لشبونة – السابعة الاخبارية
البرلمان الأوروبي 2025، أعاد البرلمان الأوروبي فتح واحد من أكثر الملفات حساسية في العصر الرقمي، عندما صوّت بغالبية كبيرة على تقرير غير ملزم يدعو إلى فرض قيود صارمة على استخدام وسائل التواصل الاجتماعي لمن هم دون سن السادسة عشرة، في خطوة يُنظر إليها على نطاق واسع باعتبارها منعطفًا تشريعيًا قد يغيّر مستقبل التكنولوجيا الرقمية داخل دول الاتحاد الأوروبي.
ورغم أن التقرير غير مُلزِم قانونيًا للحكومات، فإنه يحمل دلالات سياسية عميقة، خصوصًا مع ارتفاع الأصوات التي تنادي بالتحرك العاجل لحماية القاصرين من التأثيرات السلبية للمنصات الرقمية، بدءًا من الإدمان ووصولًا إلى الانتهاكات الخفية للخصوصية.
البرلمان الأوروبي 2025… تحديد سن موحدة لاستخدام وسائل التواصل الاجتماعي
في قلب هذا المقترح يأتي مطلب وضع سن دنيا موحدة تبلغ 16 عامًا لاستخدام شبكات التواصل الاجتماعي، وبرامج نشر الفيديو، وتطبيقات الدردشة المعتمدة على الذكاء الاصطناعي. هذه الخطوة تهدف إلى إنهاء الفوضى التنظيمية التي تشهدها الدول الأوروبية، حيث تختلف القوانين من دولة إلى أخرى، ما جعل الشركات التقنية قادرة على الالتفاف على اللوائح أو استغلال الثغرات.
وفقًا للتوصيات البرلمانية، سيُسمح لمن تتراوح أعمارهم بين 13 و16 عامًا باستخدام هذه الخدمات ولكن بموافقة الوالدين فقط. ويعني ذلك أن منصات التواصل ستكون مضطرة لتطوير أدوات تحقق أكثر صرامة، وهو ما قد يشكل عبئًا تقنيًا عليها لكنه في الوقت ذاته يعزز مسؤوليتها تجاه القاصرين.
يؤكد مؤيدو الخطوة أن الأطفال والمراهقين أصبحوا الفئة الأكثر تعرضًا لاضطرابات نفسية ناتجة عن الاستخدام المفرط لهذه المنصات، بينما يرى معارضون أن هذه القيود قد تحد من حرية التعبير وتترك دورًا مبالغًا فيه للوالدين.

البرلمان الأوروبي 2025… مواجهة “هندسة الإدمان” داخل التطبيقات
أحد أكثر البنود جرأة في تقرير البرلمان هو الدعوة إلى حظر التقنيات التي تحفّز الإدمان السلوكي لدى القاصرين. وتشمل هذه التقنيات أساليب باتت تُعرف باسم “هندسة الإدمان”، والتي تقوم على جعل المستخدم يقضي أطول وقت ممكن أمام الشاشة.
من بين هذه الممارسات التي يطالب النواب بحظرها:
- تقنية السحب للأسفل للتحديث أو ما يُعرف بـ Pull-to-Refresh، المشابهة لشد ذراع ماكينة القمار.
- أنظمة المكافآت الرقمية التي تمنح المستخدم نقاطًا أو إشعارات أو عناصر افتراضية مقابل المزيد من الاستخدام.
- خوارزميات التوصية المبنية على “الجرعة المتقطعة” للمحتوى.
هذه الدعوات تعكس تحولًا مهمًا في النظرة الأوروبية تجاه شركات التكنولوجيا التي تُتهم باستغلال علم النفس السلوكي لجذب القاصرين بطرق غير مباشرة. ويعتقد مشرعون أن منع هذه الأنظمة قد يقلل من “التشتيت الذهني الدائم” ويعيد للأطفال توازنهم الاجتماعي والنفسي.
البرلمان الأوروبي 2025… نحو حظر المواقع غير الملتزمة بالقوانين الأوروبية
لم يكتف البرلمان بمطالبة المنصات بتعديل أساليب عملها، بل دعا في تقريره إلى حظر المواقع الإلكترونية التي لا تلتزم بالمعايير الأوروبية، سواء من حيث حماية البيانات أو الإعلانات الموجهة للأطفال أو الأمان الرقمي.
هذا التوجه يأتي في ظل تنامي النقاش حول ضعف إنفاذ القوانين الأوروبية أمام مواقع تعمل من خارج القارة، وتستهدف الأطفال بمحتوى غير مراقب أو بعمليات جمع بيانات مخالفة. ويهدف المقترح إلى إجبار أي موقع يرغب في العمل داخل حدود الاتحاد الأوروبي على الالتزام الكامل بـ”معايير الأمان الرقمية للقاصرين” التي يجري تطويرها حاليًا ضمن تشريعات أوسع تشمل قانون الخدمات الرقمية (DSA) وقانون الأسواق الرقمية (DMA).
النواب أكدوا أن الإنترنت ليس “مساحة فوضوية خارج القانون”، وأن زمن “الداتا المفتوحة بلا رقابة” قد انتهى.
البرلمان الأوروبي 2025… توصيات تنتظر قرار المفوضية الأوروبية
وبحسب الإجراءات الأوروبية، ستعكف لجنة متخصصة من الخبراء على إعداد توصيات نهائية تُرفع إلى رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لايين، التي أبدت تأييدًا واضحًا لفرض قيود على استخدام القاصرين لوسائل التواصل.
الدعم العلني من رئيسة المفوضية يُعد مؤشرًا مهمًا على إمكانية تحول هذه المقترحات إلى تشريع رسمي خلال السنوات المقبلة. ومن المتوقع أن تتكامل هذه الخطوات مع مشروع أوسع يهدف إلى تجريم ممارسات “الذكاء الاصطناعي غير الأخلاقي”، إضافة إلى تطوير قواعد صارمة لحماية الأطفال من المحتوى المؤذي.
ومن المقرر أن ترفع اللجنة توصياتها بحلول نهاية العام، ما يعني أن 2025 قد يكون عامًا مفصليًا في مسار التشريعات الرقمية الأوروبية.
البرلمان الأوروبي 2025… بين حماية القاصرين والحد من الحريات
رغم التأييد الواسع داخل البرلمان، فإن المقترح أثار نقاشًا حادًا حول الحدود بين الحماية القانونية والقيود غير المبررة على حرية الأطفال في الوصول للمعلومات.
يرى مؤيدو القرار أن المخاطر الصحية والنفسية تفوق أي جدل حول الحرية الرقمية، مشيرين إلى القلق المتزايد بشأن الاكتئاب، واضطرابات النوم، والتنمر الإلكتروني، وضعف الانتباه، وكلها أصبحت مرتبطة بالاستخدام غير المنضبط للمنصات.
في المقابل، يعتقد المعارضون أن التشريعات يجب أن تركز على التوعية الرقمية وتمكين الأهل والمدارس، بدل فرض قيود قد تكون صعبة التطبيق وقد تدفع الأطفال إلى استخدام منصات بديلة غير منظمة.
ورغم ذلك، فإن الرأي الغالب داخل المؤسسات الأوروبية يميل إلى أن “الأضرار لم تعد تحتمل الانتظار”، وأن حماية الأطفال باتت أولوية تشريعية تتطلب تدخلًا عاجلاً.

هل يصبح الحظر حقيقة قريبًا؟
بين مقترحات البرلمان ودعم المفوضية الأوروبية وازدياد الضغط الاجتماعي على شركات التكنولوجيا، تبدو أوروبا مقبلة على واحدة من أكبر التحولات في سياساتها الرقمية منذ عقدين. وإذا تم تبني هذه المقترحات رسميًا، فقد يصبح حظر استخدام وسائل التواصل الاجتماعي لمن هم دون السادسة عشرة — دون موافقة الوالدين — واقعًا بحلول السنوات القليلة المقبلة.
ويبقى السؤال الآن: هل ستنجح أوروبا في فرض هذا النظام على عمالقة التكنولوجيا العالمية؟ أم أن المواجهة المقبلة ستكون أصعب مما يتوقعه المشرّعون؟
