فرنسا – السابعة الإخبارية
عاد الجدل القديم المتعلق برحيل النجم الفرنسي كريم بنزيما من معسكر منتخب فرنسا قبل أيام من انطلاق كأس العالم 2022 في قطر إلى الواجهة مجددًا، لكن هذه المرة داخل أروقة القضاء الفرنسي.
فقد أدلى المدير الفني للمنتخب ديدييه ديشامب بشهادته أمام المحكمة القضائية في باريس، في القضية التي رفعها ضد الصحافي دانييل ريولو، بعد اتهامات وجهها الأخير للمدرب بالكذب والتلاعب في رواية إصابة بنزيما وكيفية خروجه من معسكر “الديوك”.

ونقلت صحيفة لو باريزيان الفرنسية تفاصيل دقيقة من شهادة ديشامب، والتي كشف خلالها معلومات تُنشر لأول مرة حول كواليس الساعات الحرجة التي سبقت مغادرة بنزيما، وما رافقها من روايات متضاربة أثارت جدلًا واسعًا بين جماهير الكرة الفرنسية والعالمية.
إصابة غامضة واستدعاءات احترازية
بحسب ديشامب، فإن الشكوك كانت تحوم منذ البداية حول قدرة بنزيما على المشاركة في المونديال، خصوصًا أنه لعب 26 دقيقة فقط في آخر خمس مباريات لريال مدريد قبل انضمامه للمعسكر. ورغم ذلك، أكد المدرب أنه فضّل استدعاء اللاعب حرصًا على الاستفادة من خبرته وموهبته، إلى جانب استدعاء ماركوس تورام كخيار احترازي في حال تفاقمت الحالة البدنية للمهاجم المخضرم.
ولم يخفِ ديشامب الأجواء الصعبة التي رافقت تشخيص الإصابة، موضحًا:«وجدت نفسي أمام لاعب منهار، وأنا أتفهم ذلك… تحدثت إليه وسألته عن رأيه، فقال لي: الأمر انتهى».
وبحسب المدرب الفرنسي، كان الهدف في ذلك الوقت منح بنزيما الوقت لتنظيم خروجه بهدوء والتنسيق مع الجهاز الإداري، خصوصًا أن الصدمة كانت كبيرة على اللاعب الذي كان يمني النفس بخوض أول مونديال له منذ غيابه عن نسخة 2018.
المغادرة المفاجئة… دون وداع
لكن ما لم يتوقعه ديشامب– وفق شهادته– هو مغادرة بنزيما المعسكر في وقت مبكر من صباح اليوم التالي دون إبلاغه مباشرة، حيث علم من مدير الفريق السيد السنهدجي بأن اللاعب غادر الفندق بالفعل قبل التاسعة صباحًا.
يقول ديشامب:«أرسلت له رسالة فور علمي بوصوله إلى وجهته، لأني لم أتمكن من توديعه… وردَّ عليّ بعد عشرين دقيقة».
هذا التفصيل بدا مهمًا للغاية في المحكمة، لأنه ينقض الرواية التي انتشرت حينها والتي ادعت أن المدرب “طرد” بنزيما من المعسكر أو دفعه للمغادرة بصورة مفاجئة.

ديشامب ينفي رواية «الطرد الليلي» بقوة
المدرب لم يُخفِ استياءه من وصف بعض وسائل الإعلام لما حدث، مؤكدًا أمام القضاة:
«عندما تقرأ الكلمات المستخدمة بخصوص لاعب يُزعم أنني طردته في جنح الليل، تدرك أنها كلمات غير منطقية… لأن رده عليّ لم يكن ليأتي بتلك الطريقة لو كان الأمر صحيحًا».
وأشار ديشامب إلى أن الظروف كانت حساسة للغاية، وأنه تعامل مع الموقف بطريقة إنسانية قبل أن تكون مضبوطة وفق مقتضيات المنتخب والبطولة.
هل كان بإمكان بنزيما المشاركة؟
من النقاط التي أثارت جدلاً كبيرًا بعد المونديال، رأي البعض بأن بنزيما كان قادرًا على المشاركة في الأدوار المتقدمة، خصوصًا بعد أن أعلن اللاعب تعافيه سريعًا وشارك مع ريال مدريد بعد انتهاء البطولة بفترة وجيزة.
لكن ديشامب وضع حدًا لهذه التكهنات، موضحًا:«هل يمكنكم تخيل لاعب يعود بعد سبعة أسابيع من الغياب لخوض نصف نهائي ونهائي كأس العالم؟… بالنسبة لإصابة عضلية بهذا النوع، فإن المواعيد الزمنية ليست قابلة للضغط».
وبهذا التصريح، حاول المدرب أن يبرر قراره الفني، مشيرًا إلى أن مشاركة اللاعب كانت شبه مستحيلة وفق المعايير الطبية، وأن منح الفرصة للاعب غير جاهز في بطولة كبيرة يمثل مخاطرة غير مقبولة.
توتر تاريخي يعود إلى الواجهة
وتأتي جلسة المحكمة الأخيرة لتعيد فتح ملف العلاقة المعقدة بين بنزيما وديشامب، وهي علاقة شهدت تقلبات تمتد منذ قضية “الابتزاز” الشهيرة التي أبعدت اللاعب لسنوات عن المنتخب، مرورًا بعودته المتأخرة في يورو 2020، وصولًا إلى مشهد خروجه من معسكر المونديال مما أدى إلى إعلان اعتزاله الدولي بشكل نهائي بعدها بأيام.

القضية أبعد من إصابة رياضية
وفق مراقبين، القضية الحالية لا تتعلق فقط بإصابة لاعب أو مغادرته المعسكر، بل تتجاوز ذلك إلى صراع على الرواية وتحديد من كان صادقًا مع الجمهور الفرنسي. فاتهام دانييل ريولو لمدرب المنتخب بالكذب يعتبر ضربة لسمعة الجهاز الفني، وهو ما دفع ديشامب لحمل الأمر إلى القضاء دفاعًا عن صورته ومكانته.
وبين رواية المدرب ودفاع الصحافي، تظل الحقيقة الكاملة محصورة في تلك اللحظات التي عاشها اللاعب والجهاز الفني داخل غرف مغلقة، بينما سيحدد القضاء ما إذا كان التصريح الصحافي تجاوز الحدود المهنية أم لا.
