بريطانيا – السابعة الإخبارية
في خطوة لافتة تعكس توجهًا متزايدًا نحو تعزيز التنوع والاندماج داخل المؤسسات الأمنية، أعلنت الشرطة البريطانية عن إدخال تصميم جديد للحجاب ضمن الزي الرسمي للشرطيات المسلمات، بهدف رفع مستوى السلامة المهنية وتشجيع المزيد من النساء المسلمات على الانضمام إلى العمل الشرطي. المبادرة، التي لاقت اهتمامًا واسعًا، تسعى إلى التوفيق بين متطلبات العمل الميداني القاسي واحترام الخصوصية الدينية والشخصية.
التصميم الجديد، الذي أُطلق عليه اسم «حجاب الضوء الأزرق» (Blue Light Hijab)، يتميز بآلية مبتكرة تقوم على قطعتين من القماش متصلتين بمشبك مغناطيسي سريع الانفصال. وقد جرى تطوير هذا النظام خصيصًا لمعالجة المخاوف الأمنية المرتبطة بارتداء الحجاب أثناء أداء المهام الشرطية، لا سيما في حالات المواجهة أو التدخل الميداني، حيث يمكن أن يشكل الحجاب التقليدي خطرًا في حال تعرضه للشد أو السحب.
ويتيح المشبك المغناطيسي انفصال الجزء السفلي من الحجاب تلقائيًا عند تعرضه لقوة مفاجئة، ما يقلل من مخاطر الاختناق أو فقدان التوازن، دون أن يؤدي ذلك إلى كشف شعر الشرطية. ويُعد هذا الجانب عنصرًا بالغ الأهمية، إذ يوازن بين معايير السلامة المهنية والحفاظ على الكرامة الدينية والشخصية، وهو ما شددت عليه المشاركات في عملية التطوير منذ مراحلها الأولى.

شرطة ليسترشير بدأت بالفعل بتوزيع الحجاب
وبحسب ما نقلته صحيفة ديلي ميل البريطانية، بدأت شرطة ليسترشير بالفعل بتوزيع الحجاب الجديد على جميع الشرطيات المؤهلات ضمن صفوفها، في حين أبدت قوات شرطة أخرى اهتمامًا واضحًا بتجربة التصميم الجديد. كما بدأت بعض الجهات الأمنية بتقديم طلبات لاعتماده، وسط توقعات بإمكانية تعميم الفكرة مستقبلًا لتشمل قطاعات أخرى مثل خدمات الطوارئ، وربما حتى بعض أقسام المستشفيات التي تتطلب ملابس عمل آمنة وعملية.
وجرى تطوير «حجاب الضوء الأزرق» ضمن شراكة بين شرطة ليسترشير وجامعة دي مونتفورت، بعد سلسلة من المشاورات المباشرة مع شرطيات مسلمات عاملات في الميدان. وهدفت هذه اللقاءات إلى ضمان توافق التصميم مع متطلبات العمل الشرطي من جهة، والالتزام بالضوابط الدينية من جهة أخرى. كما خضع الحجاب لاختبارات ميدانية مكثفة شملت تدريبات بدنية وسيناريوهات تحاكي المواجهات الواقعية، وأظهرت النتائج فعاليته من حيث الأمان والمتانة وسهولة الاستخدام.
وفي هذا السياق، قالت المحققة الرقيب ياسين ديساي، التي أشرفت على المشروع، إن فكرة الحجاب الآمن طُرحت لأول مرة قبل نحو 20 عامًا، إلا أن تحويلها إلى واقع عملي استغرق سنوات طويلة من البحث والتطوير والتجارب. وأكدت أن النسخة النهائية من التصميم «آمنة، عملية، وتحافظ على كرامة النساء المسلمات»، مشيرة إلى أن المشروع يمثل إنجازًا مهمًا على مستوى الشمولية داخل بيئة العمل الشرطي.

ولا تقتصر أهمية هذه الخطوة على الجانب التقني أو المتعلق بالزي الرسمي فحسب، بل تمتد إلى أبعاد اجتماعية أوسع. فالشرطة البريطانية تسعى من خلال هذه المبادرة إلى تعزيز تمثيل الأقليات داخل صفوفها، في ظل إحصاءات تشير إلى أن المسلمين يشكلون نحو 2.5% فقط من عناصر الشرطة، رغم أنهم يمثلون قرابة 6% من إجمالي سكان المملكة المتحدة. ويأمل القائمون على المشروع أن يسهم الحجاب الجديد في إزالة أحد العوائق التي كانت تحول دون التحاق بعض النساء المسلمات بالمهنة.
ويرى مراقبون أن إدخال هذا النوع من التعديلات يعكس تحولًا تدريجيًا في ثقافة المؤسسات الأمنية، باتجاه مزيد من المرونة والاعتراف باختلاف الخلفيات الدينية والثقافية، دون الإخلال بمعايير السلامة أو المهنية. كما يبعث برسالة إيجابية مفادها أن الانتماء الديني لا يتعارض بالضرورة مع العمل في المجالات الأمنية، طالما توفرت حلول ذكية ومدروسة.
في المحصلة، يمثل «حجاب الضوء الأزرق» أكثر من مجرد قطعة زي رسمي؛ فهو نموذج لابتكار عملي يجمع بين الأمان والاحترام، ويؤكد أن تطوير بيئة العمل لتكون أكثر شمولًا قد يكون مفتاحًا لجذب كفاءات جديدة، وتعزيز الثقة بين أجهزة الأمن والمجتمع بكل مكوناته.
