المغرب، محمد الصو – السابعة الاخبارية
إفريقيا، قرر الاتحاد الإفريقي لكرة القدم “كاف” مؤخرًا إقامة بطولة كأس الأمم الإفريقية كل أربع سنوات بدلًا من كل عامين، خطوة جاءت بهدف منح البطولة مزيدًا من القيمة التنظيمية والتسويقية، وتقليل الضغوط على المنتخبات واللاعبين. لكن هذا القرار يحمل خسائر محتملة على عدة مستويات في إفريقيا، سواء على المستوى المالي، أو الرياضي، أو حتى الجماهيري والثقافي. نستعرض فيما يلي أبرز هذه الخسائر وما قد يعنيه القرار للمستقبل القاري.
إفريقيا تخسر ماليًا للكاف والاتحادات المحلية
تُعد بطولة كأس الأمم الإفريقية المصدر الأساسي للإيرادات بالنسبة للاتحاد الإفريقي لكرة القدم، حيث تمثل نحو 80% من إجمالي دخله السنوي. تقليل عدد النسخ من كل عامين إلى كل أربع سنوات يعني أن “كاف” سيفقد أكثر من نصف الفرص السنوية لتحقيق دخل ثابت، بما يشمل حقوق البث التلفزيوني، التي تعد المورد الأكبر، إلى جانب عقود الرعاية والإعلانات.
القرار لا يؤثر فقط على الاتحاد القاري، بل يمتد تأثيره إلى الاتحادات المحلية التي تعتمد على المشاركة في البطولة كمصدر تمويل مهم. هذه الاتحادات عادةً ما تستخدم عوائد البطولة لتغطية تكاليف إعداد المنتخبات، تطوير الأكاديميات، ودعم البرامج الشبابية. مع قلة النسخ، ستواجه هذه الاتحادات صعوبة في التخطيط المالي المستدام، وستحتاج للبحث عن مصادر دخل بديلة لتعويض الفرق المالية.

تراجع فرص تطور المنتخبات الأفريقية
من الناحية الرياضية، البطولة كانت تعتبر منصة أساسية لتطوير المنتخبات، خاصة المتوسطة والضعيفة. المنتخبات الصغيرة والمتوسطة تعتمد على البطولة كل عامين للاحتكاك القاري واكتساب الخبرة في المنافسات الكبرى. تقليص النسخ إلى كل أربع سنوات يعني فقدان فرصة بناء جيل جديد من اللاعبين بشكل منتظم، وهو ما قد يؤثر على مستوى الفرق على المدى الطويل.
القرار سيقلل أيضًا من فرص ظهور اللاعبين المحليين على الساحة الدولية. البطولات القارية تمثل نافذة للتسويق الخارجي، سواء للانتقال إلى أندية احترافية في أوروبا أو الشرق الأوسط، أو لتعزيز سمعة اللاعبين في السوق الكروي القاري. تقليص النسخ يعني قلة الفرص لللاعبين لإظهار قدراتهم، وهو ما قد يضعف مسار الاحتراف للشباب الأفريقي.
خسائر للدول المستضيفة
الاستضافة السنوية أو نصف السنوية للبطولة كانت توفر فوائد اقتصادية ملموسة للدول المضيفة. كل نسخة كانت تعني تنشيط قطاع السياحة، مع تدفق آلاف المشجعين والزوار، وتحريك قطاعات الفنادق والمطاعم والنقل، إضافة إلى توفير فرص عمل مؤقتة ومباشرة.
مع إقامة البطولة كل أربع سنوات، تقل فرص الاستفادة المتكررة من هذه المكاسب الاقتصادية. الدول التي كانت تعوّل على البطولة كرافعة لتنشيط الاقتصاد المحلي ستواجه فجوة زمنية أطول بين كل نسخة وأخرى، ما قد يؤدي إلى تراجع في الدخل السياحي والاستثماري المتعلق بالحدث.
كما أن المشاريع البنية التحتية التي تُقام عادة استعدادًا للبطولة ستستفيد أقل من الاستخدام المتكرر، ما يقلل من عائد الاستثمار على المدى الطويل. هذا يشكل تحديًا إضافيًا أمام الدول المضيفة في تحقيق الاستدامة الاقتصادية المرتبطة بالرياضة.
فقدان الزخم الجماهيري والتأثير الثقافي
كأس الأمم الأفريقية تتمتع بطابع جماهيري وثقافي قوي، وتحظى بمتابعة شعبية هائلة في مختلف أنحاء القارة. إقامتها كل عامين ساعدت على الحفاظ على حضور إعلامي مستمر وشغف جماهيري متواصل.
تقليص النسخ إلى كل أربع سنوات قد يؤدي إلى تراجع الاهتمام الجماهيري، حيث ستفقد المنتخبات والجماهير الفرصة للحفاظ على استمرارية الحماس، كما أن اللاعبين الصاعدين سيحصلون على فرص أقل للتألق على المستوى القاري. ضعف الزخم الجماهيري قد ينعكس على قيمة حقوق البث والرعاية التجارية، وبالتالي يزيد من الخسائر المالية المحتملة للكاف والدول المشاركة.
الخسائر الاقتصادية غير المباشرة
بالإضافة إلى العوائد المباشرة، البطولة كانت تمثل رافعة اقتصادية غير مباشرة. نجاح البطولة المنتظمة ساعد في جذب مؤتمرات دولية، واستثمارات رياضية وسياحية، وحتى فعاليات ترفيهية مرتبطة بالرياضة. تقليل النسخ يقلل من فرص هذه العوائد، ويجعل الاستفادة الاقتصادية أقل انتظامًا.
على المستوى القاري، البطولات المستمرة ساهمت في تسويق القارة كمركز رياضي واقتصادي، وأثبتت قدرة إفريقيا على إدارة منتج رياضي عالمي مربح. تأجيل البطولة إلى كل أربع سنوات قد يقلل من هذا التأثير ويضعف صورة القارة في السوق الرياضي العالمي.

قرار إقامة كأس الأمم الأفريقية كل أربع سنوات قد يحقق بعض المكاسب التنظيمية، لكنه يحمل خسائر كبيرة على المستويات المالية والرياضية والثقافية. انخفاض العائدات المالية، تراجع فرص تطوير المنتخبات واللاعبين، تقليل المكاسب الاقتصادية للدول المستضيفة، وفقدان الزخم الجماهيري، كلها تحديات يجب أن يواجهها الاتحاد الأفريقي والدول المعنية.
يبقى السؤال الأهم: هل ستتمكن إفريقيا من تعويض هذه الخسائر عبر استراتيجيات تسويق مبتكرة وتنظيم أفضل للبطولة، أم أن التقليص سيضعف التأثير الاقتصادي والرياضي لأهم حدث كروي في القارة على المدى الطويل؟
