الشارقة – السابعة الاخبارية
بيرسا كوموتسي، يشكّل معرض الشارقة الدولي للكتاب هذا العام مساحة لالتقاء أصوات أدبية من مختلف الثقافات، لكن من بين هذه الأصوات يبرز حضور مميز للكاتبة والمترجمة اليونانية بيرسا كوموتسي، التي جاءت إلى المعرض محمّلة بشغف معرفي وروابط وجدانية عميقة بالإمارات.
تؤكد كوموتسي أن معارض الكتب ليست مجرد ملتقيات لعرض الإصدارات، بل فضاءات يتقاطع فيها البشر قبل النصوص، ومواطن تعيد تعريف العلاقات الإنسانية، وتُظهر أننا أكثر تشابهاً مما نتصور، مهما اختلفت اللغات والجغرافيا.
تقول كوموتسي إن هذه اللقاءات الثقافية تكسر حاجز الغربة بين الشعوب، وتُبقي الإنسان في حالة دهشة دائمة أمام قدرة الأدب على وصل ما انقطع، وتذكيرنا بأن المعرفة ليست حكراً على لغة أو مكان.
بيرسا كوموتسي في معرض الشارقة الدولي للكتاب… جسر بين الشعوب
في حديثها عن أهمية المعارض، شددت كوموتسي على أن هذه الفعاليات تمثل “المكان الأمثل لتبادل الأفكار والرؤى”، لأنها تمنح الكاتب والمترجم فرصة فريدة للالتقاء المباشر بالقراء والنقاد والمبدعين.
وترى أن الأدب، في عمقه الإنساني، قادر على إزالة سوء الفهم وكسر الحواجز التي تفرضها اللغات والسياسات وحتى المسافات.
بالنسبة لها، المعرفة جسر يعبره الناس نحو بعضهم البعض، وأن معرض الشارقة يمثّل نموذجاً حقيقياً لكيف يمكن لحدث ثقافي أن يُعيد تشكيل صورة العالم داخل الأذهان.

بيرسا كوموتسي وارتباطها الوجداني بالإمارات
جاءت مشاركة كوموتسي في الدورة الـ44 لمعرض الشارقة الدولي للكتاب نتيجة علاقة شخصية عميقة نشأت خلال عملها على ترجمة الشعر الإماراتي إلى اليونانية.
فقد ترجمت ثلاث مجموعات شعرية لشعراء إماراتيين هم: نجوم الغانم، وإبراهيم الهاشمي، وخلود المعلا.
وتقول إن هذه التجربة “كانت نافذة حقيقية” أطلّت من خلالها على المشهد الإماراتي بأبعاده الأدبية والاجتماعية والحضارية.
لم تكن الترجمة بالنسبة لها مجرد عمل لغوي؛ بل كانت رحلة وجدانية اكتشفت فيها روح المنطقة، فتلمّست دفء الضيافة العربية، ورغبة الناس في التعرّف إلى الآخر، والكرم الذي تجاوز حدود الثقافة إلى جوهر التجربة الإنسانية.
معرض الشارقة الدولي للكتاب… بوابة استلهام وتجدد
تعتبر كوموتسي أن وجود جناح اليونان ضيف شرف في المعرض هذا العام فرصة ذهبية لتقديم الأدب اليوناني الحديث إلى جمهور عربي واسع، ولبناء مساحات مشتركة للتعاون الثقافي.
وتوضح أن اليوم الأول فقط من المعرض كان مليئاً بلقاءات ووعود بمشاريع جديدة، مما يجعلها متفائلة بأن هذا الحدث سيُعيد بناء علاقة ثقافية متجددة بين البلدين.
وتضيف أنها جاءت إلى الشارقة ليس لعرض كتاب فقط، بل لتستمع أيضاً إلى القصص العربية، وتقرأ وجوه القراء، وتلتقي كتّاباً مختلفين، لأن التبادل الثقافي الحقيقي يبدأ من الحوار، وليس من الكتب وحدها.
بيرسا كوموتسي: الترجمة والكتابة توأمان لا ينفصلان
من القضايا التي شددت عليها كوموتسي في حديثها، العلاقة العضوية بين الترجمة والكتابة، إذ ترى أن العمليتين “تؤثران في بعضهما تأثيراً كبيراً”، بل وتغذي كل واحدة منهما الأخرى.
فالترجمة، برأيها، ليست عملاً تقنياً أو نقل كلمات من لغة إلى أخرى؛ إنها كتابة جديدة بنبرة مختلفة، تتطلب خيالاً وإخلاصاً وفهماً عميقاً للدلالات.
كما تتطلب قدرة على قراءة النص روحيًا، وليس لغويًا فقط، لأن الترجمة الجيدة تعيد ولادة النص في بيئة جديدة دون أن تفقده روحه.
وتوضح أن الترجمة تمنح الكاتب خبرة حساسة في التعامل مع اللغة، بينما تمنح الكتابة المترجم قدرة على التقاط ما بين السطور.
وفي الحالتين، هناك رضا روحي وجمالي يجعل المترجم والكاتب يقفان في المساحة ذاتها من الشغف والعطاء.
معرض الشارقة الدولي للكتاب… نافذة على الأدب اليوناني الحديث
على الرغم من أن العرب يعرفون الأدب اليوناني الكلاسيكي عبر تاريخه العريق، تُشير كوموتسي إلى وجود فجوة كبيرة في الاطلاع على الأدب اليوناني الحديث.
ولهذا تسعى من خلال مشاركتها في المعرض إلى تعريف القراء العرب بكتّاب معاصرين، وتجارب جديدة في الرواية والشعر والقصة.
وتقول: “بدأنا بتبادل العناوين والكتب الحديثة معكم، وما زلنا فقط في اليوم الأول من المعرض، وهذا يبشر بالكثير”.
وترى أن الاهتمام العربي بالأدب الكلاسيكي يجب أن يتوازى مع انفتاح على النتاج الحديث، لأنه يعكس تطور المجتمع اليوناني بتغيراته الاجتماعية والسياسية والثقافية.
بيرسا كوموتسي بين عالمين: تشابه الاهتمامات رغم اختلاف الجغرافيا
وحين سُئلت عن مدى التشابه بين اهتمامات القراء العرب واليونانيين، أوضحت كوموتسي أن الجانبين يشتركان في حب الشعر، والاهتمام بالأدب الروحي والإنساني، وأن القضايا الوجودية والبحث عن المعنى تشكل قاسماً مشتركاً بارزاً.
لكنها تضيف أن لكل مجتمع خصوصيته في طريقة التعبير، وأن ما يجعل الأدب جسراً هو أن القارئ يجد في نصوص الآخر شيئاً يشبهه، حتى لو اختلفت الظروف والمجتمع.
وتؤمن بأن الأدب العربي واليوناني يلتقيان في عمق التجربة الإنسانية، وأن هذا ما يجعل الترجمة ضرورة وليست رفاهية ثقافية.
معرض الشارقة الدولي للكتاب… تجربة تعيد تشكيل الوعي الثقافي
لا تخفي كوموتسي إعجابها بالمعرض، الذي تعتبره واحداً من أقوى الأحداث الثقافية القادرة على إعادة تشكيل الوعي وفتح المجال أمام تفاعل عالمي.
ففي الشارقة، تتجاور الحضارات داخل قاعات واحدة، وتتحدث الكتب بلغات متعددة، وتُبنى جسور التعاون بين شعوب وحضارات قد لا تلتقي في أي مكان آخر بهذه السهولة.
وترى أن هذا الحضور الكثيف للقراء والكتّاب والمترجمين يعكس مكانة الشارقة كعاصمة ثقافية احتضنت الأدب العالمي بكرم واحترافية عالية.

خاتمة: بيرسا كوموتسي… صوت يوناني يضيء بالعربية
تمثل مشاركة بيرسا كوموتسي في معرض الشارقة الدولي للكتاب نموذجاً للعلاقة التي يمكن للأدب أن يبنيها بين الشعوب.
إنها علاقة لا تحتاج أكثر من كلمة، ولا تتطلب سوى رغبة صادقة في الفهم والتقارب.
ومن خلال تجربتها، تؤكد أن الترجمة ليست نقلاً، بل حوار، وأن الثقافة هي أجمل وسيلة لاكتشاف الإنسان في الآخر.
