الشارقة – السابعة الاخبارية
الجناح السعودي، شهد معرض الشارقة الدولي للكتاب 2025 جلسة فكرية مميزة ضمن فعاليات الجناح السعودي، جاءت بعنوان “القصص المصوّرة في العالم العربي: قفزة جديدة نحو التنوير الثقافي”، وقدّمتها الدكتورة حصّة المفرّح، أستاذة الأدب والنقد بجامعة الملك سعود. الجلسة شكلت مساحة حوارية حول مكانة هذا الفن في المشهد الثقافي العربي، وتحولاته خلال العقود الأخيرة، وقدرته على الانطلاق من إطار الترفيه إلى فضاءات أوسع من التأثير المعرفي والاجتماعي.
الجناح السعودي… منصة لعرض تحوّل جذري في فهم القصص المصوّرة
في قلب فعاليات المعرض، جذب الجناح السعودي زواراً كثراً عبر جلساته التي تربط بين الأدب والفنون البصرية. وفي هذه الجلسة تحديداً، أوضحت الدكتورة المفرّح أن فنّ القصص المصوّرة لم يعد مجرد مادة ترفيهية للأطفال، كما كان شائعاً في الماضي، بل أصبح اليوم وسيلة من وسائل الوعي الجمعي وأداة للتنوير الثقافي.
وتأتي أهمية هذه الجلسة لتنسجم مع شعار المعرض لهذا العام “بينك وبين الكتاب”، الذي يؤكد على أن الكتاب لم يعد حكراً على الشكل الورقي التقليدي، بل توسّع ليشمل أشكالاً مختلفة من السرد، ومنها السرد المصوّر الذي يجمع بين الكلمة والصورة في بناء واحد متكامل.

من الترفيه إلى التنوير… القصص المصوّرة تتقدّم في الوعي العربي
تحدثت الدكتورة المفرّح عن التحولات التي شهدها هذا الفن في العالم العربي خلال السنوات الأخيرة، مؤكدة أن نظرة المجتمع إليه تغيّرت تغيّراً كبيراً. فبعد أن كانت القصص المصوّرة تُصنَّف كوسيلة ترفيهية تستهدف الأطفال، باتت اليوم منصة تعبّر عن القضايا الوطنية والإنسانية، وتقدّم محتوى نقدياً واجتماعياً يعكس هموم المجتمع وطموحاته.
وأشارت إلى أن هذا التطور لم يحدث فجأة، بل كان نتاج تراكم طويل، بدأ مع المجلات المصوّرة التي عرفتها الأجيال السابقة مثل مجلة “ماجد” في الإمارات و**”باسم”** في السعودية، وهما من أبرز المجلات التي أسهمت في تشكيل وعي بصري وسردي لدى القراء الصغار. وأضافت أن هذه التجارب ساعدت على جعل هذا الفن جزءاً من ذاكرة الأطفال في العالم العربي، تمهيداً لانتقاله لاحقاً إلى دور أكبر وأكثر تأثيراً.
الصورة والكلمة… علاقة متكاملة تفتح أبواب السرد الحديثة
أحد المحاور الأساسية التي ركزت عليها الدكتورة المفرّح كان خصوصية السرد المصوّر مقارنة بالأشكال البصرية الأخرى. أوضحت أن القصص المصوّرة ليست رسوماً عابرة أو لقطات ساخرة كما في الكاريكاتير؛ بل تعتمد على تسلسل سردي مرتبط بالأحداث والشخصيات. فالصورة هنا ليست للزينة أو التوضيح، بل جزء أصيل من النص، لا تكتمل دلالته إلا بها.
وبيّنت أن الكاريكاتير يعتمد على لقطة واحدة تختزل موقفاً أو نقداً، بينما تحتاج القصة المصوّرة إلى بناء متكامل يشبه الرواية المصغرة، يتيح للخيال العمل بحرية ضمن إطار بصري لغوي متشابك. وهذا ما يجعلها أكثر قدرة على الوصول إلى فئات واسعة من الجمهور، خصوصاً الشباب الذين يميلون إلى المحتوى البصري السريع والمباشر.
في الجذور… العرب ليسوا بعيدين عن لغة الصورة
ولم تغفل الدكتورة المفرّح الحديث عن الجذور التاريخية للسرد المصوّر، مشيرةً إلى أن هذا الفن، على الرغم من انتشاره الواسع في الغرب، له جذور عميقة في الثقافة العربية. فالعرب في حضاراتهم القديمة استخدموا الصور والنقوش لشرح الحكايات وتوثيق الأحداث، ما يشير إلى حضور مبكر لفكرة الربط بين السرد والصورة.
وأضافت أن التأسيس الحقيقي للسرد المصوّر الحديث بدأ في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، ثم انتقل إلى العالم العربي تدريجياً عبر المجلات المترجمة والمحلية، قبل أن يأخذ شكله المستقل في تجارب عربية رائدة عُرفت خلال القرن العشرين.
هذا الطرح يعكس رؤية الجناح السعودي في المعرض، وهي ربط الحاضر بالماضي، وقراءة التطورات الإبداعية كامتداد لتاريخ ثقافي طويل.
السياسة والمجتمع… قضايا كبيرة في إطار فني مبسّط
أحد الجوانب التي أثارت اهتمام الحضور كان حديث الدكتورة المفرّح عن قدرة القصص المصوّرة على التعامل مع القضايا السياسية والاجتماعية الكبرى دون تعقيد، بأسلوب بسيط لكنه عميق التأثير. وقدّمت مثالاً بارزاً على ذلك في القضية الفلسطينية، التي وجدت في السرد المصوّر مساحة واسعة للتعبير عن المعاناة والحق والهوية.
فالفن هنا لا يكتفي بتقديم قصة، بل يُسهم في تشكيل وعي جيل جديد، يعيد قراءة الواقع من خلال اللغة البصرية التي تجمع بين الرمزية والدقة. وتوضح هذه النقطة كيف تحول هذا الفن إلى منصة حقيقية للدفاع عن الحقوق، ونشر الوعي، وتقديم رسائل إنسانية بلغة يفهمها العالم.
لماذا اليوم؟… إيقاع العصر يدفع نحو السرد البصري
في ختام الجلسة، أكدت الدكتورة المفرّح أن القصص المصوّرة أصبحت فناً يتناسب مع إيقاع العصر، خصوصاً لدى الشباب الذين يتلقون المعلومات بسرعة ويتفاعلون أكثر مع الصورة. فالجمع بين الجاذبية البصرية وسرعة الفكرة يجعل هذا الفن وسيلة مثالية للتواصل الثقافي، ونافذة تعكس الوعي العربي بروح معاصرة.
وأضافت أن ما يشهده العالم العربي اليوم من طفرة في الإنتاج الإبداعي، سواء عبر المبادرات الفردية أو المؤسسات الثقافية، يساهم في تعزيز مكانة هذا الفن بوصفه جزءاً من المشهد الإبداعي العام، وليس مجرد نشاط هامشي.
الجناح السعودي… دور ثقافي متجدد في معرض الشارقة
اختيار الجناح السعودي لتسليط الضوء على هذا الفن ضمن فعاليات معرض الشارقة الدولي للكتاب 2025 لم يكن اختياراً عابراً. فهو يأتي ضمن رؤية ثقافية شاملة تسعى إلى عرض التجارب العربية الحديثة وتقديم محتوى يتفاعل مع تطلعات الجيل الجديد، مع الحفاظ على الأصالة الفنية والمعرفية.
من خلال هذه الجلسة، استطاع الجناح السعودي أن يقدم صورة واضحة عن الدور الذي تلعبه القصص المصوّرة في تشكيل الوعي العربي، وأن يعيد طرحها كفن قادر على التعبير العميق والتأثير الواسع.

ختاماً… القصص المصوّرة ليست ترفيهاً عابراً بل لغة جديدة للثقافة
جاءت جلسة الجناح السعودي لتضع فنّ القصص المصوّرة في مكانه الحقيقي ضمن الساحة الثقافية العربية. فقدمت رؤية معمقة حول تطوراته، وجذوره، وتأثيره المتصاعد في تشكيل الوعي المجتمعي، خصوصاً في زمن تتسارع فيه التقنيات وتتداخل فيه الفنون.
وفي سياق معرض الشارقة الدولي للكتاب 2025، بدت هذه الجلسة جزءاً من الحركة الثقافية الكبرى التي يقودها المعرض لتعزيز الحوار والتنوير، ولتأكيد أن الثقافة ليست ثابتة، بل تتجدد وتعيد تشكيل نفسها باستمرار، تماماً كما تفعل القصص المصوّرة حين تمنح الكلمة جسداً، وتحوّل الصورة إلى حكاية تنبض بالحياة.
