الشارقة – السابعة الاخبارية
فنانتان، في مشهد إنساني نابض بالقوة والجمال، احتضن معرض الشارقة الدولي للكتاب في دورته الـ44 واحدة من أكثر الفعاليات تأثيرًا على الزوار، وهي ورشة الرسم التي حملت عنوان “أهمية القراءة”، بمشاركة فنانتان من نادي دبي لأصحاب الهمم. ورشة امتزجت فيها الإرادة بالفن، وتحولت إلى رسالة ملهمة حول قدرة الإبداع على تجاوز الحدود، وتسليط الضوء على دعم الشارقة الدائم للشمول الثقافي وتمكين المواهب من مختلف الفئات.
هذه الورشة لم تكن مجرد مساحة للرسم، بل كانت مساحة للبوح، ومنصة لظهور قدرات استثنائية لفنانات يعرفن جيدًا أن الفن ليس مجرد أداة، بل طريق لحكاية الذات، ولإعادة تعريف ما يمكن للإنسان أن يصنعه حين يمتلك الشغف.
فنانتان من فئتين مختلفتين.. ورسالة واحدة
شاركت في الورشة الفنانتان عائشة الشامسي وفاطمة سبيل؛ الأولى تنتمي إلى الفئة الحركية، والثانية إلى الفئة السمعية، لكن ما يجمعهما كان أكبر من أي اختلاف: القدرة على تحويل التحدي إلى لوحة تنبض بالحياة.
قبل بدء الورشة جهزت الفنانتان خطوطهما الأولية بقلم الرصاص، وكأنهما تكتبان مقدمة لكتاب طويل من التجارب. ثم بدأتا العمل على لوحات تعبر عن معنى القراءة، وكيف يمكن للكتاب أن يكون مصدر قوة وإلهام، مهما اختلفت الظروف.
عائشة الشامسي.. فرشاة تُمسك بالفم وإبداع لا يلين
جلست عائشة الشامسي أمام لوحتها في هدوء، ثم أمسكت الفرشاة بفمها، في لحظة أثارت إعجاب كل من كان يشاهدها. لا يملك من يراقبها إلا أن يقف أمامها احترامًا، وهي ترسم بخطوط ثابتة وألوان زيتية غنية لوحة “لايف” تجسد مفهوم القراءة بطريقة بصرية آسرة.
كان أمامها نموذج صغير لتمثال يجلس فوق مجموعة من الكتب في وضعية تأمل عميق. بدا وكأن عائشة تعيد خلق هذا التمثال ولكن من منظورها الخاص، لتقول بأن القراءة ليست مجرد فعل يومي، بل حالة وعي وتأمل، ومفتاحًا لفهم العالم.
حركة الفرشاة التي تقودها بعناية، رغم صعوبة الإمساك، كانت تعكس روحًا قوية لا تعرف الاستسلام. ومع كل لمسة لون، كانت تكتب رسالة صامتة بأن الإرادة وحدها كافية لتحويل المستحيل إلى واقع.

فاطمة سبيل.. روحية التأمل على ورق الفحم
على مقربة من عائشة جلست فاطمة سبيل، التي تنتمي إلى الفئة السمعية، لتبدأ رحلتها الفنية بالرصاص والفحم. مزيج من الخطوط الدقيقة والظلال الهادئة التي أخفت وراءها خبرة حقيقية ونفسًا عميقًا في التعامل مع الفن بوصفه وسيلة للتعبير والتأمل.
لوحتها بدت كصفحة من كتاب مفتوح، كتاب يفيض بالخيال والأسئلة والأفكار، وكأنها تحاول أن تقول إن القراءة لا تبني العقل فقط، بل تفتح ممرات جديدة للخيال وتخلق عوالم موازية لا حدود لها.
اختارت فاطمة الأسلوب الأحادي في الرسم، فابتعدت عن الألوان لصالح التركيز على الضوء والظل، وكأنها تريد إبراز الفكرة لا الشكل، والمعنى لا التفاصيل. تلك اللغة الخاصة التي تحدثت بها خطوطها تركت أثرًا كبيرًا لدى الجمهور الذي وقف يشاهدها في صمت احترامًا.
بلال المرديني.. يدٌ تدعم وأخرى تُرشد
لم تكن الفنانتان وحدهما في المشهد، فقد وقف بجانبهما الفنان التشكيلي بلال المرديني، المسؤول عن مركز الرسم في نادي دبي لأصحاب الهمم، والذي كان واضحًا في نظراته وفخره ما تعنيه هذه اللحظة بالنسبة له وللنادي.
كان المرديني يتابع كل خطوة، يجهز الأدوات، ويدعم الفنانتين بكلمات تشجيعية وتوجيهات بسيطة، وكأنه يشارك في اللوحة دون أن يمسك الفرشاة. وقال خلال الورشة:
“نحن فخورون بمشاركة نادي دبي لأصحاب الهمم في معرض الشارقة الدولي للكتاب 2025. هذه المساحة منحتنا فرصة لعرض القدرات الإبداعية لأعضائنا أمام جمهور واسع. أنا فخور جدًا بعائشة وفاطمة، بما قدمتاه من التزام وجمال وإصرار، وأتمنى أن تصل رسالتهما لكل من يظن أن للإبداع حدودًا.”
كلماته هذه كانت بمثابة عنوان آخر للحكاية، عنوان يؤكد أن الفن حين يُمنح المساحة والدعم، يصبح وسيلة لتغيير نظرة المجتمع، ولتأكيد أن الجميع قادرون على العطاء.
رؤية نادي دبي لأصحاب الهمم.. تمكينٌ ثقافي وفني
ومن جانبها، قالت سميرة بن حمزة من إدارة الأنشطة المجتمعية بالنادي، إن هذه المشاركة تنسجم تمامًا مع رؤية النادي في تمكين أصحاب الهمم وإبراز مواهبهم، وتعريف المجتمع بقدراتهم الفعلية ودورهم الملموس في المشهدين الثقافي والفني.
وأضافت:
“نحن نحرص في النادي على تمكين أعضائنا من التعبير عن ذواتهم بوسائل مختلفة، ومنحهم الفرص للمشاركة في المحافل الثقافية الكبرى مثل معرض الشارقة الدولي للكتاب، لأننا نؤمن بأن الفن والثقافة هما لغة الجميع.”
هذه الكلمات تلخص الهدف الحقيقي لكل ما يجري: كسر الحواجز، وإعادة تعريف المشاركة الثقافية بوصفها حقًا أساسيًا للجميع، دون استثناء.

ورشة تتحول إلى احتفال بالإنسان
لم يكن ما حدث مجرد ورشة رسم، بل كان مشهدًا إنسانيًّا عميقًا، تتداخل فيه الإرادة مع الموهبة والابتسامة مع الإنجاز، ليخرج أمام الجمهور لوحة تجسد جوهر رسالة الشارقة الثقافية: “الثقافة للجميع”.
تلك الرسالة التي تتبناها الإمارة منذ سنوات طويلة، تُترجم اليوم في أروقة المعرض على هيئة لوحات حية تُرسم بفم أو بفحم أو بخيال لا يعترف بالقيود.
ورشة “أهمية القراءة” لم تقدّم للجمهور فنًا فقط، بل قدّمت لهم درسًا في الإصرار، وكيف يمكن للإنسان أن يبني عالمه الخاص حتى لو بدا الطريق صعبًا. لقد تحولت الجلسة إلى احتفال بالإنسان أولًا، وبالإبداع ثانيًا، وبالرسالة التي تقول بأن الجمال حين يولد من التحدي، يكون أصدق وأكثر بقاءً.
