متابعات- السابعة الإخبارية
تقول حنين إنها لم تعد تمارس رياضة المشي في واجهة بيروت البحرية منذ أن انتشر خبر “اغتصاب امرأة وهي تمارس الرياضة ليلاً في المنطقة”، وقيل إنها “بالكاد نجت من الاعتداء وتعرضت لإصابات بليغة” كما أن “أحداً لم يتدخل لمساعدتها” وأن المكان غير مراقب بكاميرات.
انتشرت هذه القصة على مواقع التواصل في لبنان يوم الأربعاء الماضي، بعدما طلبت الناجية من صديقاتها نشر ما حدث لها، لتحذير النساء وتوعيتهنّ مما أصبح الوضع عليه في البلاد.
شكّلت هذه القصة صدمة لدى كثيرين، وغذّت مشاعر القلق وعدم الارتياح من الوضع العام في المدينة، منذ اشتداد الأزمة الاقتصادية وغياب الإنارة على الطرقات والتفلت الأمني.
وبدورها تقول نانسي لبي بي سي عربي، إنها أصبحت تشعر بالقلق في الأشهر الأخيرة في كل مرة تعود فيها إلى منزلها في شارع مار مخايل في منطقة الأشرفية ليلاً، على الرغم من أنه مكتظ بالحانات والساهرين. وتضيف إن الظلام الحالك وغياب الإنارة “يجعل كل شيء ممكناً”.
وفي محاولة لاستيضاح تفاصيل الحادثة الصادمة، تحدثنا الى مصدر أمني لبناني معني بالتحدث عن القضية، لكنه طلب عدم ذكر مسماه الوظيفي أو اسمه، قال لبي بي سي إن ما حدث كان “محاولة اغتصاب” لم تنجح بسبب “صراخ الفتاة وهروب المعتدي بعد تدخل المارّة”.
ويؤكد المصدر أن الناجية تقدمت بشكوى في المخفر وأنه فتح تحقيقٌ بالقضية.
غياب الأمن
سألنا المصدر الأمني إن كان هناك انخفاض في عدد الدوريات التي تقوم بها قوى الأمن الداخلي في الشوارع، وهو ما نسمعه من مواطنين، إلا أنه قال إن ذلك لم يحصل أبداً.
كما اعتبر أن الجرائم ضد النساء في لبنان “نادرة”، وأن “نسبة الجرائم في لبنان ظلت منخفضة رغم الأزمة وأنها بقيت أفضل بكثير من نسب الجرائم في الكثير من الدول الأوروبية”، “ليس جميعها طبعاً” يضيف، ويتابع أن “نسبة توقيفات مرتكبي جرائم القتل مثلاً، مرتفعة جداً وتصل إلى 80 في المئة خلال العام الأول من تاريخ وقوع الجريمة، فيما تصل هذه النسبة في بلدان أوروبية الى 45 في المئة فقط”.
وقتلت في لبنان 6 سيدات على يد أزواجهنّ خلال الشهرين الأولين من العام الحالي، بحسب إحصائيات منظمة “كفى عنف واستغلال” الناشطة في مجال الدفاع عن حقوق المرأة والمطالبة بقوانين عادلة للمواطنات النساء.
وكانت جريمة قتل زينب زعيتر على يد زوجها وأمام أعين أطفالها في محلة صحراء الشويفات في بيروت، مطلع الأسبوع الماضي، قد هزت الشارع اللبناني، خصوصاً بعد تضامن شقيق الضحية مع قاتلها وقوله إنه جاء “لغسل عار العائلة”.
ودائماً ما تتهم النساء المغدورات في لبنان بـ”تشويه شرف العائلة” من قبل قاتليهن، فيقتلن بما يوصف بـ”جرائم شرف” تحت ذريعة “الشرف” و”غسل العار” على الرغم من إلغاء المادة التي كانت تخفف من عقوبة مرتكبي الجرائم الذين يقدمون هذا الدافع كسبب لجريمتهم، من القانون اللبناني في العام 2011.
وتقول إحدى الروايات التي انتشرت بعد مقتل زينب، إن الدافع وراء الجريمة كان “عثور الزوج خلال تفتيشه هاتف زوجته على صور لها بدون حجاب”.
وفي أواخر شهر فبراير/شباط، قتلت منى الحمصي على يد طليقها بالسلاح، وسط الشارع أمام عيون المارة، أمام منزل ذويها في جبل محسن في طرابلس.
ونقلت وسائل إعلامية حينها أن منى كانت تتعرض منذ سنوات قبل حصولها على الطلاق، للعنف الأسري على يد زوجها.
سألنا المصدر الأمني أيضاً، عن عشرات المنشورات التي تنشر على صفحات قوى الأمن الداخلي على مواقع التواصل الاجتماعي، والتي تعلن عن فقدان شابات ونساء بوتيرة مقلقة، وتتضمن صور المفقودات وأسمائهنّ وتطلب مما يعرف عنهنّ شيئاً التواصل على رقم خاص.
لكنه أكد أنّ سبب هذه الحالات “هو شخصي دائماً”، وليس له علاقة بأي مسألة أخرى. كما عدّد أسباب فقدانهنّ بأنهنّ “يرغبن في الهروب من عائلاتهنّ أو لأنهنّ راغبات في الزواج من أحد الأشخاص أو يعانين من أمراض نفسية”.
وكانت المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي اللبنانية، أعلنت أواخر شهر فبراير/شباط، عن توقيف شبكة إتجار بالبشر، تحتجز فتيات بشكل دائم في أحد الفنادق في منطقة الرميلة وفي منزل في بلدة عرمون، وتجبرهنّ على ممارسة الدعارة.
التمييز ضد النساء
وفي اتصال مع المسؤولة الإعلامية في منظمة “كفى عنف واستغلال”،زينة الأعور، لمحاولة رصد إن كان هناك زيادة في نسب العنف ضد النساء في لبنان في الأشهر الأخيرة، قالت الأعور إنّ “الوعي المجتمعي حول العنف الأسري زاد بشكل كبير في الفترة الأخيرة، مما قد يفسر سماعنا بشكل أكبر بمثل هذه الحالات بعد تحولها إلى قضايا رأي عام”.
وتضيف أنّ الأرقام لا يمكن أن تكون دقيقة تماماً، إذ إن المنظمة سجلت 11 حالة قتل وانتحار منذ بداية العام الجاري. وتضمنت إحصائيات المنظمة بعض حالات الانتحار، بعد شكوك جدية بأن سبب الوفاة الحقيقي قد يكون ناتجاً عن العنف الأسري وليس الانتحار كما تقول العائلة.
وتؤكد الأعور أن أرقام العنف الأسري في لبنان، لطالما كانت مرتفعة، على الرغم من إقرار قانون العنف الأسري في البلاد في عام 2014 والتي تقول الجمعية إنها لا زالت لديها بعض الملاحظات عليه.
وتشير المتحدثة باسم “كفى”، إلى أن الحل الوحيد لمشكلة العنف ضد النساء بجميع أشكاله، يكون بمعالجة جذور المشكلة والتي تحل بإقرار قانون موحد للأحوال الشخصية، لا يفرق بين الجنسين في الحقوق والواجبات، ولا يفرق بين المواطنين من مذاهب وطوائف مختلفة.
وتضيف أن المشكلة الحالية تنبع من “إعطاء الرجل فائضا من السلطة والقوة داخل الأسرة وينعكس ذلك بدوره على المجتمع بشكل عام”.
“المشكلة تنبع من إعطاء الرجل فائضا من السلطة والقوة داخل الأسرة وينعكس ذلك بدوره على المجتمع”
وتتابع أن ذلك “يسمح له باعتبار المرأة ملكية له وأنه وصي عليها ويمكنه أن يتصرف وفق هذه السلطة”.
وتعتبر الأعور أن المشكلة الحقيقية هي”بالمماطلة بصدور الأحكام الصادرة بحق مرتكبي جرائم العنف الأسري أمام القضاء وبالأخطاء التي تتضمنها بعض القوانين”.
وتطالب بإنزال”عقوبات مشددة بحق المجرمين والإسراع باتخاذ الأحكام والمعاقبة بشكل حازم”.
ولطالما لم تكن حماية النساء أولوية في لبنان، وكان وزير الشؤون الاجتماعية اللبناني، هكتور حجار، دعا في مقابلة مع جريدة “النهار” المحلية، أواخر شهر مارس/آذار، الأمم المتحدة لإعادة ترتيب أولوياتها في لبنان، معتبراً أن الأولويات حالياً ليست تحسين مشاركة المرأة في الحياة السياسية أو منع تزويج القاصرات، معتبراً أن ذلك لن يحل الأزمة التي يعانيها لبنان.
يمكن وصف ما يحصل حالياً في لبنان أنه وكأنّ الدولة قد تخلّت فعلياً عن مواطنيها، ويدفع ثمن ذلك بشكل أكبر وأوضح، النساء، اللواتي يعانين من التمييز على أساس الجنس، في الشارع والمنزل ومجلس النواب وأمام المحكمة.