تونس – السابعة الاخبارية
بشرى محمد، رحيل الفنانة التونسية بشرى محمد شكّل صدمة كبيرة في الوسط الفني والجمهور داخل تونس وخارجها. نبأ وفاتها لم يكن مجرد خبر عابر، بل هزّ قلوب محبيها وكل من تابع مسيرتها القصيرة نسبيًا لكنها مليئة بالإصرار والصوت الدافئ والحضور المتفرّد. برحيلها، خسر الجمهور صوتًا شابًا كان يُنتظر منه الكثير، وفنانة حملت طموحات كبيرة قُطعت فجأة بسبب صراع طويل مع المرض.
في هذا المقال، نقترب من شخصية بشرى محمد، ونسرد محطات من حياتها، بداياتها الفنية، أعمالها التي أحبّها الجمهور، ودورها الإنساني، قبل أن نصل إلى اللحظات الأخيرة التي فُجعت بها الساحة الفنية.
بشرى محمد من هي وما هو حلمها؟
لم تكن بشرى محمد مجرد اسم ظهر على الساحة الفنية التونسية، بل كانت صوتًا يحمل الكثير من العذوبة والإصرار. شابة موهوبة، دخلت عالم الغناء بدافع الحب الصادق للموسيقى، واستطاعت بصوتها المميز أن تُدخل نفسها إلى قلوب الناس. ورغم أنها لم تحقق انتشارًا عربيًا واسعًا مثل بعض الفنانين، فإن حضورها المحلي كان واضحًا، وكانت خطواتها الفنية تُشير إلى مستقبل واعد.
نشأت بشرى في بيئة تقدّر الفن، وكانت بداياتها بسيطة لكنها مليئة بالشغف. امتلكت شخصية هادئة، لكنها على المسرح كانت تتحول إلى طاقة وإحساس، وهو ما جعل الجمهور يلتفت إليها سريعًا. كانت تؤمن بأن النجاح لا يقاس بعدد الأعمال، بل بمدى صدق الفنان وتأثيره، ولذلك كانت دقيقة جدًا في اختياراتها، ولا تقدّم عملًا إلا إذا كانت مقتنعة بأنه يمثّلها.

مسيرتها الفنية… حضور قصير لكن ثابت
رغم أن مسيرتها لم تكن طويلة، إلا أن بصمتها كانت واضحة. خلال سنوات قليلة، استطاعت بشرى أن ترسم لنفسها مكانًا في عالم الغناء التونسي، وأن يكون لها جمهور يتابعها وينتظر جديدها. لم تنطلق من منصات ضخمة أو برامج مواهب عالمية، بل اعتمدت على موهبتها وجهدها وعلاقتها الصادقة مع الفن.
كانت خطواتها تسير بثبات، وكل عمل جديد تقدمه كان يعكس تطورًا ملحوظًا في اختياراتها وأسلوبها. ومع كل أغنية، كانت تثبت أنها تستحق أن تُسمع وأن تُدعم.
لكن المرض الذي داهمها حدّ من نشاطها في السنوات الأخيرة، ما جعل جمهورها يشعر أن موهبتها تُسلب شيئًا فشيئًا. ومع ذلك، لم تستسلم بشرى، وواصلت تقديم الأغاني كلما سمحت حالتها الصحية، ما أكسبها احترامًا كبيرًا من زملائها ومن جمهورها الذي رأى فيها مثالًا للفنان المقاتل.
أبرز أعمالها… بصمة واضحة رغم قلّتها
ورغم قلة عدد أعمالها، فإن ما قدمته كان كافيًا لتُعرف وتُحب، خاصة بين الشباب. ومن أشهر أغانيها:
أغنية “مو مشكلة”
هذه الأغنية كانت الأكثر انتشارًا لها، وتميزت بطابعها الإيقاعي الحيوي، وأظهرت جانبًا مرحًا من شخصية بشرى. لاقت الأغنية تفاعلًا واسعًا وأصبحت مرتبطة باسمها.
أغنية “ما تبيني”
عمل آخر أكّد نضوجها الفني وقدرتها على تقديم إحساس قوي وصوت قادر على الانتقال بين المقامات بسهولة. كانت هذه الأغنية بالنسبة لكثيرين دليلًا على أن بشرى تمتلك ما يؤهلها لتكون صوتًا عربيًا بارزًا لو استمر عطاؤها.
أعمالها لم تكن كثيرة، لكنها كانت مدروسة، وكان لها أثر واضح لدى من تابعوها. كثيرون رأوا فيها مشروع نجمة صاعدة أوقفها المرض قبل أن تبلغ ذروتها.
شجاعة حتى اللحظة الأخيرة
كانت بشرى مثالًا للإنسان الذي لا ينحني أمام الصعاب. استمرت في الغناء رغم معاناتها الطويلة مع المرض، ورفضت أن يظهر ضعفها أمام الجمهور. كانت تقدم أعمالها بابتسامة، وتظهر في اللقاءات بروح إيجابية، وكأنها تحاول أن تسرق من الحياة أجمل لحظاتها رغم الألم.
زملاؤها في الوسط الفني وصفوها بأنها صاحبة عزيمة من ذهب، وأنها لم تتخلَّ عن الفن حتى عندما كانت صحتها تتدهور. وظلّت حتى آخر أيامها تحلم بالعودة القوية، لكنها غادرت قبل أن يتحقق ذلك.
وداع حزين… وكلمات مؤثرة
وفاة بشرى أثارت موجة كبيرة من الحزن بين الفنانين والإعلاميين، الذين نعوها بكلمات دافئة مؤثرة. امتلأت مواقع التواصل الاجتماعي برسائل الوداع، التي حملت حبًا وتقديرًا لما قدمته، وحسرة على ما لم تستطع تقديمه.
نقابة المهن الموسيقية في تونس نعتها ببيان رسمي، أكدت فيه أن الساحة الفنية فقدت صوتًا شابًا كان قادرًا على تقديم الكثير. وأشارت إلى أن رحيلها يمثل خسارة حقيقية لفن عُرف دائمًا باحتضان المواهب الواعدة.
كما عبّر جمهورها عن حزنه الشديد، مؤكدين أن صوتها سيبقى حاضرًا، وأن ذكراها ستظل خالدة في قلوبهم.

رحيل مؤلم وصوت لن يُنسى
برحيل بشرى محمد، طُويت صفحة موهبة كان المستقبل يبتسم لها. رحلت قبل أن تكمل رحلتها، لكنها تركت وراءها أثرًا لن يمحوه الزمن، وصوتًا سيبقى يتردد في ذاكرة من أحبّوها.
كانت بشرى فنانة صادقة، إنسانة تحمل قلبًا نقيًا، ومقاتلة خاضت معركتها مع المرض بشجاعة نادرة. ورغم الغياب، فإن حضورها سيبقى في وجدان جمهورها، وفي سجل الفن التونسي الذي فقد إحدى أصواته الشابة الواعدة.
رحم الله بشرى محمد… وأسكنها فسيح جناته.
