بريطانيا – السابعة الإخبارية
في مشهد إنساني لافت يبتعد عن البروتوكولات الرسمية، اعترف الملك تشارلز الثالث، ملك بريطانيا، بأن شغفه القديم بالبستنة لا يخلو من مواقف طريفة، كاشفًا أنه «يقطع أحيانًا أجزاء من أصابعه» أثناء ممارسته هوايته المفضلة بين الأشجار والنباتات. جاء هذا الاعتراف بروح مرحة خلال جولة في حدائقه الاسكتلندية، ليؤكد أن علاقته بالطبيعة تتجاوز كونها هواية ملكية إلى شغف رافقه منذ الطفولة ولا يزال يشكل جزءًا أساسيًا من شخصيته.
الملك تشارلز: «أقضي حياتي وأنا أتجول ومعي مقص التقليم الخاص بي
وخلال حديثه لبرنامج This Natural Life على إذاعة BBC Radio 4، الذي جرى تسجيله في حدائق منزله بمدينة دومفريز، بدا الملك تشارلز مرتاحًا وهو يتحدث عن ارتباطه العميق بالبستنة، مشيرًا إلى أن المقص لا يفارقه أينما ذهب.
وقال ضاحكًا لمقدمة البرنامج مارثا كيرني: «أقضي حياتي وأنا أتجول ومعي مقص التقليم الخاص بي، وأقوم أحيانًا بقطع أجزاء من أصابعي». ورغم هذه «الحوادث البسيطة»، كما وصفها، شدد الملك على أن حبه لفن التشذيب والعناية بالنباتات لم يتأثر، بل ربما زاد تعلقه بالأرض والطبيعة.
هذا التصريح أعاد تسليط الضوء على جانب أقل رسمية من حياة الملك تشارلز الثالث، المعروف منذ سنوات طويلة بدعمه للقضايا البيئية والاستدامة. فالبستنة بالنسبة له ليست مجرد نشاط للاسترخاء، بل فلسفة حياة ورؤية متكاملة تحترم التوازن بين الإنسان والطبيعة. وأوضح الملك أن شغفه هذا بدأ منذ طفولته المبكرة في حدائق ساندرينغهام وويندسور، حيث كانت المساحات الخضراء الواسعة مصدر إلهام دائم له.
وفي سياق حديثه، استعرض الملك ما وصفه بـ«إرث البستنة الملكي»، مشيرًا إلى أن هذا الاهتمام بالطبيعة متجذر في العائلة المالكة عبر أجيال متعاقبة. فقد ورث هذا الشغف عن جدته الملكة الأم، وكذلك عن جدة جدته الملكة ألكسندرا، اللتين كانتا توليان اهتمامًا كبيرًا بالحدائق وتنسيق النباتات. وأكد أن حدائق ساندرينغهام لعبت دورًا محوريًا في تشكيل وعيه البيئي منذ الصغر، لافتًا إلى حديقة الأشجار المزخرفة الجديدة التي افتُتحت في يوليو/تموز 2023، وتضم أكثر من خمسة آلاف شجرة طقسوس إنجليزية، باعتبارها مثالًا حيًا على هذا الإرث المستمر.
وقال الملك: «لقد أثار فضولي حقًا عندما كنت طفلًا صغيرًا، ومنذ ذلك الحين وأنا أمتلك هذا الشغف بفن تشكيل الأشجار». وأضاف أنه يعتبر نفسه واحدًا من أولئك الذين يتأثرون بعمق بالطبيعة ويستجيبون لتجربة التواجد في الهواء الطلق، حيث يجد في الملاحظة الدقيقة للنباتات والأشجار مصدر إلهام وهدوء في آن واحد.

ولم يقتصر حديث الملك تشارلز على الذكريات الشخصية، بل تطرق أيضًا إلى رؤيته لدور البستنة في دعم الاستدامة وتشجيع الأجيال الجديدة على الاهتمام بالكوكب. وأكد أن إشراك الأطفال في زراعة الخضراوات داخل المدارس يمكن أن يشكل خطوة مهمة نحو بناء وعي بيئي مبكر. وقال في هذا السياق: «أعتقد أن نصف المعركة يكمن في محاولة إيجاد طريقة لتمكين المزيد من الأطفال من المساعدة في حدائق الخضراوات المدرسية».

وأوضح أن هذه التجربة العملية تعزز لدى الأطفال شعورًا بالارتباط بالمنتجات المحلية، وتجعلهم أكثر وعيًا بمصادر الغذاء، كما تدفعهم للتفكير في تأثيرات تغير المناخ على الأمن الغذائي. ويرى الملك أن العلاقة المباشرة مع الأرض تُعد أداة تعليمية فعالة لا تقل أهمية عن المناهج الدراسية التقليدية.
ويُذكر أن الملك تشارلز تولى إدارة عقار ساندرينغهام، الذي تبلغ مساحته نحو 21 ألف فدان، عام 2017 عندما كان لا يزال أميرًا لويلز. إلا أنه شدد خلال المقابلة على أن شغفه بالبستنة سبق هذا الدور الإداري بسنوات طويلة، مؤكدًا أن حبه للطبيعة لم يكن يومًا مرتبطًا بالمناصب أو الألقاب، بل هو جزء أصيل من حياته اليومية.
بهذا الاعتراف البسيط والعفوي، يقدم الملك تشارلز الثالث صورة مختلفة للقيادة، صورة أقرب إلى الإنسان العادي الذي يجد سعادته بين الأشجار والتربة، حتى وإن كلّفه ذلك جرحًا صغيرًا في أحد أصابعه، في سبيل شغف لا ينتهي.
