الشارقة – السابعة الاخبارية
إيمان بوشليبي، في حوار موسّع ضمن فعاليات معرض الشارقة الدولي للكتاب 2025، قدّمت إيمان بوشليبي، مدير إدارة المكتبات العامة في الشارقة، رؤية شاملة حول مستقبل المعرفة، وتحديات الملكية الفكرية، ودور المكتبات في عصر تتسارع فيه التكنولوجيا بوتيرة غير مسبوقة.
حديثها جاء امتدادًا لمسيرة مئوية حافلة لمكتبة الشارقة العامة، ولحضور ثقافي تُثبت الإمارة من خلاله أنها ليست مجرد مدينة محبة للكتاب، بل بيئة ثقافية متكاملة تُصنع فيها المعرفة وتُدفع إلى المستقبل بثقة.
إيمان بوشليبي: الذكاء الاصطناعي تحدٍ جديد للملكية الفكرية وحقوق النشر
تؤكد إيمان بوشليبي أن الذكاء الاصطناعي، رغم الإمكانات الهائلة التي يقدمها، يخلق تحديات دقيقة في ميدان حقوق النشر. فمع قدرة الأنظمة الذكية على إنتاج النصوص والصور والمواد المعرفية، بات من الضروري – بحسب قولها – تطوير منظومات حماية موازية لهذا التطور المتسارع.
وترى أن النقاشات داخل ملتقيات المكتبات في الشارقة تذهب بعمق إلى هذه القضية، لأن حماية حقوق المؤلف والناشر لم تعد مسؤولية جهة واحدة، بل مسؤولية مشتركة تتطلب تعاونًا دوليًا ومعايير جديدة تناسب العصر الرقمي.
وتشير إلى أن الفجوة بين الناشر العربي والأجنبي ما تزال قائمة، إذ تعاني المنطقة العربية من ضعف في منظومة حماية المحتوى الإلكتروني، وهو ما يدفع المكتبات لمطالبة الناشرين بتوفير نسخ إلكترونية آمنة، بعيدة عن الصيغ التقليدية مثل PDF التي تُعد الأقل حماية والأسهل في التداول غير القانوني.

مئوية مكتبة الشارقة العامة… قرن من المعرفة يتجدد
عام 2025 ليس عامًا عاديًا في الشارقة؛ فهو يحتضن الاحتفال بمرور مائة عام على تأسيس مكتبة الشارقة العامة، المولودة عام 1925 تحت مسمى “المكتبة القاسمية”، والتي كانت مكتبة خاصة بحاكم الشارقة آنذاك قبل أن تتحوّل تدريجيًا إلى مكتبة عامة ترسّخ حضورها كبيت للمعرفة وواجهة ثقافية للإمارة.
وتروي بوشليبي كيف استقرت المكتبة في عدة مواقع خلال العقود الماضية، قبل أن تُعاد صياغتها في الثمانينيات بصورتها الحديثة اليوم. وتضيف أن الاحتفال بالمئوية لم يكن مجرد حدث تاريخي، بل محطة لإبراز الدور المحوري للمكتبة في تشكيل الوعي الثقافي، حيث أعاد الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي افتتاحها في موقعها التاريخي داخل متحف الحصن، وسط حضور ثقافي ورسمي واسع.
وتصف “اللمسة الأجمل” في الاحتفال بأنها المحافظة على الكتب الأصلية منذ تأسيس المكتبة، والحرص على عرضها في موقعها القديم داخل الحصن، لترسيخ ذاكرة المكان والكتاب معًا.
مشروع ثقافي متكامل… وشراكات تتسع للعالم
توضح بوشليبي أن مئوية المكتبة لم تكن فعالية يوم واحد، بل برنامجًا شاملاً على مدار العام شاركت فيه مؤسسات إمارة الشارقة كافة: هيئة الشارقة للمتاحف، هيئة الشارقة للتراث، هيئة الشارقة للكتاب، مؤسسة “مبادرة”، والمجلس الأعلى للأسرة، إضافة إلى أكثر من 12 مؤسسة أخرى. هذا التكامل حول الاحتفال إلى مشروع ثقافي واسع، اتسعت أنشطته لتشمل الشعر، والكتابة، والترجمة، والفنون، وثقافة الطفل.
كما زار الشارقة وفود دولية من مكتبات وطنية ومراكز ترجمة من فرنسا وإيطاليا، ما يعكس مكانة الإمارة على الخريطة الثقافية العالمية. وترى بوشليبي أن اختيار الشارقة ضيف شرف في العديد من المعارض الدولية لم يأتِ من فراغ، فهي تقدم نموذجًا ثقافيًا متكاملاً يضم الكاتب والناشر والمترجم والمكتبة والقارئ.
وتضيف أن عرض مسرحية “الخنجر المرهون” بالتعاون مع الجامعة الأمريكية في الشارقة كان من أبرز الفعاليات المتصلة بالمئوية، لأنها قدّمت صورة فريدة عن علاقة الحاكم بالكتاب منذ طفولته، لتجسد بطريقة فنية أثر القراءة في بناء القيادات وصناعة الفكر.
تطوير المكتبات… بين التوازن التقني والهوية التقليدية
ترى إيمان بوشليبي أن التطور الرقمي ضرورة، لكنها ترفض النظر إلى الدور التقليدي للمكتبة باعتباره “أمراً قديماً” أو خارج الزمن. وتوضح: “التقليدي ليس شيئاً سلبياً، بل هو ما يصنع علاقة القارئ بالمكتبة”. لذلك تعمل الإدارة على تحقيق توازن مدروس بين الورقي والإلكتروني، عبر تطوير التطبيقات الذكية، وخدمة التجديد الإلكتروني للإعارات، والرسائل التفاعلية، دون فقدان روح المكتبة كمساحة للتواصل والقراءة والتفاعل الإنساني.
وتضيف أن اختلاف الأجيال فرض تنوعاً كبيراً في مصادر المعرفة: فهناك من يفضل الكتاب الورقي، وآخر يميل إلى النسخة الإلكترونية، وثالث يبحث عن الكتاب الصوتي، إلى جانب فئة من القراء الذين ينتمون إلى عالم “الكتاب الصامت” – وهو أحد الابتكارات الحديثة في عالم القراءة.
وتؤكد أن مكتبة الشارقة توفر جميع هذه الصيغ، بما فيها الكتب بطريقة برايل، والكتب ذات الخط الكبير، ومكتبة متخصصة لذوي الإعاقة البصرية، إضافة إلى أجهزة الاستماع للكتب الصوتية.

اقتناص عناوين جديدة… ورؤية استراتيجية للمعرفة
ضمن منحة حاكم الشارقة البالغة 4.5 مليون درهم لاقتناء إصدارات دور النشر المشاركة في المعرض، توضح بوشليبي أن اختيار الكتب يتم عبر لجنة اقتناء متخصصة تشكل سنويًا، تضم خبراء الفهرسة والتزويد. ويتم اختيار العناوين وفق معايير دقيقة تشمل حركة الإعارة داخل المكتبات، وطلبات الجمهور، واستكمال المجموعات، إضافة إلى الطلبات الإلكترونية عبر رموز QR.
وتشير إلى أن التعاون المبكر مع الناشرين قبل المعرض يساعد على توفير العناوين الأكثر طلبًا، خاصة مع وجود أكثر من 2000 دار نشر، ما يجعل التنظيم المسبق ضرورة عملية لضمان توفير محتوى غني ومتنوع للجمهور.
إيمان بوشليبي: المكتبات ليست رفوفًا للكتب… بل مراكز لصناعة الوعي
في ختام حديثها، تؤكد إيمان بوشليبي أن المكتبات العامة في الشارقة لم تعد مجرد مبانٍ تحتضن الكتب، بل أصبحت مساحات للتعليم، والحوار، والإبداع، والتجربة الإنسانية. وهي ترى أن التحديات الجديدة، ولا سيما تلك المرتبطة بالذكاء الاصطناعي، لن تقلل من أهمية المكتبات، بل تزيد من ضرورة وجود مؤسسات قوية تحمي المعرفة، وتدعم القراءة، وتوفر بيئة آمنة ومتكاملة للوصول إلى المعلومات.
وتختم رسالتها بوضوح: “دورنا أن نوفر كل أشكال المعرفة… لأن الكتاب ليس ورقًا فقط، بل فكرة تنتقل بأي وسيلة تصنع الوعي”.
