؤسسية مستدامة بين اليونان والعالم العربي، خصوصاً في مجالات النشر والترجمة والفنون المشتركة.
وفد يضم نخبة المثقفين والمبدعين
تشارك اليونان بوفد ضخم يضم أكثر من 70 شخصية من الأدباء والأكاديميين والمترجمين والفنانين والناشرين.
“نحن هنا تحت مظلة واحدة لتعزيز التواصل الثقافي، وهذه المشاركة ليست بداية جديدة بل امتداد لتاريخ طويل من العلاقات بيننا وبين العالم العربي”، توضح باباثاناسيو.
وتؤكد أن الوفد يعمل حالياً على وضع أسس لتعاون مؤسسي دائم بين الجانبين، بما يفتح آفاقاً جديدة في التبادل الأدبي والفني.
برنامج ثقافي غني بالفعاليات والحوارات
يحمل البرنامج الثقافي لليونان في المعرض شعار “الأدب اليوناني.. الرحلة الطويلة”، ويتضمن مجموعة واسعة من الفعاليات التي تعكس تنوع المشهد الثقافي في البلاد.
تشمل الفعاليات جلسات عن المونودراما اليونانية المعاصرة، وأخرى بعنوان “الشعر اليوناني المعاصر.. أصداء بالعربية”، حيث تُقدَّم قراءات شعرية بلغتي البحر المتوسط: اليونانية والعربية، ضمن أنطولوجيا شعرية تجمع بين شعراء من الجانبين.
كما يقدم الوفد عرضاً مسرحياً خاصاً بعنوان “فيلوكيتيس” مستوحى من الأساطير الإغريقية، إضافة إلى عروض موسيقية يومية تمزج بين الشعر والموسيقى.
وللأطفال نصيب وافر من خلال ورش تفاعلية بعنوان “الحياة والكتابة”، تعرّفهم بتاريخ التعليم والفنون في اليونان بأسلوب ممتع ومبسط.
المطبخ اليوناني.. نكهة الثقافة المتوسطية
لم تغب عن الفعاليات لمسة الذوق، إذ يخصص الجناح جلسات تفاعلية حول المطبخ اليوناني، الذي يمثل جزءاً أصيلاً من الهوية الثقافية.
“الثقافة ليست أدباً وفناً فقط، بل أيضاً ذوق وحسّ إنساني مشترك، والمطبخ اليوناني هو جسر آخر للتقارب بين الشعوب”، تقول باباثاناسيو.
هذه الجلسات تجمع بين الحواس والمعرفة، وتبرز العلاقة بين المذاق والتراث، في تجربة تتيح للزوار تذوق التاريخ على نكهة المتوسط.
رسالة اليونان إلى العالم من الشارقة
تختتم رئيسة البعثة حديثها بتأكيد أن مشاركة بلادها في معرض الشارقة الدولي للكتاب تتجاوز حدود الاحتفاء بالحضارة القديمة، لتؤكد أن الإبداع الإنساني مستمر ومتجدد.
“مشاركتنا ليست احتفالاً بالماضي فقط، بل تأكيد على أن الإبداع لا يعرف حدوداً زمنية. نحن نؤمن أن الثقافة هي المركب الأجمل الذي يوصل الشعوب نحو فهم أعمق لبعضها البعض.”

وتضيف بابتسامة:
“الشارقة اليوم هي الميناء الذي تنطلق منه هذه الرحلة الحضارية إلى المستقبل، ونحن سعداء بأن نكون جزءاً منها.”
ختاماً، تؤكد مشاركة اليونان في معرض الشارقة الدولي للكتاب أن الثقافة تظل لغة العالم المشتركة، وأن الحوار الأدبي والفني بين الشعوب هو السبيل لبناء مستقبل أكثر إنسانية، حيث تمتد جسور الفكر من أثينا إلى الشارقة، ومن المتوسط إلى كل أفق جديد من الإبداع.
